اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما أسباب تراجع توقعات الأسعار في دبي رغم استمرار الطلب؟
زيادة المعروض بشكل كبير وتوقع تسليم وحدات ضخمة.
هل الانخفاض المتوقع في أسعار العقارات بدبي يشير إلى أزمة؟
لا، بل يُنظر إليه على أنه تراجع مؤقت ناتج عن وفرة المعروض.
يواجه سوق العقارات في دبي مفترق طرق جديداً، بعد سنوات من النمو المتسارع والطلب القوي، حيث تدفع المؤشرات نحو تباطؤ محتمل، مع استمرار عجلة التطوير، والمشاريع الكبرى التي لا تزال قيد التسليم، ما يثير تساؤلات حول قدرة السوق على استيعاب هذا الزخم في المعروض دون أن تتأثر الأسعار أو يتراجع الإقبال.
وفي ظل هذه التحوّلات، يصبح من الضروري رصد ملامح المرحلة المقبلة وفهم العوامل التي قد تعيد تشكيل المشهد العقاري في الإمارة.
اتجاهات السوق
وفي إطار ذلك، توقعت وكالة 'فيتش' للتصنيف الائتماني حدوث تراجع ملحوظ في أسعار العقارات في دبي قد يصل إلى 15% خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة، وذلك نتيجة لتسليم مرتقب لوحدات سكنية جديدة ضمن مشاريع قائمة، ما سيرفع حجم المعروض في السوق بشكل كبير.
وخلال مقابلة نشرتها 'اقتصاد الشرق مع بلومبيرغ'، في 9 يونيو 2025، أوضح رئيس التقييمات الائتمانية لشركات دول مجلس التعاون الخليجي لدى 'فيتش ريتينغز'، سامر حيدر، أن هذا التراجع لا يُتوقع أن يكون بنفس حدة التراجعات التي شهدتها الإمارة في دورات سابقة.
وأشار حيدر إلى أن الجهات التنظيمية في دبي قامت بدور أساسي في إدارة تدفقات المعروض العقاري، وهو ما ساعد على تفادي الفوضى السوقية التي حدثت في مراحل سابقة من تاريخ السوق العقاري في الإمارة.
ولفت إلى أن شركات التطوير العقاري باتت تعتمد على هياكل تمويل أكثر تنوعاً واستدامة، ما يمنحها قدرة أكبر على التكيف مع التغيرات السوقية.
ورغم هذه التوقعات بالتراجع، لا تزال الثقة بالقطاع قوية، بحسب حيدر، من جراء استمرار الطلب من المستثمرين المحليين والدوليين على المنتجات العقارية المتنوعة في دبي.
وتتماشى هذه النظرة جزئياً مع ما أوردته وكالة 'بلومبيرغ' نقلاً عن تقرير لشركة 'نايت فرانك'، في وقت سابق، والذي أشار إلى استمرار الزخم في السوق العقارية، وخصوصاً في الفئة الفاخرة، ما يعكس وجود اتجاهات متباينة داخل القطاع بين المعروض الكثيف في بعض الشرائح وازدهار الطلب في شرائح أخرى.
ضغوط المعروض
وفي مايو الماضي، توقعت وكالة 'فيتش' أن تشهد الإمارة تراجعاً حاداً في أسعار العقارات خلال النصف الثاني من العام الجاري وحتى عام 2026، وسط تحولات هيكلية في المعروض والطلب.
ويمثّل هذا التوقع انعطافاً بارزاً بعد سنوات من النمو المتسارع الذي أعقب جائحة كورونا، والتي شهدت خلالها السوق انتعاشاً لافتاً في ظل تدفقات أجنبية غير مسبوقة.
وأشارت 'فيتش' في تقريرها، إلى أن أكثر من 210 آلاف وحدة سكنية من المخطط تسليمها خلال عامي 2025 و2026، وهو ما يعادل ضعف حجم التسليم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما قد يؤدي إلى وفرة غير مسبوقة في المعروض تضغط على الأسعار وتدفعها إلى الانخفاض بنسبة قد تصل إلى 15%.
ويأتي هذا التحول بعد ارتفاع أسعار العقارات بنسبة قاربت 60% منذ عام 2022 وحتى الربع الأول من 2025، مدفوعة بالإنفاق الحكومي الضخم على البنية التحتية، وتسهيلات الإقامة، وتخفيف القيود الاجتماعية، مما جذب آلاف الأجانب، ومن بينهم روس فرّوا من تداعيات الحرب في أوكرانيا.
ولأن القطاع العقاري يمثل أحد أعمدة الاقتصاد في دبي، حيث سجلت قيمة معاملاته العام الماضي نحو 761 مليار درهم (207.22 مليارات دولار) بحسب بيانات رسمية، فإن أي تباطؤ حاد في الأسعار سيكون له تأثير واسع النطاق على المشهد الاقتصادي.
وتعيد هذه التوقعات إلى الأذهان أزمة عام 2009 حين انهارت الأسعار واحتاجت دبي إلى خطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار قدمتها أبو ظبي.
لكن خلافاً لتلك المرحلة، تشير 'فيتش' إلى أن الحكومة اتخذت منذ ذلك الحين إصلاحات كبيرة هدفت إلى تقليل حجم المديونيات، وتعزيز صلابة القطاع من خلال دعم شركات التطوير العقاري الكبرى المملوكة للدولة، وهو ما قد يخفف من شدة التأثيرات المحتملة هذه المرة.
مخاطر جيوسياسية
ويوضح الخبير الاقتصادي جلال بكار أن وكالات التصنيف الائتماني مثل 'فيتش' لا تعتمد على أداء دولة واحدة فقط، بل تنظر إلى المنطقة بأكملها.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن الوكالات تقيم المخاطر الخارجية والداخلية، الحالية والمستقبلية، والتي تتأثر بالتوترات السياسية العسكرية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، خاصة أن الأخيرة مجاورة لمنطقة الخليج، بالإضافة إلى أهمية المعابر الاستراتيجية.
ويقول بكار إن هذه العوامل ستؤثر حتماً على رأس المال الأجنبي والاستثمار، وقد تؤدي إلى نزوح رؤوس الأموال من المنطقة نحو أماكن أكثر أماناً وأقل توتراً.
كما أشار إلى أن المعروض العقاري في دبي أصبح يفوق الطلب، متوقعاً أن بعض المقيمين قد يضطرون للمغادرة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة العالمية، خصوصاً أن الإمارة الخليجية تعتمد بشكل كبير على استثمارات رجال الأعمال.
ويبين الخبير الاقتصادي أن دبي تستهدف طبقة الأثرياء القادرين على تملك العقارات، وليست طبقة متوسطة، مما يجعل سوقها العقاري حساساً لهذه التغيرات.
ويلفت إلى أن هذه الأزمات قد تتسبب في انخفاض أسعار العقارات في دبي، على غرار ما حدث في تركيا عندما وصلت الأسعار لذروتها ثم بدأت بالهبوط، معتبراً أن هذه جزء من دورة رأس المال العقارية الطبيعية التي تشهدها الاقتصادات.
ويرى بكار أن الانخفاض المتوقع ليس خللاً في النظام الاقتصادي الداخلي لدبي، بل هو نتيجة لعوامل اقتصادية تقنية، إضافة إلى زيادة المعروض وحجم المشاريع العقارية التي بدأت الإمارة فيها منذ نحو ثلاث سنوات.
ويختتم بكار حديثه بتلخيص الأسباب الرئيسية المتوقعة للانخفاض، والتي تشمل التوترات السياسية العسكرية بين إيران و'إسرائيل'، ودورة رأس المال بين الارتفاع والانخفاض، ونزوح رؤوس الأموال من الشرق الأوسط، وزيادة العرض وانخفاض الطلب، وارتفاع تكاليف المعيشة.
ازدهار أبوظبي
وفي المقابل، تشهد أبوظبي نمواً ملحوظاً في سوق العقارات الفاخرة، مدفوعاً بزيادة الطلب من المستثمرين والمقيمين، وتوسع في المشاريع ذات العلامات التجارية، مما يعزز مكانتها كوجهة عقارية عالمية.
يشير تقرير حديث صادر عن شركة 'متروبوليتان كابيتال العقارية' إلى أن سوق العقارات الفاخرة في أبوظبي يشهد نمواً غير مسبوق خلال عام 2025، مدفوعاً بارتفاع الطلب من المستثمرين الدوليين والمقيمين الباحثين عن جودة حياة عالية وفرص استثمارية واعدة.
وتوقّع التقرير الذي نشرته 'سي إن إن الاقتصادية'، في 10 يونيو 2025، أن ترتفع وتيرة إطلاق المشاريع الفاخرة بمعدل أربعة أضعاف مقارنة بعام 2024، في ظل تصاعد اهتمام المستثمرين الأثرياء بالمساكن ذات العلامات التجارية والفلل الفاخرة.
وسجلت سوق العقارات الفاخرة في الإمارة زيادة بنسبة 5% في عدد الصفقات على الوحدات التي تزيد قيمتها على 7 ملايين درهم إماراتي (نحو 1.9 مليون دولار)، لتبلغ قيمتها الإجمالية 6.3 مليارات درهم (نحو 1.7 مليار دولار) خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام فقط.
وشكلت الصفقات التي تجاوزت قيمتها 10 ملايين درهم (2.72 مليون دولار) أكثر من نصف إجمالي التعاملات، ما يعكس ثقة متزايدة في هذا القطاع عالي القيمة.
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة 'متروبوليتان كابيتال' العقارية، يفغيني راتسكيفيتش، أن 'أبوظبي ترسّخ مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمار العقاري الفاخر، حيث نلاحظ أن العديد من المستثمرين بدؤوا بشراء وحدة واحدة ثم وسّعوا محافظهم العقارية لاحقاً، كما ازداد عدد المقيمين الذين يفضلون التملك بدلاً من الاستئجار'.
وقد لعبت المساكن ذات العلامات التجارية دوراً حاسماً في دعم النمو، مع توقع إطلاق ما لا يقل عن 25 مشروعاً جديداً خلال 2025، مقارنة بعدد محدود في العام السابق.