لايف ستايل
موقع كل يوم -في فن
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تم عرض فيلم (شكوى رقم 713317) ضمن فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46 ضمن مسابقة آفاق السينما العربية. الفيلم يعد أولي تجارب المخرج والكاتب ياسر شفيعي كفيلم روائي طويل.
هو تجربة سينمائية تنتمي إلى دراما كرة الثلج أي الأعمال التي تنطلق من حدث صغير وبسيط ظاهريًا، ثم تتوسع تدريجيًا لتكشف عن شبكة أعمق من التوترات النفسية والاجتماعية. الفيلم يختار شكوى روتينية تتعلق بعطل في ثلاجة كمدخل لعالم كامل من البيروقراطية، والضغط العصبي، وتصدّع العلاقات داخل الأسرة، وهو ما يمنحه بعدًا وجوديًا يتجاوز قصته المباشرة.
تدور الأحداث حول زوجين متقاعدين (محمود حميدة وشيرين) يعيشان حياة هادئة ومتناغمة، إلى أن يتعرّضا لمشكلة بسيطة مع الثلاجة التي تتعطل ويفشل الزوج في إصلاحها كفشله في إصلاح أركان كثيرة في حياته.
ومع محاولة إصلاح العطل، يدخلان في دوامة من الإجراءات المعقدة، والمواعيد المتأخرة، والوعود المؤجلة، والموظفين الذين يختفون خلف لوائح وتعليمات لا يفهمها أحد. تدريجيًا، يتضح أن المشكلة ليست في الثلاجة، بل في النظام اليومي الذي يبتلع الإنسان في تفاصيله، ويتركه عاجزًا أمام مؤسسة تتحكم في وقتِه وأعصابه وحتى علاقاته. لكنه يصر على التمسك بحقه في تصليح الثلاجة وكأنه يدافع عن أحقيته في جميع حقوقه المسلوبة منه بالحياة.
يعتمد الفيلم على إيقاع هادئ في بدايته، وهو اختيار مقصود؛ فالمخرج يريد من المشاهد أن يشعر بالرتابة التي يعيشها البطلان، قبل أن تبدأ التفاصيل الصغيرة في إحداث شرخ داخلي. الطريقة التي ينتقل بها الفيلم من السكون إلى القلق تتمّ بسلاسة وتحكّم محسوب، ما يعكس رؤية إخراجية ناضجة في التعامل مع تصاعد التوتر دون مبالغة أو افتعال.
من الناحية البصرية، يختار المخرج الاعتماد على أماكن محدودة، وهو اختيار يخدم الفكرة. الشقة التي تدور فيها أغلب الأحداث ليست مجرد مساحة سكنية، بل تتحول إلى مسرح للانفجار الداخلي: ممرّات ضيقة، إضاءة خافتة، وأشياء يومية بسيطة تكتسب معنى جديدًا كلما ازداد الضغط النفسي على الشخصيات. هذا الاستخدام الذكي للفراغ يخلق شعورًا بالاختناق يشبه اختناق البطلين أمام المشكلة. استخدام المخرج لشقة حقيقية وليست ديكور مبني للحدث أضاف شعور بالتواصل بينه وبين المشاهد وكأنه يتحرك في نطاق بيته بشكل واقعي جداً برغم صعوبة التنفيذ. حركة الكاميرا فقط ما بين المنزل والمطبخ كانت موفقة بشكل كبير ولم تحدث الملل المتوقع لضيق مسافة الحركة.
يبقى الفيلم وفيًا لروحه: مشروع سينمائي يعتمد على التفاصيل الدقيقة أكثر من الأحداث الصاخبة.
أداء الممثلين هو أحد أهم عناصر قوة الفيلم. يظهر الزوجان كثنائي يحمل تاريخًا من التفاهم، ولكن أيضًا تعب السنين والاختلافات الصغيرة التي لم تُحلّ. مع تصاعد الأزمة، تنكشف التوترات المكبوتة بينهما؛ الإصرار على الحل، الخوف من فقدان السيطرة، إحساس كلٍّ منهما بأن الآخر لا يفهم حجم الضغوط التي يمر بها. هذه الطبقات النفسية تجعلهما شخصيتين حقيقيتين، وليستا مجرد أدوات لتحريك الحدث.
التمثيل المساعد كذلك يُضيف عمقًا مهمًا، خصوصًا في الشخصيات التي تمثّل الموظفين أو الفنيين؛ فهم ليسوا 'أشرارًا' بالمعنى التقليدي، بل جزء من منظومة أكبر جعلتهم يعيدون إنتاج اللامبالاة والتخاذل بشكل تلقائي. بعض هذه الشخصيات يظهر للحظات قصيرة لكنها تترك أثرًا في سرد الفيلم، لأنها تكشف بشكل غير مباشر عن حجم الانفصال بين الإنسان والمؤسسة.
من أهم مشاهد الفيلم عندما يصل البطل لذروة الأحداث قائلاً:' ممكن التلاجة تكون اتصلحت بس اللي حصل فيا عمره ما هايتصلح' ويثور ثورة عارمة محطماً معها كل القيود الظالمة التي طالما سرقت منه كافة حقوقه وأبسطها ويتحرر أخيراً من رتابة الحياة التي سلبت روحه ببطء.
لو فاتك: فن ولا فنكوش - 16 سؤال كل واحد هيجاوب لوحده ... عرفت كام سؤال منهم؟




























