اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- ما أبرز تأثير الذكاء الاصطناعي على اقتصاد الخليج؟
يضيف نحو 320 مليار دولار للناتج المحلي بحلول 2030.
- أي الدول تتصدر مشهد الذكاء الاصطناعي في الخليج؟
السعودية والإمارات وقطر، بفضل استثمارات ضخمة وبنية تحتية متقدمة.
تجاوزت دول مجلس التعاون الخليجي مع نهاية عام 2025 مرحلة التخطيط النظري لتدخل بقوة في عمق معادلة 'صناعة المستقبل'، محققة قفزات استراتيجية حولت المنطقة من مجرد سوق استهلاكي للتقنية إلى لاعب محوري ومؤثر في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
ولم يعد هذا الحراك مجرد خيار للرفاهية، بل أصبح 'النفط الجديد' الذي تراهن عليه العواصم الخليجية لإعادة تشكيل اقتصاداتها، مستندة إلى فوائض مالية ضخمة، وبنية تحتية رقمية هي الأحدث عالمياً، وتحالفات عابرة للقارات تهدف لترسيخ سيادة تقنية مستقلة.
النفط الخليجي الجديد
وتنفذ دول الخليج حالياً أكبر عملية 'إعادة تموضع اقتصادي' منذ الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، حيث تحول الذكاء الاصطناعي إلى الرافعة الأساسية للناتج المحلي الإجمالي.
وتأتي التحولات التقنية مدعومة بصناديق سيادية تمتلك أصولاً تتجاوز 5 تريليونات دولار، أي ما يمثل نحو 38% من الأصول السيادية العالمية.
وبحسب تقرير نشرته CNN' الاقتصادية'، في 22 أكتوبر 2025 نقلاً عن شركة 'زيلا كابيتال'، فإن دول الخليج تخصص أكثر من تريليوني دولار للاستثمار في قطاعات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
وتشير التقديرات إلى أن التوسع في هذه الاستثمارات قد يضيف نحو 320 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، وتحديداً الإمارات والسعودية بحلول عام 2030.
وتعكس أرقام التوقعات الاقتصادية الدقيقة حجم هذا التحول الجذري، ففي السعودية يُتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الناتج المحلي بنحو 135.2 مليار دولار بحلول 2030، وهو ما يعادل 12.4% من الاقتصاد الوطني، وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي الذي يتراوح بين 3% و7%.
أما في الإمارات، ووفقاً لتقارير 'برايس ووترهاوس كوبرز' التي نقلتها (إرم بزنس) في 17 نوفمبر 2025، تستهدف 'استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031' أن يضيف القطاع ما يزيد عن 96 مليار دولار في الناتج المحلي، أي نحو 13.6% من الاقتصاد.
هذا التدفق الهائل لرؤوس الأموال جعل المنطقة محط أنظار كبار المستثمرين في العالم، حيث وصف 'راي داليو'، مؤسس 'بريدجواتر أسوشيتس'، في حديثه لـ CNBC عربية، في 8 ديسمبر 2025، منطقة الخليج بأنها تبرز بسرعة كأحد أقوى مراكز الذكاء الاصطناعي عالمياً، مشبهاً صعودها بجاذبية 'وادي السيليكون'.
وأكد داليو أن الإمارات ودول الخليج نجحت في الجمع بين رؤوس الأموال الضخمة والتدفق العالمي للمواهب، ما جعل المنطقة بمثابة 'مغناطيس' للمستثمرين ورواد الابتكار، واصفاً الإمارات بأنها 'جنة في عالم مضطرب' نتيجة التخطيط الطويل الأمد.
عمالقة الطاقة والتقنية
ولم تكتفِ دول الخليج بضخ الأموال عبر الصناديق السيادية فحسب، بل دفعت بشركات الطاقة العملاقة لتتولى زمام المبادرة في تمويل وبناء البنية التحتية الرقمية، مسخرةً عوائد النفط لخدمة التقنية.
وذكرت بلومبرغ، في 30 أكتوبر 2025، أن 'أرامكو السعودية' و'أدنوك الإماراتية' تقودان هذا السباق؛ حيث استحوذت أرامكو على 'حصة أقلية مؤثرة' في شركة 'هيوماين' التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لتلعب دوراً أكثر فعالية في القطاع.
وقد صرح الرئيس التنفيذي لأرامكو، أمين الناصر، بأن الشركة تعتبر نفسها 'شركة تقنية تقدم الطاقة'، كاشفاً لبلومبرغ، أنها وفرت 6 مليارات دولار خلال عامين بفضل التحول الرقمي، وتخطط لاستثمار ملياري دولار إضافية في ذراعها الرقمية.
وفي الجانب الإماراتي، تمتلك 'أدنوك' حصة 49% في شركة 'AIQ' التي تطور تطبيقات ذكاء اصطناعي باستخدام الحواسيب العملاقة، بينما تعود النسبة المتبقية لشركة تابعة لـ'G42' برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
ويأتي هذا بالتوازي مع استثمارات مليارية في البنية التحتية، أبرزها شراكة 'بلاكستون' مع 'هيوماين' لإنشاء مراكز بيانات في السعودية باستثمار أولي يناهز 3 مليارات دولار، وهو ما يعزز طموح المملكة لتكون ثالث أكبر مزود للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين.
وتتمتع دول الخليج بجاهزية رقمية عالية لاستيعاب هذه المشاريع، حيث أكد البنك الدولي في تقرير نشرته، صحيفة اقتصاد الشرق مع بلومبرغ، في 4 ديسمبر 2025، أن جميع دول المجلس تمتلك شبكات اتصالات قوية مع تغطية جيل خامس تتجاوز 90%، وأن أكثر من 80% من السكان يمتلكون مهارات رقمية أساسية.
وفيما تتصدر السعودية والإمارات مؤشرات الجاهزية ومراكز البيانات والحوسبة عالية الأداء، أشار التقرير إلى تفاوت في المنطقة؛ حيث تواجه الكويت تحديات في البنية المستقبلية بوجود 5 مراكز بيانات فقط.
بينما تعمل قطر على سد فجوات التعليم العالي رغم تقدمها في الخدمات الرقمية، وتسعى البحرين للحاق بركب التحول الرقمي، في حين تواجه عُمان تحديات تتعلق بسرعات الإنترنت الثابت وأسعاره.
نجاحات خليجية
ويؤكد المهندس أحمد طه طاهر، الخبير التقني وصانع المحتوى، أن استثمارات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج تعكس استراتيجية واضحة للسيادة التقنية، من خلال:
ويضيف طاهر لـ'الخليج أونلاين' أن هذه الخطوة تجعل المنطقة أقل اعتماداً على السحابات الخارجية وتعزز القدرة الوطنية على الابتكار والتحكم الرقمي.
ويشير إلى أن الاستثمارات الخليجية في 2025 أسهمت في تحويل المنطقة إلى مركز عالمي للابتكار الرقمي، ما جذب المستثمرين ورفع تنافسية القطاع التكنولوجي محلياً وإقليمياً.
ويلفت طاهر إلى أبرز النجاحات الخليجية في 2025، إضافةً إلى شراكات استراتيجية مع شركات عالمية لتوفير شرائح متقدمة، ما مكّن المنطقة من قيادة تطبيقات الذكاء الاصطناعي بفاعلية وأمان.
ويرى الخبير التقني أن فرص الخليج لتصبح 'سويسرا الذكاء الاصطناعي' عالية، شريطة توافر أربعة عناصر أساسية:
ويبين طاهر أن توافر هذه العناصر سيجعل الخليج مركزاً موثوقاً عالمياً في الذكاء الاصطناعي ويعزز سيادته التقنية.
السيادة والدفاع الذكي
وتجاوز الطموح الخليجي الجانب الاقتصادي ليلامس مفهوم 'السيادة التقنية' والأمن القومي، حيث تسعى العواصم الخليجية لامتلاك أدواتها الخاصة وبناء كيانات وطنية مستقلة.
وفي أحدث هذه التحركات، أعلنت دولة قطر عن إطلاق شركة 'كاي' (Qai) المتخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتابعة لجهاز قطر للاستثمار، وذلك وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء القطرية 'قنا'، في 8 ديسمبر 2025.
وتهدف الشركة الجديدة إلى بناء منظومات رقمية متقدمة وتوطين التكنولوجيا، مع التركيز على أنسنة الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمعات، حيث أكد رئيس الوزراء القطري أن هذه الخطوة تعكس طموح الدولة في توطين التكنولوجيا المتقدمة.
وفي السياق ذاته، تنتهج السعودية استراتيجية وطنية شاملة، حيث ذكرت، اقتصاد الشرق مع بلومبرغ، في 4 ديسمبر 2025 أن المملكة تعمل وفق استراتيجية من ثلاثة محاور تجاه الذكاء الاصطناعي التوليدي: أن تكون مستثمراً استراتيجياً، وجزءاً من سلسلة القيمة العالمية، وأن يصبح القطاعان العام والخاص مستخدمين مؤثرين للتقنية.
ويتكامل هذا مع إطلاق ولي العهد لشركة 'هيوماين' لتطوير وإدارة الحلول التقنية، وسعي المملكة لترسيخ استقلالها التقني عبر نماذج لغوية عربية تستهدف 400 مليون ناطق بالعربية.
ولا يغيب البعد الأمني عن المشهد، إذ يشير تقرير 'مرصد الذكاء الاصطناعي الدفاعي' الألماني الذي نشرته، إرم بزنس، في 17 نوفمبر 2025 إلى أن الذكاء الاصطناعي الدفاعي أصبح ركيزة أساسية للأمن والنمو، حيث يُتوقع أن تتجاوز استثمارات الخليج في هذا المجال 6.4 مليار دولار بحلول 2026.
وتبرز الإمارات في هذا المضمار عبر مجموعة 'إيدج' التي توسعت في تطوير حلول ذكية للمسيّرات والأنظمة السيبرانية، كما كانت الدولة السباقة بتعيين أول موظف حكومي يعمل بالذكاء الاصطناعي، ضمن خطة لاستثمار 3.54 مليار دولار لتعزيز التحول الحكومي الذكي.
تحديات الفقاعة والمستقبل
ورغم الزخم الهائل، لا يخلو الطريق نحو المستقبل من تحديات ومحاذير جدية تفرض نفسها على طاولة صناع القرار في نهاية 2025، تتراوح بين المخاطر الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية.
وقد نبه البنك الدولي في تقريره الذي نشرته، في 4 ديسمبر 2025 إلى أن دول المنطقة عرضة لاضطرابات سوق العمل نتيجة الأتمتة، ودعا لتنفيذ سياسات شاملة تشمل تطوير شبكات الأمان المهني، وإجراءات تعكس ندرة موارد الطاقة والمياه لإدارة 'البصمة البيئية' لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، لضمان استدامة هذه الطفرة التقنية.
ومن منظور مالي عالمي، حذر 'راي داليو' بتصريح لـ'CNBC عربية' في 8 ديسمبر 2025 من أن انتعاش الذكاء الاصطناعي يقع حالياً ضمن نطاق 'الفقاعة'، ناصحاً المستثمرين بعدم التسرع بالخروج لمجرد ارتفاع التقييمات، بل 'مراقبة لحظة اختراق الفقاعة'.
وأشار داليو إلى أن العامين القادمين (2026 و2027) سيكونان أكثر هشاشة للاقتصاد العالمي نتيجة تلاقي قوى الدين والصراعات الجيوسياسية، رغم تأكيده على أن الخليج يظل بقعة مضيئة ومستقرة وسط هذا الاضطراب.
وتسعى دول الخليج لاستغلال هذا الاستقرار لتلعب دور 'سويسرا الذكاء الاصطناعي'، كمنطقة محايدة تجمع بين الشرق والغرب، وتمتلك رأس المال والبنية التحتية في وقت تتصارع فيه القوى الكبرى.
ووفقاً لتقرير CNN الاقتصادية، في 22 أكتوبر 2025، فإن هذا التوجه الخليجي لا يمثل فرصة لتنويع الاقتصاد فحسب، بل يؤكد على 'إعادة تشكيل موازين القوى العالمية'.
حيث يتوقع أن تخلق استثمارات الذكاء الاصطناعي 460 ألف وظيفة جديدة في المنطقة بحلول 2030، معلنةً الانتقال الحقيقي من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة والبيانات.


































