أزقة ضيقة يصعب على سيارات الشرطة دخولها حتى قيل بشأنها 'الداخل مفقود والخارج مولود'

لا تكاد تخلو مدينة مغربية من وجود حي أو أحياء عدة توصف بالخطرة، أو ما يطلق عليه بعضهم 'بؤراً سوداء'، لكونها تعج بالجرائم والاعتداءات أو ترويج المخدرات أو تفشي ظاهرة الدعارة، علاوة على أنها باتت خزاناً انتخابياً يجذب المرشحين للانتخابات البرلمانية.

واشتهرت أحياء بعينها في الحواضر الكبرى للمملكة بكونها أحياء خطرة حتى قيل بشأنها إن 'الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود'، خصوصاً في مدن مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة وسلا وغيرها من المدن، كما اشتهرت بأسماء غريبة مثل 'الشيشان' و'حي الشياطين'.

أحياء في العاصمة

في العاصمة الرباط اشتهرت أحياء بكونها بؤراً سوداء بكل ما للكلمة من معنى، إذ تشهد أزقتها وحواريها الضيقة والمظلمة عديداً من حوادث السرقة أو الاعتداءات وترويج المخدرات بأنواعها، مثل أحياء 'دوار الحاجة' و'المعاضيد' و'جبل الرايسي' وغيرها.

يقول في هذا الصدد 'عمر زافير' أحد سكان 'دوار الحاجة' الذي تغير اسمه إلى حي 'الفرح' من دون أن يتغير حاله إلى الأفضل، إن هذا الحي يعد من أكثر الأحياء المأهولة بالسكان في المغرب، مما يفسر كونه يعج بالحوادث وجرائم السرقة والاعتداءات.

وتابع المتحدث ذاته أن هذا الحي يعتبر أحد أخطر الأحياء في العاصمة، لا سيما في الأزقة الضيقة التي لا يمكن لسيارات الشرطة أن تدخلها، إذ يبسط المجرمون وباعة المخدرات سيطرتهم كيفما يريدون في هذه الحواري الخطرة، كما أن الحي كان مسرحاً لاعتقالات طاولت أشخاصاً متهمين بقضايا إرهاب.

واسترسل القاطن في أحد الأزقة المعروفة بكونها بؤرة للمخدرات، بأن 'هذا الحي على رغم كونه تحسن أخيراً من حيث وضعيته الأمنية، غير أنه لا يزال خطراً خصوصاً بالنسبة إلى الأشخاص الغرباء الذين يدخلونه'، مردفاً أن المشكلة تكمن في أن هناك أجيالاً شابة تربت على العنف والسرقة هي التي أخذت مشعل الجريمة من الذين سبقوهم ويقبعون في السجون.

الشيشان و'حومة الشياطين'

وأما مدينة الدار البيضاء فهي أيضاً تضم عدداً من الأحياء المعروفة بكونها أحياء خطرة، لعل أبرزها حي الهراويين المعروف باسم حي 'الشيشان'، وهو أحد الأحياء الفقيرة والعشوائية في العاصمة الاقتصادية للمملكة، الذي سمي كذلك خلال مرحلة الحرب الشيشانية الأولى عام 1996، عندما نشبت مواجهات ساخنة بين سكان الحي والسلطات التي قررت هدم المنازل المبنية بطريقة غير قانونية.

وفي مدينة الدار البيضاء أيضاً يوجد على القائمة نفسها حي 'سيدي مومن' الذي اشتهر بأن من بيوته القصديرية خرج شبان متطرفون أقدموا على ارتكاب التفجيرات الدموية الإرهابية التي هزت المغرب في الـ16 من مايو (أيار) 2003، وذهب ضحيتها عديد من الضحايا والمصابين.

واشتهر حي 'سيدي مومن' كذلك بأنه يضم بيوتاً ومنازل بنيت بطريقة عشوائية وغير قانونية، أفرزت ظواهر اجتماعية خطرة عدة، من بينها السرقة والمخدرات والجريمة، ومن هذا الحي خرج المجرم الشهير الملقب بـ'نينجا' الذي عرف في التسعينيات من القرن الماضي بأنه قاتل متسلسل خطر.

وفي طنجة شمال البلاد يوجد حي يدل اسمه على خطورته، إذ يلقبه سكان المدينة 'حومة الشياطين' كناية على 'شياطين الإنس' كما يقال، الذين يتاجرون بالمخدرات ودعارة القاصرات ويرتكبون عديداً من الموبقات.

وفي حي 'بنكيران' المعروف باسم 'حومة الشوك'، تنتشر بشكل لافت تجارة المؤثرات العقلية وأقراص التخدير المختلفة، فضلاً عن حيازة وترويج الكوكايين، الشيء الذي يشيع في بعض أرجاء الحي أجواء من الخوف بسبب كثرة المشاحنات والاعتداءات بين تجار المخدرات.

'خزان انتخابي'

خطورة هذه الأحياء التي توصف بكونها خطرة لتفشي الجريمة والمخدرات فيها تتحد في كثير من الأحيان مع ظروف الفقر والهشاشة الاجتماعية والتنموية، مما يجعلها قنابل اجتماعية موقوتة قد تنفجر في أية لحظة.

ويتحدث ناشطون عن 'توسع هذه الأحياء جغرافياً في فترات الانتخابات المحلية أو التشريعية، عند التغاضي عن بناء البيوت والمنازل من دون رخص قانونية في مقابل الإدلاء بالأصوات الانتخابية لمرشحي أحزاب سياسية بعينها'.

وفي مدينة ضخمة مثل الدار البيضاء يقول الباحث محمد شقير إن الهجرة إليها شكلت عاملاً أساسياً لتوسع المدينة عمرانياً وبشرياً، إذ انتشر عديد من الأحياء العشوائية بسبب تغاضي السلطة المحلية، إذ كانت تبني الدور من دون رخص بناء وتحت جنح الظلام.

وزاد شقير بأن 'هذه الأحياء التي توصف بالخطرة، إذا كانت حققت استقراراً في مكان ما، فإن لها تداعيات سلبية على الانسجام الحضري في المدن، بسبب هجانتها المعمارية والثقافية والاقتصادية بل أدت في بعض الأحيان إلى تهديد الاستقرار السياسي'، مذكراً أن انتحاريي الدار البيضاء الذين قاموا بعمليات إرهابية استهدفت مقار سياحية ومقابر يهودية، خرجوا من دواوير هذه الأحياء.

خسائر أسرية

وعدا عن كونها تشكل خطراً أمنياً على السلم الاجتماعي، فإنها تشكل خزاناً انتخابياً يؤدي أحياناً إلى التأثير سلبياً في الانسجام الحضري للمدن، فإن هذه الأحياء التي توصم بكونها خطرة تتسبب في مشكلات نفسية وتربوية لقاطنيها.

وتقول السيدة إلهام بادو، موظفة وأم لأربعة أبناء، وتقطن في حي 'سيدي موسى' الشعبي الذي يوصف بالخطر بمدينة سلا، إنها تشعر بالاستياء بسبب 'أجواء الحرب' كما وصفتها، التي تسود هذا الحي الشعبي، وخصوصاً لأنه بات من الصعب تربية أولادها في جوار هذا الحي.

واستطردت المتحدثة عينها بأن كل الجهود التي تقوم بها الأسرة طوال سنوات لتربية أبنائها تربية أخلاقية إيجابية وحسنة 'هدمت بسرعة عند خروجهم إلى الحي الذي يأوي بعض الشباب منعدمي الأخلاق والضمير، أو بائعي الحشيش وغيرهم من الجانحين والمنحرفين'.

وتلتقط خيط الحديث فوزية غزرني، الناشطة في مجال الأسرة، لتؤكد أن الأحياء الخطرة التي تروج فيها المخدرات والخمور والجرائم والدعارة الرخيصة تؤثر بلا شك في السلامة التربوية لأبناء الأسر القاطنة في هذه الأحياء السكنية.

وتشرح المتحدثة ذاتها بأن 'الرفقة السيئة تلعب دوراً كبيراً جداً في إشاعة عدوى الإدمان على المخدرات أو ترويجها، أو حتى الوقوع في براثين عصابات السرقة أو النشل أو الاعتداء على ممتلكات الغير، الشيء الذي يفرز أجيالاً ناشئة معطوبة تربوياً، ومهددة بفقدان حاضرها ومستقبلها بسبب خطورة هذه الأفعال'.

في المقابل يعتبر بعض الناشطين الحقوقيين أن هؤلاء هم ضحية الفقر والعوز والإهمال، وأن ظروفهم الصعبة وضعتهم في هذا المكان، وأن الحاجة خلقت لديهم ظاهرة الانحراف والجنوح نحو التمرد على واقعهم بطريقة عنيفة.