متحف "بنشعي" في لبنان يجمع مخلوقات من القارات الخمس

تعلّم.. اكتشف..اختبر: بهذه العبارات يدعو 'متحف الحيوانات المُحَنّطة'(Wildlife Taxidermy Museum) لزيارته، للتعرف إلى كل أصناف الحيوانات البريّة، والبحريّة، والجويّة من كل قارات العالم. 

يقع متحف الحيوانات المحنطة في بلدة بنشعي بقضاء زغرتا شمالي لبنان، على بعد 86 كيلومتر عن العاصمة بيروت، ويجاور بحيرة بنشعي البيئيّة الشهيرة بمناظرها الخلّابة، فيستكمل المتحف والبحيرة سحر الموقع لما يشكّلان فيه من منطقة تتجمّع فيها العناصر البيئيّة، والسياحيّة، والطبيعيّة، والجماليّة، والترفيهية، والعلميّة، والثقافيّة.

يحتوي المتحف ما يزيد على 3000 عنصر طبيعي، وعلى الرغم من اتساعه، وحجم محتوياته الكبير، واستغراق الوقت الطويل لسبر أقسامه كلها، فهو يقدّم صورة لما تحتويه الطبيعة من تنوّع كبير .

تبدأ الجولة في عالم القارات الخمس، وبرّها وبحرها وفضائها، بمعروضات لأصداف البحر، ونجومه، ومرجانه، وحشراته، وحيواناته، مؤشّرة إلى مدى اتساع البحر، ورحابة آفاقه، فكثير من المعروضات لا يمكن أن يشاهدها المرء في متناوله اليومي، أو في المحيط الذي يعيش فيه.

عالم الفراش، وجمال ألوانه، وتنوّع أجنحته، وأحجامه، يفاجىء الزائر الذي يعرف من الفراش قليلاً فقط، لكنّه هنا، أمام 'فيترينات' تضم مئات الأصناف من الفراش.

وما زلنا في الطبقة الأرضية، حيث نجد واجهة عرض للزواحف والحشرات، والضفادع، والسلاحف، منها كثير، وكثير ما زال في موائله.

وبين الواجهات ما هو مخصّص للطيور من مختلفة الأصناف، والأحجام، والألوان، والهويات، منها الببغاوات، والبوم، والكواسر، والدواجن، والرواكض، والغربان، ومن كل منها أصناف متنوعة، وأحجام مختلفة.

في الطبقة العليا، عالم الحيوانات، خصوصاً الكاسر منها، يقدّم تنوّعاً كبيراً تتعذّر مشاهدته في الحياة العامة، لكن الزائر أمام مخلوقات يسمع بها، ولا يراها، فينعقد لسانه دهشة، وفي الوقت عينه، رَهْبَتُه أمام ملوك الغابات التي لا تُزاحَم في سلطانها، ومنها السباع، والنمور، والفهود، والنمر السيبيري، والأسد الأبيض، والدب القطبي وهي ثدييّات بعضها معرّض للانقراض، إضافة إلى الذئاب، والنموس، والثعالب، والغزلان، والخنازير، والفيزون بأنواعه الكثيرة، والحمير الوحشية، ويلفت حضور بعض الجواميس بأحجام لا تَرِد إلى المُخيّلة.

كلّ واجهات العرض مُنارة بما يعطي المحتويات أبعادها التفصيلية، وقد يبقى محبي الاكتشاف والمعرفة أكثر من يوم كامل وهم يتعرفون إلى المتحف.

مرّ إنشاء المتحف بأكثر من مرحلة، وبات عمره يناهز تسع سنوات، بحسب مؤسسّه شربل مارون، ويقول في حديث إلى 'الميادين نت': 'فكرة المتحف انطلقت لدي بفضل حبي المطلق للحيوانات، وفي الوقت عينه رفضي لتصيّدها'، وأضاف: أراد 'تأسيس متحفٍ، لأعرض على الناس جمال الحيوان، والطبيعة، وأهميتهما، وللتوعية على ضرورة عدم تصيّد الحيوانات، فليس من مبررّ لقتل الحيوان، فالحيوانات في الطبيعة مهمة جداً'.

من الحيوانات المهمّة المعرّضة للاعتداء دائماً، يتوقف مارون عند الضبع والأفعى، ويقول: 'نحن لا نتورع عن قتلها، فالضبع مفيدة للطبيعة إذ تنظّف كل شيء إلا الحديد والبلاستيك، والأفعى تقضي على كثير من الحيوانات، والزواحف، والحشرات الضارّة كالجرذان، والفئران، وحشرات متنوعة مؤذية'.

وبسبب حبه، وحرصه على الحيوانات، فهو يؤثر أن 'يضم المتحف حيوانات غير مصطادة، إنما نافقة في مواضعها في الطبيعة، او في الحدائق، وبذلك لا أشجع على صيدها، وفي نفس الوقت أراعي شكل الحيوان الذي أريده حيث لم يلحق به أذى الصيد'، كما يقول.

هناك أكثر من طريقة للحفاظ على الحيوان، ويفيد مارون إنه 'عندنا العديد من الحيوانات المحنطة، وهي تتم عن طريق صنع قوالب خاصة بكل حيوان، مضيفاً: 'نحن نطلب الشكل الذي نريده للحيوان عادة، ونختار وضعيته وفق الحاجة، لكن حالياً أوقفنا الطلبيات على حيوانات جديدة بسبب التكاليف الباهظة التي يحتاجها التحنيط'.

ويتناول مارون أسلوب حصوله على الحيوانات، وذلك بعد أن بات متحفه معروفاً، فبات من لديه حيوان نافق يتصل به، فيتم إحضاره، ويقول: 'نضطر خلال عملية النقل إلى أن نضعه في براد بحرارة سبعين تحت الصفر لنقله سليماً، وإرساله إلى مراكز التّحنيط التي نتعامل معها، وجلّها في الخارج حيث عمليّات التّحنيط متطوّرة جدّاً مقارنة مع المراكز اللبنانية'.

يؤكد مارون ل'الميادين نت' أن الفكرة الثانية من المتحف هي 'تنمية بلدنا، ومنطقتنا، ولذلك اخترنا موقعاً جميلاً له على ضفاف بحيرة جميلة تحفّ بها المناظر الخلّابة، وبات عندنا متحف على صعيد الوطن العربي يضم نحو 3 آلاف صنف من الحيوانات، وأعتقد أن هذا الرقم كبير في عالم المتاحف'.

وقال إنه يقوم بزيارات لغابات العالم، للاطّلاع على مكوّناتها الحيوانيّة، وللبحار لمعرفة ما يتوافر فيها من أصناف، ولمراكز الطيور، والحشرات، والفراش، والزواحف، والسلاحف، وسواها من الحيوانات والكائنات.

والمرء عندما يجول في المعرض فكأنه يجول في مختلف غابات العالم، وبيئاته الطبيعية المختلفة، فالمتحف فيه عناصر طبيعية من كل أنحاء العالم، ومن كل القارات.

عن مراحل تأسيس المتحف، روى مارون أنه 'بدأنا المتحف ببناء طبقة واحدة مساحتها خمسمئة متر مربع، والآن لدينا طبقتان تناهز مساحتهما ألفاً و200 متر مربع، وقد وسّعنا البناء بالتدريج وجهزناه وما زلنا، لكن ياللأسف، توّقفنا قليلاً بسبب ظروف الأزمة الاقتصادية، حيث صار من الصعب الحصول على المال النقدي، ما منعنا من التوسع أكثر، لكن هذا ما نتوق إليه'.

ويصرّ مارون على أننا 'مستمرون على الرغم من انعدام المساعدة، خصوصاً الرسمية'، وذكر أن 'محاولات وضع المتحف على خريطة السياحة اللبنانية لم تتوقف، وملف المتحف موجود في وزارتي الثقافة والسياحة، وعلى الرغم من توافر كل العناصر الضرورية لتصنيفه، لكننا لم نأخذ الموافقة عليها بعد'.

ويلفت مارون إلى نقطة مهمة وهي أنه يمكن 'إدخال المتحف في المناهج المدرسيّة نظراً إلى اتّساع تنوّعه، ويمكن للطلاب زيارته للتعرّف عياناً وعن كثب إلى الحيوانات التي يدرسون عنها في مناهجهم'.

'المتحف بما يحمله من أبعاد سياحيّة، وعلميّة، وتربويّة يشكّل دعماً معنوياً ومادياً للبنان، وللمبادرات الخلاقة فيه، و'نؤكد أن هدفنا هو تطوير المتحف للمتحف'، يختم مارون.