ما الهدف من بناء 5 قواعد عسكرية أميركية في الصومال؟

الاضطرابات الأخيرة الناتجة من تهديد الملاحة في باب المندب عجلت من وتيرة التعاون بين الطرفين وأدت إلى توقيع مذكرة التفاهم

أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن الصومال والولايات المتحدة الأميركية وقعتا مذكرة تفاهم لبناء خمس قواعد عسكرية للواء داناب التابع للجيش الوطني الصومالي.

وقال شيخ محمود إن الدعم الأميركي يعد مساهمة مهمة وحاسمة في جهود الحكومة لبناء جيش وطني فعال وقادر على مواجهة التحديات الأمنية، خصوصاً تلك الناجمة عن خطر الإرهاب المحدق بالبلاد.

وأشارت مصادر صحافية صومالية إلى أن القواعد الخمس سيتم إقامتها في مناطق بيدوا ودوساماريب وجوهر وكيسمايو ومقديشو.

وتم توقيع مذكرة التفاهم في مقديشو بحضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ومسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية.

وبحسب مراقبين للشأن الصومالي، فإن المذكرة الموقعة تعد جزءاً من سعي الولايات المتحدة الأميركية لتقديم الدعم العسكري والمشورة للجيش الصومالي، بخاصة في التحديات المتعلقة بالإرهاب، التي تمثل 'حركة الشباب' أهم أذرعها العسكرية، إذ تشن الولايات المتحدة أيضاً غارات جوية ضد مواقعها المتقدمة في الأراضي الصومالية.

ويأتي توقيع المذكرة خلال زيارة لوفد أميركي بقياد مولي، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، إلى جانب السفير مايك هامر المبعوث الخاص لمنطقة القرن الأفريقي للمنطقة منذ أسبوع، وذلك على هامش مشاركة الوفد الأميركي في القمة الأفريقية الـ37 التي تستضيفها أديس أبابا.

تتويج الدبلوماسية الصومالية

بدوره، رأى المتخصص بشؤون القرن الأفريقي، عبدالرحمن سيد، أن 'الوصول إلى هكذا تفاهم واتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصومال الفيدرالية، في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات مقلقة، خصوصاً بعد توقيع مذكرة التفاهم المثيرة للجدل بين إثيوبيا وما يعرف بصوماليلاند، يؤكد من الناحيتين السياسية والدبلوماسية بأن حكومة مقديشو لا تزال تمثل الطرف الوحيد المعترف به دولياً، وأنها تحظى بقبول قوى عالمية، مما يبعث برسالة للدول المجاورة مثل إثيوبيا، بأن دبلوماسية الصومال قد حققت نجاحاً كبيراً في كسب التأييد الدولي، مما يتيح الفرصة لتعاون إقليمي ودولي بينها وبين القوى العظمى'.

ويضيف أن 'الاتفاق الأخير مع واشنطن، وزيارة مسؤولين أميركيين، يبرهنان مجدداً أن جمهورية الصومال ليست دولة معزولة وضعيفة، وأنها تستطيع التحرك في كل الاتجاهات في سبيل الدفاع عن سيادتها أمام أطماع دول الجوار التوسعية'.

وينوه سيد إلى أن الاتفاق يؤشر أيضاً إلى أن 'الصومال يتحرك نحو التعافي والنهوض بخطى ثابتة لتأسيس جيش وطني قوي بالاستفادة من الخبرات الإريترية والآن الأميركية'، مؤكداً 'أن قيام جيش وطني مهني يوحي ببداية جديدة نحو الاستقرار واستتباب الأمن في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي وخليج عدن وباب المندب'.

ويضيف المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة، قد يعد مؤشراً إلى تغييرات في السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً بعد المراجعات المهمة التي كشفت عنها واشنطن تجاه علاقاتها في الإقليم المضطرب، والتي بدأت بوادرها من خلال إعلانها 'اعتماد سياسة التعامل الإيجابي مع النظام الإريتري' ثم التوصل إلى هذا الاتفاق العسكري - الأمني، إذ في ظل ضعف النظاميين الإثيوبي والسوداني، فإن الصومال يبدو أفضل نسبياً وأهم استراتيجياً لحماية مصالح الولايات المتحدة الأميركية والملاحة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر.

وفي رده على سؤال لـ'اندبندنت عربية' حول تأثير هذا الاتفاق على مسار التفاهم المبرم بين أديس أبابا وهرجيسا، حول المنفذ البحري في خليج عدن، يرى سيد 'أن ما أقدمت عليه أديس أبابا من خلال توقيع مذكرة التفاهم مع إقليم غير معترف به، ورئيس انتهت عهدته الرئاسية منذ عامين، مثَّل انتهاكاً صارخاً لسيادة جمهورية الصومال وتدخلاً غير مبرر في شؤونه الداخلية'، مضيفاً 'لا أعتقد أن الشعب الصومالي وحكومته يقبلان بأية تسوية تفضي إلى قبول مذكرة التفاهم الموقعة بين النظام الإثيوبي ورئيس حكومة أرض الصومال في يناير الماضي'.

ورجح أن يمثل الاتفاق العسكري بين مقديشو وواشنطن عقبة أمام تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة حول المنفذ البحري، بخاصة أن التواقيت التي حددتها المذكرة لتنفيذ الاتفاق قد مضى عليها أكثر من شهر من دون تحرك فعلي على الأرض، علاوة على الانتقادات الدولية الواسعة التي أعقبت توقيع الاتفاق.

الاتفاق يحقق مصالح إثيوبيا

من جهته يرى المتخصص الإثيوبي بيهون غيدوان، أن الاتفاق المبرم بين واشنطن ومقديشو، والهادف إلى بناء جيش صومالي قوي ومهني، يحقق في النهاية مصالح دول الجوار عموماً وإثيوبيا بشكل خاص، مضيفاً أنه 'لطالما سعت أديس أبابا لمساعدة الصومال في بناء جيش نظامي قوي، قادر على بسط الأمن والاستقرار في الصومال، وحماية الحدود المشتركة بين البلدين'.

ويرى غيداون أن إثيوبيا قد حاربت بقواتها داخل الصومال من أجل تمكين الأنظمة الصومالية المتعاقبة من بسط سيطرتها وتحقيق سيادتها، باعتبار أن ذلك يمثل مصلحة إثيوبية، إذ إن الطرفين الرسميين في كل من أديس أبابا ومقديشو ظلا يواجهان الأخطار التي تمثلها الجماعات الإرهابية، وتحديداً 'حركة الشباب' الصومالية.

ويقدر المتخصص الإثيوبي أن يعزز الاتفاق الأخير لإقامة خمس قواعد عسكرية صومالية بمساعدة أميركية، مصالح إثيوبيا العليا، إذ إن استقرار الصومال وعودته معافى من الفوضى والانفلات الأمني، سينعكسان إيجاباً على إثيوبيا.

وينفي غيداون أن يؤثر ذلك على مذكرة التفاهم المبرمة مع أرض الصومال، مشيراً إلى أنهما مساران مختلفان، وأن أديس أبابا تتشاور مع كافة الأطراف الدولية في شأن تلك المذكرة، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، ويبرر ذلك بالقول إن الهدف الأساس من المذكرة يتعلق بضمان منفذ بحري لإثيوبيا بطرق سلمية، وإن استقرار الصومال وحتى عودته موحداً مع أرض الصومال، يخدم الأجندة الإثيوبية، إذ إن الهدف النهائي لأديس أبابا هو توفير المنفذ الآمن، بعيداً من التوترات القائمة الآن بين أديس أبابا ومقديشو من جهة، والأخيرة وهرجيسا من جهة أخرى.

ويدلل غيدوان على ذلك بالقول 'إن أديس أبابا لم تعترف بعد باستقلال صوماليلاند، على رغم أن المذكرة تنص على ذلك'، مشيراً إلى أن ذلك عائد لأن الأولى لا تزال تأمل في إمكانية حلحلة الأزمات بين الصومال وأرض الصومال، لأن ذلك سيمثل ضمانة لاستفادتها من منفذ آمن.

ويضيف المحلل الإثيوبي أن علاقات بلاده بواشنطن 'تاريخية وأزلية، ولا تتأثر على المدى البعيد بالأزمات الطارئة'، وأن هناك تنسيقاً وتشاوراً دائمين بين الطرفين، معتبراً أن ابتعاد مقديشو عن واشنطن هو الذي يمثل مصدر قلق لأديس أبابا وليس العكس.

ونوه بأن أديس أبابا ظلت تحذر من التدخلات التي قادتها بعض الدول بعد توقيع المذكرة، وأن اقتراب الصومال من تلك الدوائر يمثل تهديداً لأديس أبابا، في حين تأنس الأخيرة لدور أميركي لتقديرها أنه أكثر تفهماً لمطالبها.

تجاوز العقدة التاريخية

من جانبه، رأى المتخصص الصومالي عيدي محمد، أن الاتفاق الموقع في مقديشو يهدف إلى إعادة بناء وتحديث الجيش الصومالي، مما يعزز من قدراته على حماية أراضيه السيادية، بما في ذلك تلك الخاضعة لسيطرة ما يعرف بجمهورية أرض الصومال.

بالتالي فإن النتيجة النهائية لهذا الاتفاق العسكري تتمثل في حماية أراضي الصومال من أي أطماع توسعية لدول الجوار، علاوة على أنه يعزز من موقع الصومال في خريطة الصراع في حوض البحر الأحمر وخليج عدن.

وأضاف أنه على رغم أن الوصول لهذا الاتفاق يعد ثمرة سنوات طويلة من التنسيق بين الحكومات الصومالية المتعاقبة وواشنطن، فإن الاضطرابات الأخيرة الناتجة من تهديد الملاحة الدولية في باب المندب، قد عجلت من وتيرة التعاون بين الطرفين وأدت إلى توقيع مذكرة التفاهم.

ولفت إلى أن الدبلوماسية الصومالية قد حققت أهدافاً مهمة خلال الشهرين الماضيين، خصوصاً بعد الاتفاق الإثيوبي مع إقليم صوماليلاند حول المنفذ البحري.

ويعتقد عيدي 'أن مقديشو تمكنت من تجاوز عقبة العلاقات التاريخية بين واشنطن وأديس أبابا'، وتمكنت من إقناع الأطراف الدولية بأحقيتها في تمثيل الصومال ككل، وأنها الجهة الوحيدة التي تمثل الشرعية السياسية للسيادة الصومالية.

ورجح عيدي أن يمثل توقيع مذكرة التفاهم العسكري بين مقديشو وواشنطن مصدر قلق لأديس أبابا، ويوجه برسالة مهمة مفادها بأن الحكومة في مقديشو على رغم ضعفها فإنها لا تزال تملك القدرة على الدفاع عن السيادة الصومالية سياسياً ودبلوماسياً، وأن الخطوة الأخيرة تعزز من قدراتها العسكرية، وتسهم في اندماجها في الخطط الدولية في شأن المنطقة.