حذف بعض المواد وتوزيع حصص التربية الفنية والرياضية على مدار الأسبوع لتخفيف الضغط على التلاميذ

تتجدد النقاشات مع بداية كل موسم دراسي في الجزائر حول ثقل المناهج التعليمية وما تطرحه من إشكاليات تمس التلاميذ والأولياء وحتى الأساتذة، في ظل مطالب متزايدة بإعادة النظر في محتوى البرامج وطرق تدريسها، إذ لم تعد القضية تتعلق فقط بالكم الهائل من الدروس والمضامين، بل تتجاوزها إلى ما تثيره من أسئلة عميقة حول جدوى المنظومة التربوية في صيغتها الحالية.

وأمام حال الضغط التي يعيشها التلميذ الجزائري في مختلف الأطوار الدراسية وكثافة الدروس وتعدد المواد، مما يؤدي إلى فقدان التوازن بين التحصيل العلمي وحق الطفل في الراحة والنشاطات الموازية، لجأ كثير من الأولياء إلى الدروس الخصوصية كمحاولة للهرب من الفجوة بين سرعة البرامج وقدرة الأطفال على الاستيعاب، بينما يبقى التحدي متمثلاً في مدى إمكانية تحقيق التوازن بين متطلبات المناهج وتنمية شخصية التلميذ ومهاراته.

ويعيش الأولياء هذه الأزمة بكل أبعادها وتداعياتها بين هاجس متابعة أبنائهم في برامج معقدة ومن الصعب مواكبتها، والأعباء المالية الثقيلة الناتجة من اللجوء إلى الدروس الإضافية، مما يحول المسار التعليمي في أحيان كثيرة إلى مصدر توتر عائلي دائم.

على الطرف الآخر من المعادلة، يجد الأساتذة أنفسهم أمام تحد مزدوج يتعلق بالالتزام بإنهاء البرنامج في آجاله الزمنية الضيقة، ومراعاة قدرات التلاميذ المختلفة. وفي كثير من الحالات يصبح التركيز منصباً على 'سباق إنهاء المقرر' بدل ترسيخ الفهم والتفكير النقدي، مما يفرغ العملية التربوية من بعدها التكويني ويحولها إلى مجرد عملية تلقين.

ويطرح هذا الواقع إشكالية جوهرية هي هل تعكس المناهج الدراسية فعلاً أهداف المدرسة الجزائرية في بناء جيل قادر على مواجهة تحديات العصر؟ أم أنها لا تزال أسيرة مقاربة تقليدية تركز على الكم وتغفل مهارات التفكير والابتكار والمهارات الحياتية؟

ويتجاوز النقاش هنا مسألة الحذف أو الإضافة في المقررات، إلى ضرورة إعادة صياغة فلسفة التعليم نفسها وفق رؤية عصرية تتماشى مع التحولات التكنولوجية والاجتماعية.

ولا يمكن أن يقتصر الإصلاح التربوي في الجزائر على شعارات التخفيف من البرامج، بل يحتاج إلى مراجعة جذرية تستند إلى مقاربة بيداغوجية حديثة تجعل من التلميذ محور العملية التعليمية، وتمنح الأساتذة هامشاً أوسع للإبداع والشرح، مع اعتماد تكنولوجيا التعليم كرافعة لتبسيط المضامين.

وفي خطوة استباقية لأية حركات احتجاجية أو ضغوط نقابية، قررت وزارة التربية الجزائرية إدخال تعديلات بيداغوجية على البرنامج الدراسي للعام الثالث من التعليم الابتدائي، اعتباراً من الموسم الدراسي 2025 - 2026، بهدف تحسين تنظيم الزمن المدرسي وتكييف المحتويات التعليمية مع القدرات المعرفية والنفسية للتلاميذ في هذه المرحلة الحرجة.

وتأتي هذه الإجراءات في إطار خطة الوزارة للفترة 2025 - 2029، التي تركز على رفع جودة التعليم الابتدائي عبر مراجعة المنهاج الوطني ومواءمته مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية، وتخفيف العبء الدراسي وإفساح المجال للأنشطة الثقافية والرياضية والفنية لتنمية قدرات التلاميذ بصورة متوازنة.

وتتضمن الإصلاحات زيادة زمن تدريس اللغة العربية بـ15 دقيقة إضافية لحصة المطالعة، ليصل إجماليها إلى سبع ساعات و30 دقيقة أسبوعياً، مع تخصيص حصة مستقلة لمادة التاريخ مدتها 30 دقيقة أسبوعياً لتعزيز الوعي بالهوية الوطنية. ودُعم تدريس اللغة الإنجليزية بـ30 دقيقة إضافية ليصبح إجماليها ساعتين أسبوعياً، إلى جانب زيادة ساعة كاملة للتربية البدنية والرياضية لتصبح ساعتين، و45 دقيقة إضافية للتربية الفنية ليصل زمنها إلى ساعة ونصف الساعة.

وفي خطوة لافتة، قررت الوزارة حذف مادتي الجغرافيا والتربية المدنية من منهاج العام الثالث الابتدائي بدءاً من الموسم الدراسي 2025 - 2026، بهدف تحقيق تدرج منطقي في المواد، مع التركيز على المهارات اللغوية والرياضيات الأساس، إلى جانب المهارات البدنية والفنية.

لضمان نجاح هذه الإصلاحات، أكدت الوزارة إعادة توزيع أساتذة اللغة الفرنسية والإنجليزية والتربية البدنية والرياضية بصورة متوازنة لتغطية المدارس والأفواج التربوية كافة. وستوزع حصص التربية الفنية والرياضية على مدار الأسبوع لتخفيف الضغط على التلاميذ وتحقيق توازن بين المواد.

لضمان التنفيذ الفعال، شددت الوزارة على ضرورة مرافقة المفتشين للأساتذة عبر تنظيم ندوات تربوية وأيام دراسية بعد الدخول المدرسي 2025 - 2026 مباشرة. وهذه الفعاليات ستتناول الجوانب المتعلقة بالهيكلة الجديدة كافة ضمن إطار التكوين المستمر أثناء الخدمة.

وتتضمن أبرز هذه الإصلاحات أيضاً إطلاق منهاج جديد لتدريس اللغة الإنجليزية، ابتداء من العام الأول المتوسط، في خطوة تؤكد توجه الوزارة نحو تعزيز الكفاءات اللغوية منذ المراحل الأولى من التعليم.

وسيُوسع نطاق التسجيل في ثانويات الرياضيات ليشمل عدداً أكبر من الولايات، وتعزيز شبكة التربية التحضيرية لضمان مبدأ تكافؤ الفرص، عبر اعتماد التعليم التناوبي لاستيعاب جميع الأطفال البالغين خمسة أعوام، مع الإبقاء على الأقسام المتعددة المستويات داخل المناطق ذات الكثافة المنخفضة. وفي إجراء لافت شددت الوزارة على منع طرد أي تلميذ يقل عمره عن 16 سنة، و18 سنة بالنسبة إلى ذوي الحاجات الخاصة.

وقررت وزارة التربية تقليص حجم الساعات الأسبوعي لمادة اللغة الفرنسية للعام الأول الثانوي ساعة كاملة، إذ حُدد بأربع ساعات أسبوعياً بدلاً من خمس. وسيُشرع في تطبيق القرار ابتداء من العام الدراسي 2025 - 2026، إذ 'يهدف التعديل إلى ضمان التوازن البيداغوجي الأمثل في تعليم اللغات الأجنبية بمرحلة التعليم الثانوي'، بحسب بيان للوزارة.

وفي السياق ذاته، قال وزير التربية محمد سعداوي ضمن ندوة صحافية إن 'القانون الأساس الجديد تضمن إجراءات تهدف إلى تحسين ظروف عمل الأساتذة، وبخاصة من الناحية النفسية من خلال خفض الحجم الساعي، إذ قُلصت ساعات التدريس إلى 24 ساعة خلال المرحلة الابتدائية و20 في الطور المتوسط و16 في التعليم الثانوي'، مؤكداً أن هيئات الوزارة تسهر على تطبيق هذه الإجراءات ميدانياً.

خلال يناير (كانون الثاني) 2025، كشف وزير التربية عن تشكيل لجنة وطنية تعكف على بحث مسألة جودة التعليم في مختلف المراحل، موضحاً 'أن دائرته الوزارية شكلت لجنة وطنية تعكف على بحث مسألة جودة التعليم، على ضوء توجيهات الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي يبدي حرصاً كبيراً على ضمان جودة التعليم والمرافقة الجيدة للعملية البيداغوجية في شتى الأطوار التعليمية'.

وأكد سعداوي أن 'القانون الأساس الجديد الذي يتضمن عدداً من المكتسبات يساعد على بلوغ هدف جودة التعليم، لا سيما من حيث المناهج والمواد، وكذا التخفيف من الحجم الساعي سواء للتلاميذ أو الأساتذة'.

وأعلن الوزير عن خفض الحجم الساعي بالنسبة إلى أساتذة الطور الابتدائي إلى 24 ساعة أسبوعياً، وإلى 20 ساعة أسبوعياً بالنسبة إلى أساتذة الطور المتوسط، فيما تقرر خفض الحجم الساعي الخاص بأساتذة التعليم الثانوي إلى 16 ساعة أسبوعياً، في إطار تنفيذ أحكام القانون الأساس الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية.

وكان ملف إصلاح المنظومة التربوية ضمن اهتمام الرئيس الجزائري منذ توليه الحكم خلال ديسمبر (كانون الأول) 2019، إذ أكد ضمن تصريح له على ضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية من الناحية البيداغوجية، مع تخفيف كثافة البرامج المدرسية، وإيلاء الأنشطة الرياضية والثقافية المكانة التي تستحقها'.

يقول أستاذ التعليم المتوسط عبدالقادر قرازم إن 'للمدرسة دوراً مهماً في تقدم الشعوب والدول والأمم باعتبارها خزاناً لتخريج الطاقات والكفاءات التي تعول عليها في بنائها ورقيها، وإذا أردنا النظر إلى مدى تحضر دولة من الدول وتمدنها، علينا النظر إلى مستوى التعليم فيها'.

ويوضح قرازم لـ'اندبندنت عربية' أن الوضع غير اللائق الذي بلغه قطاع التعليم في الجزائر يرجع إلى أسباب كثيرة، منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، ومنها الفكري الأيديولوجي.

ويرى أن 'من بين أسباب تدني مستوى التعليم ضعف التكوين القاعدي لدى المعلم والأستاذ، فالتعليم إضافة إلى كونه رسالة يحتاج من المعلم أن يكون ملماً بالمادة العلمية والأخلاقية وعلوم الإنسان الأخرى'.

ويضيف 'إذا نظرنا إلى المقررات المدرسية والمناهج الدراسية وطرائق التدريس أو يسمى التدريس بالكفاءات، سنجد أن كثيراً من الخبراء يجمعون على أنها لم تؤت أكلها، لأنها مناهج مستوردة من الغرب، وما يصلح داخل دولة لا يصلح في أخرى'.

وأشار المتحدث إلى أن 'من أسباب تدني مستوى التعليم وتأخره هو كثافة البرنامج الدراسي الذي أصبح عبئاً على كل الشركاء في العملية التعليمية من المعلم إلى المتعلم وحتى الولي'.

وأوضح أن 'البرنامج الدراسي قلما يُنهى خلال وقته المحدد، وغالباً ما يجري اللجوء إلى البرنامج الاستعجالي، وهنا يكون الأستاذ مجبراً على الحشو وتقديم المعلومات من دون تمحيص أو دراية، بالتالي نحن أمام كم هائل من المعلومات، وسيل عارم من المعارف، ولكنها تبقى سطحية بالنسبة إلى المتعلم'.

من جهتها، تقول المتخصصة في علم النفس التربوي سعدية بوسعيد إن التعديلات الأخيرة التي أدرجتها وزارة التربية على المناهج المدرسية خطوة إيجابية في اتجاه التخفيف من الضغط البيداغوجي على التلاميذ، ومحاولة لمواءمة البرامج مع قدراتهم الذهنية والنفسية، وبخاصة ضمن الطور الابتدائي.

وتوضح بوسعيد أن التعديلات ستحدث التغيير بقفزة نوعية، إذا رُكز فيها على طريقة التدريس وتكوين الأساتذة والوسائل البيداغوجية والبيئة المدرسية ككل.

وأشارت إلى أن الإصلاح الحقيقي يتطلب مقاربة شاملة تراعي تبسيط المناهج بصورة تضمن الجودة لا الكم، مع التركيز على الكفاءات الأساس بدل الحشو المعلوماتي، وتحديث طرق التدريس بالاعتماد على بيداغوجيا حديثة التعليم التفاعلي (التعلم النشط، والتعليم المدمج) بدل الأسلوب التلقيني.

وأضافت أن تكوين الأساتذة المستمر ضروري لمواكبة هذه التغييرات حتى لا تبقى المناهج على الورق فحسب، وإدماج الجانب النفسي ضمن العملية التعليمية عبر تخفيف الضغط والواجبات ومراعاة الصحة النفسية للتلميذ.

وذكرت المتحدثة أنه لضمان إصلاح واقعي وقابل للتجسيد، يجب فتح حوار دائم مع الأولياء والخبراء في التربية والعلوم النفسية والاجتماعية.

وقالت إن 'ما قامت به الوزارة بداية مهمة، لكن الإصلاح الجذري يتطلب رؤية بعيدة المدى، تشاركية، ومستدامة، حتى ننتقل من منطق التلقين والحفظ إلى بناء تلميذ متوازن، قادر على التفكير النقدي والإبداع، وهو ما تحتاج إليه الجزائر اليوم لمواكبة التحولات العالمية'.