اخبار جيبوتي
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
يرى البعض في كلام الرئيس الأميركي وثبة كبيرة نحو تحقيق استقلال الإقليم عن مقديشو
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن حكومته تدرس مقترحات مقدمة من إقليم صوماليلاند، غير المعترف به دولياً، باستقبال نازحين من قطاع غزة.
ورد ترمب على سؤال صحافي في البيت الأبيض أثناء توقيع اتفاق سلام بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا حول ورود تقارير عن إبداء حكومة صوماليلاند اهتمامها باستقبال نازحين من غزة مقابل اعتراف الولايات المتحدة باستقلالها، وقال 'ننظر في هذا الأمر الآن. إنه أمر معقد. سندرس الأمر'، مما اعتبر أول اعتراف أميركي رسمي بوجود خطة بديلة لتهجير الغزيين بعيداً من مصر والأردن، إذ رفضت حكومتاهما خطة ترمب المتعلقة بالتهجير.
وتأتي ردود ترمب بعد نحو أسبوعين من تصريحات رئيس صوماليلاند عبدالرحمن محمد عبدالله 'عرو' الذي عرض أيضاً منح قاعدة عسكرية دائمة في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية للولايات المتحدة وحق الوصول إلى موارد معدنية قيمة، بما في ذلك الليثيوم، كجزء من مسعى أوسع نطاقاً إلى الحصول على اعتراف دولي باستقلال الإقليم.
وقال 'عرو' في مقابلة أجراها مع 'بلومبيرغ' إن حكومته أقامت علاقات جيدة مع وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين وعرضت استضافة قاعدة عسكرية أميركية في مدينة بربرة. وأضاف 'مستعدون أيضاً لعرض صفقة موارد معدنية على الولايات المتحدة، لا سيما تلك المهمة مثل الليثيوم'، مشيراً إلى أن 'ذلك لا يتعلق بالسعي إلى الحصول على الاعتراف الدولي فحسب، بل أيضاً للعمل مع المجتمع الدولي في مجالات الأمن والتجارة ومكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب'. وكشف عن أنه يعتزم إجراء زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة لمناقشة مسائل التعاون الأوسع بين الجانبين، موضحاً أن حكومته لم تشترط رسمياً اعتراف الولايات المتحدة بـ'أرض الصومال' (صوماليلاند) لإبرام مثل هذه الصفقات المتعلقة بالتعاون في مجالي العسكر والتعدين.
من جهته يرى المتخصص في الشؤون الصومالية عيدي محمد أن 'إجابة ترمب عن السؤال ذكية، فعلى رغم تأكيده أنه يدرس الأمر فإنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه أمر معقد، وفي اعتقادي أن التعقيد يتمثل في أن هذا الإقليم هو جزء من سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وأن الاعتراف باستقلالها يمثل خرقاً للقانون الدولي وللمعاهدات الدبلوماسية ذات الصلة'. ويضيف المحلل الصومالي أن 'الولايات المتحدة التي تستضيف مقر الأمم المتحدة في نيويورك ملزمة احترام الميثاق الأممي، ولا يمكنها الاعتراف باستقلال الإقليم من دون الحصول على موافقة الدولة الصومالية، إذ يعد ذلك تجاوزاً خطراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وسابقة تنذر بتفكيك عديد من الدول الأفريقية التي تشهد مطالب انفصالية. كما أن عديداً من الدراسات والتقارير تشير إلى أن تجارب الانفصال في القارة الأفريقية لم تسهم في تحقيق الاستقرار'، مشيراً إلى تجربة جنوب السودان، إذ تشير الدراسات والتقارير الدولية إلى تحوله لدولة فاشلة، إلى جانب إسهامه في تفاقم أزمات السودان وتعاظم المطالب الانفصالية في الأقاليم الأخرى كدارفور في غرب السودان.
اعتبر عيدي أن 'واشنطن قد تدرس العرض الذي تقدم به رئيس حكومة الإقليم حول القاعدة العسكرية والاستثمار في التعدين، بما في ذلك الليثيوم'، مشيراً إلى أن 'الصومال عموماً لا ينتج مادة الليثيوم حالياً، لكن ثمة توقعات بوجوده، وسبق ومنحت حكومة الإقليم تصريحاً لشركة سعودية تدعى (كيلوماس) لاستكشاف أراضٍ قد تحوي الليثيوم في يونيو (حزيران) 2024'. وأكد 'ضرورة التفريق بين العروض التجارية الاستثمارية الطابع كالتعدين، وكذلك العسكرية، كإقامة قواعد عسكرية، وبين الاعتراف باستقلال الاقليم، فحتى رئيس الإقليم أكد خلال حواره الأخير مع (بلومبيرغ) أن حكومته لا تضع التعاون مع الولايات المتحدة كشرط للاعتراف، مما يفهم على أنه محاولة لتهيئة الأرضية من خلال الوجود الأميركي وتقديم نفسها كراعٍ للمصالح الأميركية، أملاً في الوصول إلى هدف الاعتراف، وعلى رغم ذلك فإن من المستبعد أن تقدم واشنطن على خطوة الاعتراف بإقليم انفصالي'.
وفي رده على سؤال حول خطة تهجير الفلسطينيين إلى صوماليلاند اعتبر عيدي أنها 'خطوة مستبعدة لأسباب محلية واقليمية، مضيفاً أن 'الصوماليين عموماً لن يقبلوا ببيع أراضيهم، تحت أي مبرر'، منوهاً بأن 'بيانات رسمية صدرت عن حكومة صوماليلاند تنفي موافقتها على خطة التهجير، أما الأسباب الإقليمية فتتعلق بموقف الدول العربية فضلاً عن موقف الفلسطينيين أنفسهم'. ورجح أن تكون 'التقارير الأخيرة حول ذلك، مجرد حملة للعلاقات العامة تهدف أساساً إلى الإيحاء بوجود بدائل عدة لتطبيق خطة ترمب بعيداً من مصر والأردن. وهي في الوقت ذاته محاولة للضغط على الحكومة الفيدرالية في مقديشو.
وفي ما يخص عرض حكومة هرجيسا (عاصمة إقليم أرض الصومال)، إقامة قاعدة عسكرية أميركية في بربرة، ذكر الباحث الصومالي أن 'الولايات المتحدة تملك قاعدة في جيبوتي المجاورة، وتعد أكبر قاعدة أميركية في أفريقيا والوحيدة الدائمة فيها، ومركزاً أساساً لطائرات الشحن الجوي التابعة للجيش الأميركي'، مشيراً إلى أن 'الرئيس السابق باراك أوباما أبرم عام 2014 اتفاقاً مع حكومة جيبوتي يضمن لواشنطن البقاء لـ30 عاماً مقبلة، إضافة إلى الحق في استخدام الجيش الأميركي للموانئ والمطارات المدنية في جيبوتي، وذلك مع وجود 4 آلاف جندي أميركي في القاعدة، ووجود طائرات استطلاعية وقوات لدول أخرى تعمل ضمن القوة المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي، بالتالي فإن عرض صوماليلاند لا يمثل صفقة مهمة لواشنطن، في ظل وجودها في منطقة تعد أهم استراتيجياً من بربرة، لا سيما أن القاعدة تقع على بعد 8 أميال فقط من مضيق باب المندب، ومن ثم ليست في حاجة إلى استئجار قواعد جديدة في المحيط، بخاصة في ظل إدارة ترمب التي تتبع سياسات تقشفية في ما يخص النشاطات الخارجية، بالتالي فهو عرض غير مُجدٍ'.
من جهته يرى الباحث السياسي محمود عيسى من صوماليلاند أن 'اعتراف ترمب بوجود مقترحات تتم دراستها حول صوماليلاند يعد خطوة مهمة نحو تحقيق هدف الاعتراف الرسمي باستقلال الإقليم عن الصومال'. ويضيف أن 'صوماليلاند بحكم الواقع دولة مستقلة منذ أكثر من ثلاثة عقود وتمارس سيادتها الكاملة على ترابها الوطني وأجوائها وفي رسم سياساتها وتعاطيها في الشأن الدولي مع دول عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الدول المجاورة والشقيقة، بالتالي فإن ما نسعى إليه ليس أكثر من تقنين هذا الاعتراف الضمني والواقعي، ومن ثم الحصول على عضوية المنظمات الدولية'.
ويشير عيسى إلى أن 'الولايات المتحدة تجري محادثات وتعقد اتفاقات مع هرجيسا وتتبادل معها معلومات استخباراتية، مما يؤكد قناعاتها باستقلالية صوماليلاند عن الصومال القديم، بل أشاد نواب أميركيون بالاستقرار المحقق وبالتجربة الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة كنموذج غير مسبوق في شرق القارة الأفريقية، وبناءً عليه فإن الوصول إلى محطة الاعتراف الرسمي والعلني للولايات المتحدة أضحت الآن أقرب من أي وقت مضى'. ويضيف أن 'اعتراف واشنطن سيعني بالتبعية اعتراف عدد كبير من دول العالم'.
نفى عيسى أن يكون استقلال صوماليلاند مناقضاً للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، مؤكداً أن 'صوماليلاند سبق وأعلنت استقلالها عام 1960 واعترفت بها أكثر من 34 دولة عضواً في الأمم المتحدة قبل أن تقرر الاتحاد مع مقديشو وتأسيس دولة صومالية واحدة'. ولفت إلى أن 'قضية صوماليلاند بالأساس تعد من قضايا تصفية الاستعمار، وفقاً للإعلان التاريخي الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960، والذي ينص على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها، وضرورة الإنهاء السريع وغير المشروع للاستعمار، إذ استقلت حينها صوماليلاند عن الاستعمار البريطاني، فيما استقل الصومال الجنوبي عن الاستعمار الإيطالي'.
وفي ما يخص عرض الرئيس 'عرو' إقامة قواعد عسكرية أميركية في صوماليلاند قال عيسى إن 'هذه المقترحات تأتي في إطار تعزيز العلاقات القائمة والوصول بها إلى مرحلة الاعتراف الكامل والرسمي، وذلك لا يمثل أي انتهاك للسيادة أو تهديد لأي جهة، بل تعزيز لحال الاستقرار الإقليمي والدولي، لا سيما أن القوات الأميركية موجودة في جيبوتي وفي الخليج العربي، بالتالي حضورها سابق لمقترحات هرجيسا'.
رجح عيسى أن يجري رئيس صوماليلاند أول زيارة رسمية للولايات المتحدة في الشتاء المقبل، وهي خطوة ستمثل 'وثبة كبرى في تاريخ الإقليم'، لكنه نفى أن تكون 'حكومة هرجيسا قد قبلت بتهجير الفلسطينيين من غزة نحو أراضي صوماليلاند'، مشيراً إلى بيانات رسمية نفت ذلك منذ أكثر من عام، إضافة إلى أن 'صوماليلاند لن تكون أبداً الموقع المفضل للولايات المتحدة وإسرائيل لوضعها كخيار للتهجير، لا سيما أن الإقليم يطل على خليج عدن قرب مضيق باب المندب الذي يعد أهم الممرات المائية للطرفين، فهل من الحكمة وضع الفلسطينيين في هذا الموقع الاستراتيجي، في ظل الجهود التي يبذلها الطرفان للسيطرة على عمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن؟'.
ويختم عيسى بالقول إن 'الظروف الموضوعية والذاتية تؤكد أن صوماليلاند ليست الموقع المفضل لتهجير الفلسطينيين قياساً المصالح الأميركية والإسرائيلية، فضلاً عن الرفض المؤكد من قبل شعب صوماليلاند وقواه السياسية'.