في منزلها القديم بحي المهندسين، حيث تتنفس الجدران عبق التاريخ الفني وسنوات التألق، استقبلتنا النجمة ميرفت أمين بابتسامتها المشرقة التي لم تفارق وجهها منذ عرفها الجمهور في فيلم 'أبي فوق الشجرة'. لم تغيّرها السنوات ولا النجومية، فهي لا تزال تلك السيدة الراقية، القريبة من الناس، ترفض العيش في قصور الكمباوندات، وتفضل البقاء وسط الجيران، في الحي الذي شهد بداياتها ومجدها الفني، في حوار انفراد من القلب، تفتح الفنانة الكبيرة ميرفت أمين دفاتر عمرها، وتروي تفاصيل نادرة عن علاقاتها مع نجوم الزمن الجميل، بين لحظات إنسانية عميقة ومواقف لا تنسى، نستعيد معها ملامح عصر ذهبي لا يزال يعيش في وجدانها... وفي وجداننا.

ميرفت أمين

'لم أشعر بالغربة... والأجيال الجديدة تحترمنا'

سألتها في بداية الحديث: هل تغيرت الدنيا؟ هل تشعرين بالغربة في الوسط الفني بعد كل هذه السنوات؟

أجابت: 'لا، فلم أشعر أبداً بالغربة، رغم اختلاف الأجيال. بل بالعكس، عندما عملت مع منى زكي، ثم مع جميلة عوض ومن هنّ في جيلهما، وجدت بداخلهن حباً واحتراماً حقيقياً لنا. أصبحنا أصدقاء بسرعة، ربما لأنني اجتماعية بطبعي وأحب الناس'.

'رجاء ودلال كانتا ظهري... ولا شيء يعوّض فقدهما'

عن صديقتيها المقربتين، رجاء الجداوي ودلال عبد العزيز، بدا الحزن في عينيها رغم مرور الوقت. تقول: 'كنّا لا نفترق. خروجات، زيارات، أعياد ميلاد، عزاءات، زيارات للمرضى، إلى اليوم عندما أسمع أن أحد الزملاء مريض، أسمع صوت دلال في أذني تقول لي: (يلا نزوره). لكنني أدرك فجأة أنها لن تتحدث ولن تأتي...'.

وأضافت بأسى: 'فقدنا رجاء، وكانت دلال هي من تهوّن عليّ، ثم جاء اليوم الذي فقدت فيه دلال... لم أتوقع أبداً رحيلها. كنت أزورها في المستشفى، أقول لها: (أنتِ كويسة، وهتبقي زي الفل)... لكنه القدر، فقدت أماناً وسنداً لا يُعوّض'.

جولة مع 'سيدتي' في فيلا رجاء الجداوي مع ابنتها أميرة مختار: زوايا المنزل تحن لوالدتي

دنيا وإيمي: بناتي من دلال

عن علاقتها بدنيا وإيمي سمير غانم، قالت: 'أنا لدي ثلاث بنات: منة، ودنيا، وإيمي، هما امتداد لدلال، وتربطنا علاقة عائلية حقيقية، دنيا تقول لي: (أنتِ مامتي)، وإيمي تقول: (يا مامتنا). نتبادل الزيارات، نسافر سوياً، وتحرص دنيا على أداء الواجبات الاجتماعية كما كانت تفعل دلال، تقول لي دائماً: (أنا عارفة إن ماما هتفرح لو رُحت)'.

ميرفت أمين تتحدث عن ابنتها منة: أغلى ما في حياتي

تحدثت عن منة ابنتها، فقالت: 'منة أخذت مني الطيبة والهدوء... بل ربما هي أطيب مني، دائماً تجد الأعذار للناس، حتى لمن يخطئون، وسميتها على اسم منة، ابنة صديقتي الراحلة شويكار، التي فقدت معها الأمان والونس، كذلك أميرة ابنة رجاء الجداوي، أعتبرها ابنتي أيضاً'.

عن السوشيال ميديا: 'زوجوني وأماتوني!'

وعن ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن حياتها الشخصية، وخاصة ما يتعلق بابنتها منة، ردّت الفنانة: 'أنا لا أتابع السوشيال ميديا أصلاً، ولا أملك أي حساب على فيسبوك أو تويتر أو إنستغرام، كل ما يُقال مجرد شائعات، موضوع الزواج قسمة ونصيب، وابنتي مثل أي فتاة، قد تُوفّق أو لا، السوشيال ميديا أصبحت بلا ضوابط، وتحتاج إلى رقابة، قرأت يوماً أنهم زوّجوني وأماتوني! أنا أريد فقط أن أعيش بهدوء، وأستمتع بكل مرحلة من حياتي'.

لماذا لا تشاهد ميرفت أمين أعمالها؟

'لا أحب مشاهدة أعمالي، أنتظر رأي الجمهور، لأنني أنتقد نفسي كثيراً، ولو رأيت مشهداً لم أُقدّمه كما ينبغي، ألوم نفسي وأقول: (ياريتني عملته بشكل تاني)'.

'نور الشريف... جزء من عمري الفني والإنساني'

حين سألتها عن نور الشريف، ارتسم الحزن على وجهها: 'قلت ذات مرة إن جزءاً مني انكسر بعد رحيله، وكنت أعني كل كلمة، قدمنا معاً 27 فيلماً، وكان أخاً وزميلاً وصديقاً مقرباً، كنا نأخذ رأي بعضنا في كل شيء، حتى حياتنا الشخصية'.

وتذكرت أحد المواقف: 'في مسلسل الرجل آخر، شعرت بعد أحد المشاهد بأنني لم أكن في أفضل حالاتي، همس لي وقال: (إيه رأيك يا ميفا نعيده؟)، بلطف دون أن يحرجني، هذا هو نور الشريف، في أيام مرضه، كان راضياً، متمسكاً بالحياة، حتى في آخر أعمالنا سوياً بتوقيت القاهرة، كان ينسى آلامه أمام الكاميرا'.

في لقاء مع شقيقها وابنته وابن شقيقتها عائلة فاتن حمامة تتحدّث عن إنسانيتها للمرة الأولى

فيلم الحفيد: 'كأنها عائلتي الحقيقية'

عن فيلم الحفيد، قالت: 'من أحب الأعمال إلى قلبي، كانت أجواء الفيلم تعكس العائلة المصرية بحبها وخلافاتها ودفئها، شعرت بأن مدام كريمة مختار أمي، وأن الأستاذ مدبولي أبي، ومنى جبر أختي، هذا الفيلم يشبهنا تماماً'.

شخصيات بعيدة وتحديات قريبة

عن الأدوار الصعبة في حياتها، تقول: 'دوري في أنف وثلاث عيون والأراجوز كانا بعيدين تماماً عن شخصيتي، في أنف وثلاث عيون، جسدت فتاة لعوباً، وكنت خائفة من رد فعل الجمهور، لكن الحمد لله الناس اقتنعت بالدور'.

وتضيف عن تجربتها مع عمر الشريف في الأراجوز: 'قلت للمخرج هاني لاشين: (الدور ده مش شبهي)، لكنه أقنعني، ونجح الفيلم والحمد لله'.

أحمد زكي: العبقري الذي لا يُنسى

عن ذكرياتها مع أحمد زكي، قالت: 'كنت أستمتع بالتمثيل معه، لأنه عبقري. أثناء تصوير أيام السادات، كان متقمصاً شخصية السادات لدرجة أن حفيدة الرئيس قالت له: (جدو!)'.

وتابعت: 'كنت فخورة بتجسيدي شخصية جيهان السادات، وسعدت جداً حين أخبرني المخرج محمد خان أن السيدة جيهان هي من رشحتني، جلست معها كثيراً لأتعلم منها طريقة حديثها وضحكتها وسلوكها'.

أما عن زوجة رجل مهم: 'دوري كان مرهقاً نفسياً جداً، كنت أعيش رومانسية جميلة ثم أكتشف أن زوجي مستبد وكاذب، المشهد الأخير الذي يقتل فيه والدي أمامي، لم أنسه أبداً، أحمد زكي في هذا الفيلم كان في قمة تألقه'.

المخرج محمد خان... وصديق الجيل

'العمل مع محمد خان متعة، كان يحب الممثل ويمنحه المساحة ليُبدع، ضمن رؤيته الفنية الواضحة'.

أما عن أقرب الصديقات، فتقول: 'نجلاء فتحي من أقرب صديقاتي، على تواصل دائم بها، وهي بخير الحمد لله، لا توجد غيرة بين بنات جيلنا، فكل واحدة كان لها بصمتها'.

'أنا كوميدية... لكن مع أصدقائي فقط'

وعن نوعية الأفلام القريبة إلى قلبها، تقول: 'أحب الكوميديا، لأنها صعبة، أن تضحك الناس أصعب من أن تبكيهم، أحب أفلام دقة قلب، واحدة بواحدة، ومرجان أحمد مرجان'.

علاقة قوية بالزعيم

'عادل إمام صديقي منذ سنوات طويلة، وسعيدة بعملي معه في مرجان أحمد مرجان، أحببت دور الدكتورة جيهان، وكان الفيلم كله ممتعاً'

'لكل سن جماله... لهذا استعنت بدوبليرة'

سألتها عن مشهد أغنية بوس الواوا، ولماذا استعانت بدوبليرة، فقالت بثقة: 'رفضت ارتداء ملابس لا تناسب سني، مثل الشورت، فاستعنا بدوبليرة ترقص بعض المشاهد، أنا قمت بالمشاهد التي تناسبني، لأن لكل سن جماله ووقاره'.

وعن حسين فهمي

وعن علاقتها بطليقها الفنان حسين فهمي، قالت ببساطة: 'علاقتنا جيدة جداً، ونتقابل في المناسبات الخاصة بمنّة ابنتنا، ويكفي أنه والد منة'.

ميرفت أمين تروي ذكرياتها مع نجوم الزمن الجميل

عبد الحليم حافظ... بداية الحلم

تقول ميرفت أمين: 'عبد الحليم حافظ هو السبب في استمراري في السينما'.

وتضيف: 'فيلم أبي فوق الشجرة استمر عرضه طويلاً، وكان أي فنان يعمل مع عبد الحليم يلقى حب الجمهور، بدأ حب الناس لي مع هذا الفيلم، وامتد من خلال أفلامي، فأنا واحدة من بطلات عبد الحليم، وهذه كانت جائزة عظيمة لي في بداية مشواري، ونجاحاً كبيراً لا يُنسى، عبد الحليم كان علامة فارقة في تاريخي الفني'.

جولة مع 'سيدتي' في منزل عبد الحليم حافظ مع المخرج محمد كمال الشناوي

اللقاء الأول...

تحكي ميرفت عن أول مرة جمعتها جلسة مع عبد الحليم حافظ قائلة: 'كان ذلك في مكتب صوت الفن، حيث اجتمعنا أنا، ووحيد فريد مدير التصوير، والمخرج حسين كمال، وعبد الحليم. كنت أتابعه بعيني، ولم أكن أسمع شيئاً مما يُقال، كنت منشغلة فقط برؤيته، لم يهمّني في ذلك الوقت إن كنت سأحصل على دور البطولة معه في أبي فوق الشجرة أم لا.

وتتابع: 'انتهت الجلسة، وبعد يومين اتصلوا بي وقالوا لي: تعالي امضي العقد، فرحتي وقتها لا توصف... سأكون إحدى بطلات عبد الحليم!'.

تصوير 'أبي فوق الشجرة'...

تسترجع ميرفت أمين ذكرياتها في تصوير الفيلم قائلة: 'أتذكر المشهد الأول الذي جمعني بعبد الحليم، كان التصوير داخل الكباريه حيث تعمل الراقصة التي قامت بدورها الفنانة نادية لطفي. في ذلك المشهد، تركها عبد الحليم ثم عاد ليجد والده، الذي جسّد دوره الفنان الكبير عماد حمدي، كنت أقف مع مجموعة الأصدقاء الذين رفضوا عودته لهم في الفيلم'.

وتضيف: 'كنت سعيدة للغاية وأنا أشاهد عبد الحليم يمثل أمامي، من أجمل اللحظات التي جمعتني به كانت مشاهد الأغاني التي كان يغنيها لي داخل الفيلم، وكان المخرج حسين كمال يقول لي بعد انتهاء تلك المشاهد: أنت أفضل مستمعة أغانٍ!'.

صداقة حتى الرحيل

رغم انتهاء الفيلم، لم تنتهِ العلاقة، بل تحولت إلى صداقة راقية، تقول ميرفت: 'استمرت علاقتي بعبد الحليم حتى وفاته، كانت علاقة صداقة حقيقية، كان يطمئن عليّ بالتليفون، وأنا كذلك، حزنت عليه كثيراً حين رحل'.

فريد الأطرش... إنسان قبل أن يكون نجماً

تنتقل ميرفت أمين إلى الحديث عن ذكرياتها مع الفنان الكبير فريد الأطرش: 'عملت معه في فيلم نغم في حياتي، كان إنساناً طيب القلب جداً، كان يسجل أغاني الفيلم ثم يسمعها بمفرده، ويقيّمها وكأنه ليس هو من غنّاها، كان موضوعياً في حكمه'.

وتتابع: 'كان يعاني من مرض في القلب وقت التصوير، لكنه كان حريصاً على استكمال الفيلم، أحياناً كان يتعب بعد تسجيل أغنية، فيتوقف التصوير لثلاثة أيام ليرتاح ثم يعود، صوّرنا الفيلم في لبنان وفي منزله المطل على النيل في مصر'.

عمر الشريف... تحدٍّ وتجربة لا تُنسى

عن عملها مع الفنان العالمي عمر الشريف، تروي ميرفت: 'عندما أرسل لي المخرج هاني لاشين سيناريو فيلم الأراجوز، شعرت بأن الدور بعيد تماماً عن شخصيتي، ومع ذلك، قررت أن أتحدى نفسي وأقبله'.

وتضيف: 'وافقت فوراً عندما عرفت أن عمر الشريف سيؤدي دور الأراجوز، كان تأثره بالسينما العالمية واضحاً في كل تفاصيله، كان يأتي إلى الاستوديو قبل التصوير بثلاث ساعات، يرتدي ملابس الشخصية، ويجلس داخل الديكور ليتعايش مع الدور بالكامل'.

مديحة كامل... صداقة من الزمن الجميل

تتحدث ميرفت أمين عن علاقتها بالراحلة مديحة كامل قائلة: 'كانت علاقتي بمديحة علاقة صداقة جميلة جداً كانت طيبة القلب وجميلة الروح، عملنا سوياً في أكثر من فيلم، وكنا نتقابل كثيراً لأننا نسكن في المنطقة نفسها وهي المهندسين'.

وتكمل: 'بعد فترة، قررت مديحة الابتعاد عن الأضواء، وارتدت الحجاب، لكن العلاقة بيننا لم تنقطع، ظلت علاقة طيبة وإنْ قلّت اللقاءات، ومرت سنوات طويلة لم ألتقِ بها خلالها'.

اللقاء الذي لم يحدث

وتروي ميرفت لحظة مؤثرة ظلت محفورة في ذاكرتها قائلة: 'في أحد الأيام، كنت أزور بعض الأصدقاء المشتركين بيننا، أخبروني أن مديحة ستزورهم أيضاً ذلك اليوم، فقررت أن أستمر في الجلوس حتى تصل'.

لكن الظروف لم تسمح باللقاء: 'للأسف كنت مرتبطة بموعد، فاضطررت للانصراف قبل أن تصل، قلت لهم: سلموا لي عليها، وإن شاء الله أراها قريباً'.

وتنهي كلامها: 'لكنها رحلت بعد أيام من هذا اليوم... وندمت كثيراً أنني لم أرها'.

في نهاية هذه الجولة مع ذكريات ميرفت أمين، يتضح لنا كيف شكلت تجاربها الفنية والإنسانية علامة مميزة في تاريخ السينما العربية، من خلال قصصها مع عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، وعمر الشريف، نرى ليس فقط نجمة سينمائية، بل شخصية ارتبطت بأسماء لامعة صنعت الفن والموسيقى والسينما بحب وشغف، ميرفت أمين تبقى رمزاً حياً لفن الزمن الجميل، ومرآة تعكس لحظات ذهبية من تاريخنا الفني.

تعرّفي إلى رؤية عمر الشريف للمال والشهرة في حياته

وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».