جولة داخل أقدم منزل في فرنسا.. صامد منذ عام 1300

لطالما راود الكثير منا فضول حول طبيعة الحياة التي عاشها أسلافنا: كيف كانت بيوتهم، وما هو روتينهم اليومي، وما هي الأطعمة التي كانوا يتناولونها. بينما يقدم لنا التاريخ إجابات وافرة على مثل هذه التساؤلات، فإن بعض الشواهد المادية توفر لنا لمحة حقيقية عنها.

في الوقت الذي اندثرت فيه معظم البنى التحتية القديمة تحت وطأة عوامل الزمن والطبيعة، صمد منزل بشكل استثنائي منذ عام 1300، متجاهلا تحديات العصور. يقع هذا الصرح التاريخي في مدينة سيفيراك لو شاتو، التي تعود إلى العصور الوسطى، في مقاطعة أفيرون الفرنسية.

يلفت هذا المنزل الأنظار على الفور بتصميمه المعماري الغريب، الذي يتميز بطابق سفلي ضيق يعلوه طوابق علوية أوسع بشكل ملحوظ. يدعو هذا التصميم المارة إلى تخيل الحياة التي كانت تدب في غرفه. إنه ليس فقط تحفة من التصميم القروسطي، بل أيضا رمز للطرق المبتكرة التي تكيف بها الناس مع تحديات الحياة اليومية في الماضي.

عمر هذا المنزل وأسراره المعمارية

على الرغم من صعوبة تحديد الأصول الدقيقة للعديد من المباني القديمة، إلا أن هذا المنزل يعود بنائه إلى القرن الرابع عشر، مما يجعله على الأرجح أقدم منزل في فرنسا. جدرانه المصنوعة من 'التراب المخلوط' وسقفه الذي كان مغطى في السابق ببلاط الأردواز، يحكيان قصة عن الحكمة العملية وبراعة الموارد التي تميزت بها تلك الحقبة.

ومن المثير للاهتمام أن اسم المنزل لا يعود إلى أي شخصية نبيلة أو تاريخية من العصور الوسطى، بل إلى آخر مقيمة معروفة له، وهي فنانة تدعى جين، التي ارتبط اسمها بالمنزل في الأزمنة الحديثة، بينما يظل المالكون الأصليون مجهولين.

ما الذي يميز هذا المنزل؟

إحدى أبرز السمات الجذابة في منزل جين هي هيكله المقلوب، حيث يتكون من طابق أرضي صغير تعلوه طوابق علوية أكبر حجما بشكل ملحوظ. لم يكن هذا التصميم مجرد خيار جمالي، بل كان استجابة ذكية لقوانين الضرائب في العصور الوسطى.

في منطقة أفيرون، كانت الضرائب على المنازل تحسب بناء على مساحة الأرض التي يشغلها الطابق الأول، وفقا للملاحظات التاريخية. لذلك، كانت العائلات تقلل من مساحة الطابق الأرضي لخفض عبئها الضريبي، وتوسيع مساحات معيشتها في الطوابق العلوية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجدران المصنوعة من مادة 'التراب المخلوط' كانت عازلة للحرارة ومقاومة للحريق، على الرغم من أنها تتطلب عمالة مكثفة للبناء بها. كما يحتوي المنزل على قبو مقبب مزود بأحواض تغذية، مما يشير إلى أن السكان الأصليين كانوا يشاركون المبنى مع الماشية، وهو أمر شائع في تلك الفترة.

الحفاظ على إرث الماضي

لضمان صمود هذا الكنز التاريخي، أُجريت أعمال تجديد في عام 2019. خلال هذه العملية، تم فك كل بلاطة من بلاط السقف الأردوازي الأصلي، وقياسها، وإعادتها بعناية فائقة. واستخدم الجص الجيري الأصيل في الداخل للحفاظ على أصالة مواد وطرق البناء الأصلية.

اليوم، يرحب منزل جين بالزوار الذين يرغبون في استكشاف هذا الصرح التاريخي. تتوفر جولات إرشادية لاستكشاف تفاصيله، وخلال شهري يوليو وأغسطس، يفتح المنزل أبوابه للجمهور للمشاركة في فعاليات خاصة ذات طابع من العصور الوسطى، مما يوفر تجربة فريدة للغوص في أعماق التاريخ.