"ظلم المصطبة" ... صراع القوة والضعف في دوامة الانتقام

في عالم معقد تتداخل فيه مشاعر القوة والضعف، يتجلى الصراع بين الأمل واليأس بشكل درامي... مسلسل 'ظلم المصطبة' يقدم لنا لوحة فنية تتناول كيف يمكن لقوة المال والسلطة أن تدمر العلاقات الإنسانية وتغرس بذور الانتقام. في قرية نائية، تتشابك مصائر الأصدقاء في خيوط من الخيانة والظلم، مما يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة العدالة والرحمة.

تؤكد القاعدة العلمية أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه. ولكن ماذا عن قوة الضعف والتمادي في الإغراق فيها، التي تمثل لذة الافتراء للأقوياء ووطأة الرضوخ للضعفاء؟ بالطبع الظلم ظلمات ولكن ربما قبل الظلم اظلم من الظلمات احيانًا وهذا ما يحرض او يحرص عليه ظلم المصطبة

في قرية صغيرة نائية، يهاجر مجموعة من الأصدقاء إلى ليبيا طمعًا في الرزق، لكنهم يصابون بويلات الظلم والقهر. حيث يفر أحدهم بأموال طائلة، ويسجن الآخر لمدة سبع سنوات. ثم يعود إلى القرية ليجد صديقه لم يكتفِ بنهب الأموال وتكوين إمبراطورية، بل ويتزوج حبيبته بحيلة أن صاحبه قد فر إلى إيطاليا وتزوج هناك على أمل ألا يعود. ولكنه يعود ليطالب بأمواله أولاً، ثم ليوضح الافتراء عليه بقصة واهية للزواج من حبيبته وإنجاب طفلة منها، اختًا لبنتين من زوجة صديقه الأولى المتوفاة.

ينسج مؤلفو القصة، وهم كثر بالمناسبة، خيوط العودة والانتقام من خيانة صديقه الغادر صاحب الأموال الطائلة، وأخيه المتدين صاحب الأمر والنهي في القرية، وخطيبها وأمامها. وخلال الحلقات، نكتشف القهر المتصاعد داخل الأسرة الجانية، وأسر أخرى مجني عليها داخل القرية.

المجهود السردي مميز، حيث تتصاعد الحبكة بشكل واضح ومتقن، مما يحبس أنفاس المشاهد في مواقف متأزمة ومتوالية. وربما تعتبر من أجود الأعمال التي شارك في كتابة السيناريو فيها خمسة كتاب. وعلى الرغم من أن أحمد فوزي صالح هو المؤلف الرئيس للعمل، إلا أن محمد رجاء، وإسلام حافظ، وحاتم حافظ، وأحمد عصام الشماع، شاركوا في كتابة السيناريو بتناسق شديد، حيث رسموا الوقائع بدقة والأحداث بسلاسة.

أجاد أحمد فوزي صالح المؤلف الرئيس، في تقديم رؤية عميقة للصراع الإنساني، حيث يمزج بين المشاعر المعقدة والأحداث الدرامية بطريقة تجذب المشاهد. بينما ساهم كل من محمد رجاء في ان يعتبر ركيزة أساسية في بناء الحبكة ويساهم برؤيته في تشكيل الشخصيات وتطور الأحداث .. كذلك استطاع إسلام حافظ ان يثري السيناريو بالتفاصيل الدقيقة، مما يضيف عمقًا إضافيًا للنص .. علاوة علي ان حاتم حافظ قد أضفي لمسة فنية في الحوار، مما يسهل على المشاهدين الارتباط بالشخصيات. وكذلك ايضا كان أحمد عصام الشماع يساهم في خلق لحظات مؤثرة تحمل رسائل عميقة حول العدالة والانتقام.

أما المخرج الشاب محمد علي ومعه معاون فني عمرو موسى وفريق مميز من المساعدين، قد أمسكوا جميعًا بخيوط العمل بشكل رائع .. فقد يبرعوا في توجيه الأداء وتمرير الرسائل العميقة من خلال الصورة، مما يجعل العمل متقنًا بصريًا وفنيًا. بينما تألق إياد نصار في تقديم دور معقد يجسد الصراع الداخلي لشخصيته في الحفاظ علي المبدأ والقيم .. اما فتحي عبد الوهاب فقد جسد قمة التوتر والظلم رغم الذكاء والتروي احيانًا بشكل مؤثر، وريهام عبد الغفور تعكس مشاعر الصراع في عدم الوقوع في الخيانة والألم من الظلم بطريقة مؤثرة.

أما بسمة تضيف قيمة كبيرة للعمل، حيث تقدم أداءً يجسد التحديات التي تواجه الشخصيات النسائية في تحمل القهر رغم الوعي والإدراك .. ويعود للتألق من جديد أحمد عزمي بأداء مميز، بينما يترك محمد علي رزق انطباعًا قويًا بأدائه المميز في اصعب المواقف.

من خلال 15 حلقة، تحتوي على الأقل على 10 حلقات منها أزمات متتالية ومشاكل متوالية بمنطقية شديدة. وفي الحلقات الخمس الأخيرة، بدأت الانفراجات المتأزمة للغاية حتى النهاية، أو فاجعة الخاتمة غير السارة. رغم كل الصعوبات، فقد تم التخلص من جميع الأخطاء والمخطئين، إلا أن روحًا مظلومة واجهت كل التحديات الصعبة قد برأتها النار باستخدام العرف التقليدي لما يعرف بالبشعة في بداية المسلسل، ولكني جني عليها الظلم برصاصة أطلقها عليها المخرج قبل أحد أبطال العمل في خاتمة مأساوية.

وان عوضنا المخرج في الختام بالتخلص من كل الأشرار وكذلك عقدة الذنب المفجعة بالإبقاء على بعض المظلومين من المصاطب وأهلها دون حرق النهاية على المشاهد، مع استمرارية الأمل في تحقيق العدالة ولو نسبيًا او جزئيًا بالامل في المستقبل في الحبيب والابنة معًا في حقول الخضرة والنماء والخير.

يعتبر المسلسل بمثابة الحصان الأسود في مفرمة سباق السيرك الرمضاني للمسلسلات الجيدة، وغير المكلفة نسبيًا، أو المتكلفة إعدادًا وأداءً وإنتاجًا، ولكنه مبهِر ومتقن كتابةً وإخراجًا والتصوير لمناطق خلابة في مصر وأنحائها المختلفة .. لذا يعد مسلسل ظلم المصطبة أحد أميز الأعمال الدرامية موسم رمضان 2025.