اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الإمارات اليوم
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
حدد مختصون ستة أشكال من الدعم يحتاج إليها الأبناء في حال انفصال الوالدين حتى لا ينشأوا تحت ضغط التفكك الأسري، مؤكدين أن تجربة الطلاق تُحدث تغييرات كبيرة في حياة الطفل، ويمكن أن تكون آثاره على الصحة العاطفية والنمو عميقة، وتصل إلى الاحتراق النفسي، خصوصاً في مرحلة المراهقة، نتيجة مواجهتهم اضطرابات نفسية وعصبية وأعباءً تفوق سنهم، ما ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر، وهذا هو الثمن الذي يدفعه الأبناء نتيجة قرار انفصال الآباء دون اتخاذ أنماط الدعم التي تضمن حماية الصغار واستقرارهم.
وتفصيلاً، أكد مختصون في الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية والتعليم أنه على الرغم من أن كل طفل يتفاعل بشكل مختلف مع تجربة الطلاق، إلا أنه من المهم للوالدين أن يفهموا الآثار المحتملة، ويتخذوا الخطوات اللازمة لتقديم الدعم، مشيرين إلى أن الأطفال يعانون من مجموعة متنوعة من المشاعر خلال فترة الطلاق وبعدها، كالحزن والغضب والخوف والشعور بالذنب والتوتر والارتباك، وتعتبر هذه المشاعر طبيعية، ولكنها قد تظهر بطرق مختلفة، حسب عمر الطفل وعلاقة الوالدين بعد الانفصال ومدى تحييد علاقتهما بالأبناء بعيداً عن خلافاتهما.
وأجمعوا على أن الأحداث الصادمة في سن مبكرة مثل طلاق الوالدين تترك بصماتها على الأطفال طوال حياتهم، ويمكن أن تؤدي إلى أمراض مختلفة، حيث يشعر الطفل بالعواطف أكثر من البالغين، لذلك يعتبر صدمة فقدانه لأحد والديه وغيابه الدائم عن المنزل بسبب الطلاق دليلاً على عدم الحاجة إلى وجوده، ويعتقد أنه السبب في تفكك العائلة، ويصاحب الشعور بالذنب الذي قد يتطور مع الوقت ويتحول إلى حالة اكتئاب أو اضطرابات عصبية أو أمراض نفسية وجسدية.
وحددوا ستة أشكال من الدعم يحتاج إليها الأبناء خلال الفترة الانتقالية التي تعقب طلاق والديهما تشمل: الحفاظ على نمط الحياة المعتاد، وتشجيع التواصل المفتوح، وطمأنة الطفل، وانتباه الوالدين لسلوكياتهم، وإبقاء الطفل وتحييده بعيداً عن مشاكل الطلاق، إضافة إلى طلب دعم المتخصصين، مشيرين إلى أهمية اطلاع الوالدين على احتياجات الطفل بعد الطلاق، وتقديم الدعم المستمر له لمساعدته في التغلب على التحديات العاطفية التي يفرضها الطلاق، والخروج من هذه التجربة أكثر مرونة وأفضل جاهزية للتعامل مع التحديات المستقبلية.
وأوضح استشاري الطب النفسي، الدكتور مدحت الصباحي، أن التحديات النفسية التي يتعرض لها أبناء المطلقين تشمل في سن الطفولة والمراهقة الشعور بعدم الأمان بالمستقبل، بسبب فقدان الاستقرار العائلي، والإحساس بالذنب، نتيجة الشعور بأنهم السبب في طلاق والديهما، ومشاعر الحزن والفقدان نتيجة الحنين لتواجد الأبوين معاً في المنزل، والخوف من الهجر وفقدان أحدهما للأبد، والغضب والعدوانية غير المبرر والضعف في الثقة بالنفس والقدرات، وصعوبة التأقلم الاجتماعي الناتج عن تغيير البيئة بعد الطلاق والشعور بالاختلاف، والتنمر.
وقال: «أبرز الأمراض النفسية التي يصاب بها أبناء المطلقين هي الاكتئاب لكونه شائعاً مع مشاعر الحزن المستمر وفقدان الاهتمام، والقلق، واضطرابات السلوك والعدوانية والعصبية والتصرفات التدميرية، واضطرابات التكيف المترتبة على صعوبة التعامل مع الأوضاع الجديدة، واضطرابات النوم وما يصاحبها من أرق وكوابيس ناتجة عن مشاكل الأبوين، بجانب الاضطرابات الأكاديمية وتراجع التحصيل الدراسي نتيجة القلق والاكتئاب والتشتت، كما يصاب البعض باضطرابات في الأكل كوسيلة للتعبير عن المعاناة النفسية، إضافة إلى الضعف في بناء العلاقات للخوف من الفشل والهجر خصوصاً في فترة المراهقة».
وأضاف الصباحي: «الحد من أضرار الطلاق على شخصية الأبناء يتطلب استمرار التواصل بين الأبوين والطفل لطمأنته بأنه محبوب من الوالدين، ولن يتركه أحدهما، وأنّ الانفصال الحادث بينهما ليس خطأه، كما يتطلب الأمر تعاون الأبوين بعدم القيام بأي نزاع أو مناقشة أي خلاف أمام أطفالهما، والعمل على اتخاذ القرارات الخاصة بأطفالهما بالاتفاق والتراضي، والإبقاء على الروتين الخاص بالطفل حتى لا يشعر بالتغير المفاجئ، والاهتمام العاطفي والتعبير عن المشاعر بشكل طبيعي، وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر الاستعانة بأخصائي نفسي لدعم الطفل».
وحذّر الصباحي من استخدام الأطفال كوسيلة ضغط بين المطلقين، مشدداً على أهمية تحفيز العلاقات الاجتماعية لدى أطفال المطلقين وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الفنية والرياضية، وإظهار الاحترام المتبادل بين الأبوين لتقديم نموذج جيد في العلاقات الصحية، والتواصل مع المدرسة ومتابعة حالته، وطلب الدعم في حال رصد أي مظاهر اختلاف في شخصية الطفل.
من جانبها أكدت خبيرة القيادة التربوية، الدكتورة فاطمة المراشدة، أن أبناء المطلقين يواجهون تحديات تعليمية مركبة تبدأ بتشتت الانتباه الحاد والانشغال الذهني بالصراعات الأسرية، ما يؤدي بالضرورة إلى تراجع ملحوظ في التحصيل العلمي وغياب الدافعية للمذاكرة، خصوصاً في مرحلة المراهقة التي يزداد فيها الشعور بالاحتراق النفسي نتيجة تحمّلهم أعباءً عاطفية تفوق سنهم، وتنعكس هذه الضغوط داخل البيئة المدرسية من خلال أنماط سلوكية متباينة تتراوح بين العدوانية المفرطة والتنمر كأداة لتفريغ الغضب المكبوت أو الانطواء الشديد والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، هرباً من الشعور بالخجل أو النقص أمام الأقران، إضافة إلى التمرد على القوانين المدرسية كنوع من الاحتجاج اللاواعي على فقدان الاستقرار في المنزل.
وقالت المراشدة: «للحد من هذه الأضرار يجب على الوالدين تبنّي مفهوم الوالدية المشتركة بوعي، وذلك عبر تحييد الأبناء تماماً عن الخلافات الشخصية وعدم استخدامهم كوسطاء أو أدوات للضغط، مع ضرورة الحفاظ على صورة ذهنية محترمة للطرف الآخر، كما يلعب الاستقرار في الروتين اليومي والمتابعة الأكاديمية المشتركة دوراً حاسماً في منح الطفل شعوراً بالأمان، مع أهمية تفعيل دور المرشد النفسي المدرسي لتقديم الدعم التخصصي، ما يضمن ألّا يتحول الطلاق من انفصال بين الزوجين إلى انفصال للطفل عن مستقبله واستقراره النفسي».
فيما أكدت أخصائي نفسي إكلينيكي ومدرب محلي معتمد في برنامج التربية الإيجابية في حياة الأهل اليومية، الدكتورة شمسة المرزوقي، أن الطلاق لا يقف تأثيره عند حدود العلاقة بين الزوجين فقط، ولكن تبعاته الأشد تصيب أطفالهما، ويمكن أن تظهر من بداية فترة الانفصال أو بعد فترة، وتظهر على شكل آثار نفسية وسلوكية، وذلك نتيجة تغير هيكلة المنزل بعد الطلاق واختلاف شكل الحياة الطبيعية المعتادة، حيث يخرج أحدهما من الصورة، ما يؤثر على أساليب التربية نتيجة افتقاد دور الأب أو الأم، وفقاً لمن معه الحضانة.
ولفتت المرزوقي إلى أن شعور الطفل بوجود حلقة ناقصة، خصوصاً عند مقارنة حياته بحياة أصدقائه وأقاربه يؤثر كثيراً على نفسية الطفل، كما أن طريقة الانفصال تلعب دوراً كبيراً في مقدار التأثير النفسي الذي سيتعرض له الأطفال، فكلما كان الانفصال بشكل ودي، وحافظ الطرفان على صورة بعضهما أمام أطفالهما ولم يستخدماهم كوسيلة ضغط في خلافتهما، كانت الاستجابة النفسية لقرار الانفصال لدى الأطفال أفضل وتأثير الطلاق عليهما أقل.
وقالت: «أكثر ما يصيب أبناء المطلقين هو اضطراب القلق وتأثيره على تقديره لذاته، وقد يصل للاكتئاب خصوصاً في مرحلة المراهقة، أو بدايات سن البلوغ، حيث يحاولون تعويض نقص الحنان والاهتمام من خارج البيت، ونتيجة لنقص الخبرة، واهتزازهم النفسي والعاطفي، مع غياب التوجيه والرقابة، غالباً ما تكون اختياراتهم خاطئة وينجرون لرفقاء السوء، وتكون تبعات هذه التجارب الوقوع في مشاكل قانونية وصحية، وأبرزها إدمان الكحول أو المخدرات والتي غالباً ما يكون الإقبال عليها رد فعل للهروب من الضغط النفسي والفراغ العاطفي الذي يلازمهم».
وشددت المرزوقي على أهمية تعاون الأبوين بعد الانفصال لتقليل الأضرار والتبعات النفسية لقرارهما على أبنائهما، وأن يكونا متعاونين في متابعة أطفالهما، وأن يستمر غير الحاضن في زيارة أطفاله بشكل دوري والتواصل معهم بشكل يومي، ليشعروا أن قرار الانفصال لن يؤثر على حب والديهما ورعايتهما لهم، وأنهم كأبناء لا علاقة لهم بأسباب طلاقهما.
فيما أشارت الاختصاصية الاجتماعية، منال عبدالله، إلى أن فقدان أحد الأبوين بالطلاق هو فقدان لأسس الأمان النفسي لدى الطفل الذي يشعر بأن الأب، أو الأم، قد تخلى عنه، ما يجعله عند الكبر متشككاً في علاقاته مع الآخرين، وأكثر حساسية وأكثر خوفاً، ويتعمد ظاهرياً أن يكون قاسياً ويصعب التعامل معه، رغم أنه قابل للخدش وسريع التأثر.
وقالت: «الطلاق هو الحدث الأكثر تسبباً في الشدَّة، والذي يُمكن أن يُؤثر في العائلة؛ قد يشعر الأطفال بفقدان كبير، إضافة إلى القلق، والغضب، والحزن، ويلازم الطفل شعور الخوف من التخلي أو الفقد طوال حياته، خصوصاً أن غالبية المطلقين تنشأ بينهم خلافات وصراعات عقب الانفصال، وقد يكونان في حالة من الغضب والعدائية تدفعهما للانشغال عن أبنائهما أو استخدامهم للانتقام من الآخر، أو تفريغ غضبهم من الطرف الثاني فيهم ما يشعر الأطفال بأنهم منبوذين».
سلوكيات محفوفة بالمخاطر
حذرت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة من أن الأبناء، بعد طلاق أبويهما، يعانون من مجموعة متنوعة من المشاعر حسب عمر الطفل، فالأطفال الأقل من ثمانية أعوام قد يواجهون صعوبة في فهم السبب وراء حدوث الطلاق، وقد يُظهرون التعلّق، أو يواجهون صعوبة في النوم، أو يتراجعون في سلوكيات معينة كالتبول اللاإرادي، وغالباً ما تكون هذه السلوكيات علامات على القلق أو الارتباك.
وأشارت، إلى أن الأطفال في سن المدرسة (من ثمانية إلى 12 عاماً) قد يواجهون صعوبات في الدراسة، وتراجع مستوى أدائهم الدراسي أو يواجهون صعوبة في التركيز، وقد يُظهرون كذلك غضباً أو إحباطاً متزايداً، سواء في المنزل أو خارجه، فيما قد ينسحب المراهقون (13 عاماً فما فوق) من التفاعلات الأسرية، أو يلجؤون إلى الأصدقاء، أو يعزلون أنفسهم، وفي بعض الحالات، قد ينخرط المراهقون في سلوكيات محفوفة بالمخاطر كوسيلة للتعامل مع الاضطراب العاطفي الذي يعانون منه.
وشددت على أهمية توفير بيئة تعزز شعور الطفل بالأمان، ومحافظة الوالدين على هدوئهم وتماسكهم خلال هذه الفترة الصعبة للمساعدة في طمأنة الطفل وتعزيز شعوره بالأمان، وتجنُّب إشراك الطفل في أمور الكبار، مثل استخدامه لنقل الرسائل بين الوالدين أو وضعه في موقف الاختيار من بين أحد الوالدين. ولفتت إلى أن تأمين الحماية للطفل من النزاعات الدائرة بين الوالدين يمكن أن يمنع التوتر العاطفي غير الضروري لمساعدته في التغلب على التحديات العاطفية التي يفرضها الطلاق.
آثار طويلة المدى
أكدت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة أن الطلاق يمكن أن يكون له آثار طويلة المدى على نمو الطفل، العاطفي والاجتماعي والتعليمي، حيث يواجه الأطفال الذين يمرّون بتجربة الطلاق صعوبات في تكوين العلاقات المبنية على الثقة، أو يعانون من مشاكل التعلق، وقد يصاب البعض بمشاعر الهجر وعدم الانتماء، أو الخوف من العلاقات المستقبلية، والاضطراب في التفاعلات الاجتماعية للطفل، ما يؤدي إلى مواجهة تحديات في العلاقات مع الأقران، والشعور بالعزلة، وصعوبة في التأقلم مع الأصدقاء كما يترتب على الضغط، والتوتر العاطفي الناتج عن الطلاق، انخفاض في التحصيل الدراسي، أو فقدان الاهتمام بالأنشطة المدرسية.
حالات الطلاق
أظهرت إحصاءات رسمية تسجيل المحاكم الاتحادية في أربع إمارات (الشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة) 3023 حالة طلاق، خلال الفترة من عام 2020 حتى نهاية العام الماضي 2024، وفقاً للبيانات الصادرة عن نظام الزواج الإلكتروني لوزارة العدل، وأظهرت الإحصاءات أن حالات الطلاق المسجلة توزّعت، على مدار السنوات الخمس الماضية، بواقع 618 حالة خلال عام 2020، وفي عام 2021 ارتفع العدد إلى 648 حالة، أما في عام 2022 فقد بلغت حالات الطلاق 596 حالة، فيما ارتفع عدد الحالات مرة أخرى عام 2023 فبلغت 626 حالة، وفي 2024 بلغت 535 حالة.
وبيّنت الإحصاءات أن عدد الأزواج المطلقين، خلال السنوات الخمس الماضية، من الحاصلين على مؤهلات دراسية عليا (تشمل الدكتوراه والماجستير، والبكالوريوس أو ما يعادلها، إضافة إلى الدبلوم العالي) بلغ 1523 شخصاً (953 زوجاً و570 زوجة)، ما يشكل أكثر من نسبة 50% من إجمالي حالات الطلاق خلال الفترة ذاتها، وهو ما يعكس وجود نسبة كبيرة من ذوي المستويات التعليمية المرتفعة ضمن حالات الطلاق المسجلة.


































