تفجير مزدوج في القدس في سياق انتفاضة جديدة مكتملة

مهما كانت هُوية من يقف وراء عملية القدس، فإننا نجد أنَّ أحداث الأسبوع الأخير جاءت لتُبدِّد اللغط الذي دار في الآونة الأخيرة حول وضع المقاومة في الضفة.

ما زالت حالة المقاومة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية المحتلة في تطوّر مستمر، وذلك في تعبير واضح عن المرحلة الجديدة التي تخوضها ساحة الضفة على صعيد العمل المقاوم منذ أعوام، بما انعكس تصعيداً في الفعل المقاوم ضمن ساحتَي القدس وأراضي فلسطين 1948، لكونهما ساحتين مرتبطتين بصورة وثيقة بما يجري في ساحة الضفة.

وبعدما سرى في الشارع الفلسطيني خلال الأسبوعين الماضيين شيء من اللغط عن مستقبل مجموعة 'عرين الأسود'، نتيجة بعض المستجدّات الميدانية التي أثارت مخاوف لدى البيئة الحاضنة للمقاومة، جاءت أحداث الأيام القليلة الماضية لتشير إلى أنّ حالة المقاومة ما زالت مستمرةً، بل إنها في تصاعد مطّرد.

وجاء الكمين الذي أعدته مجموعة 'عرين الأسود'، فجر يوم السبت 19 تشرين الثاني/نوفمبر، في هذا السياق، بعدما استدرجت من خلاله قوات الاحتلال إلى مدينة نابلس، لتباغتها بالرصاص والعبوات الناسفة، كما ورد في بيان المجموعة الذي جاء فيه: 'قامت مجموعة عرين الأسود فجر يوم السبت باستدراج قوة إسرائيلية خاصة إلى داخل البلدة القديمة، ظناً منها أنها ستصطاد صيداً ثميناً من قادة العرين غير المعروفين لعامة الناس، ولكن حدث ما خطّط له جند العرين. وبعد دخول القوة الخاصة، استدعت عشرات الآليات عندما شعرت بأنها وقعت بكمين وبوغتت بإطلاق نار كثيف وتفجير عبوات ناسفة من 3 محاور'.

وقد تبع ذلك، فجر الأربعاء 23 تشرين الثاني/نوفمبر، تصدي مجموعة 'عرين الأسود'، إلى جانب 'كتيبة بلاطة'، لقطعان المستوطنين الذين كانوا يحاولون اقتحام قبر يوسف في نابلس بحماية 'جيش' الاحتلال، كما قالت المجموعة في بيانها: 'جُندُ العرين الآن يخوضون معركة العز والكرامة؛ معركة وصايا الشهداء، معركة العزيزي والنابلسي والوديع. جند العرين الآن نزلوا إلى ساحتهم صفاً صفاً إلى جانب كتيبة بلاطة المظفرة. انقضوا عليهم من كل مكان، من الضاحية، من عراق التايه، من بلاطة، من كل بقعة محيطة بقبر يوسف والمنطقة الشرقية'، ما أكّد استمرار حالة المقاومة في الضفة.

لكنَّ التطور النوعي في مسار تقدم حالة المقاومة في ساحة الضفة برز في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء ذاته، إذ استيقظ العدو على عملية تفجير مزدوج في قلب مدينة القدس المحتلة أسقط عشرات المستوطنين بين قتيل وجريح.

لا يعدّ هذا الأمر تطوراً لأن العملية وقعت في ساحة القدس فحسب، بل لأن العملية أيضاً نفِّذت بعبوات ناسفة يتم تفجيرها من بُعد أو باستخدام ساعة توقيت، ولهذا دلالات عدة، أهمها أن المقاومة في الضفة باتت لديها القدرات الفنية والعملية على تصنيع عبوات ناسفة كهذه.

وقد اعترفت صحيفة 'إسرائيل اليوم' العبرية بذلك، وقالت: 'هذا يدل على وجود معمل للمتفجرات في الضفة الغربية يُنتِج عبوات ناسفة ذات فعالية قوية ومؤكدة. هذه قنبلة موقوتة بالمعنى الحرفي للكلمة. يمكن إدخال أي عبوة من هذا القبيل إلى إسرائيل في أي لحظة واستخدامها في هجوم آخر. علاوةً على ذلك، مثل هذا المختبر أو المعمل قادر على إنتاج أحزمة ناسفة، ليستخدمها الاستشهاديون الذين سيفجّرون أنفسهم، كما حدث في الانتفاضة الثانية، وهذه الهجمات لديها قدرة قتل هائلة. وبالطبع، تأثيرها النفسي أكبر بكثير'.

وقد تضاربت تقديرات العدو الأمنية حول مسؤولية منفّذ هجوم القدس، فجاء في موقع القناة السابعة العبرية أن بعض التقديرات الأمنية تشير إلى أنَّ خليةً مقدسيةً تُموِّلها حركة 'حماس' من تركيا مسؤولة عن الهجوم المزدوج في القدس، فيما أفادت صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، وفقاً لتقديرات أمنية أولية، أنَّ من نفذوا التفجيرات في القدس عملوا من دون توجيه خارجي أو تعليمات من 'جماعات مسلحة'.

مهما كانت هُوية من يقف وراء عملية القدس، فإننا نجد أنَّ أحداث الأسبوع الأخير جاءت لتُبدِّد اللغط الذي دار في الآونة الأخيرة حول وضع المقاومة في الضفة، ولتُعزِّز الرؤية القائلة إن حالة المقاومة التي تعيشها الضفة تعود إلى تضافر مجموعة ظروف فلسطينية داخلية ترتبط بفشل خديعة 'أوسلو'، وتبدل المزاج العام في الشارع الفلسطيني، وظروف أخرى إقليمية ترتبط بتعاظم قدرة قوى المقاومة عموماً في منطقتنا، وإنَّ حالة المقاومة المستجدة في الضفة لا تنحصر بمجموعة أو فصيل بعينه، إنما هي حالة شاملة يلزم لإنهائها تغيير الظروف الموضوعية التي أدت إليها، وهذا أمر دونه صعاب جمة أمام المحتل. وقد زادت في تعقيد تلك الصعوبات التطورات الدولية بسبب الحرب في أوكرانيا.

ويضاف إلى ذلك أنَّ عملية التفجير المزدوج في القدس تشير إلى أن حالة المقاومة في ساحة الضفة ماضية في التعاظم. مثلاً، كتب عاموس هرئيل في صحيفة 'هآرتس' العبرية: 'ما كان يغلي على نار خفيفة إلى متوسطة لمدة 8 أشهر، قد ينزلق إلى صراع أوسع في ضوء مزيج جديد من الظروف: إضعاف سيطرة السلطة الفلسطينية، وازدهار الخلايا المسلحة المحلية في الميدان، وحكومة يمينية متميزة سيتم تشكيلها قريباً في إسرائيل'.

وأضاف: 'لقد قُتل نحو 30 إسرائيلياً وأكثر من 140 فلسطينياً في عمليات الضفة الغربية ومناطق الخط الأخضر منذ بداية العام الحالي. وقد رأينا حتى الآن نشاطاً لمنفذي العمليات الفردية والمجموعات المحلية وعدد قليل من المنظمات ذات الطابع المؤسسي، مثل حماس والجهاد الإسلامي. ومن أجل اعتبار ذلك انتفاضةً، هناك حاجة إلى عنصر إضافي: مشاركة شعبية واسعة من الجانب الفلسطيني. إنَّ وضع القدس في الصورة، ولا سيما إذا كانت متورطةً في عمليات انتحارية، قد يرجّح كفتها في الميزان في المستقبل'.

وإذا ما استمرَّ مسار حالة المقاومة في الضفة بالتعاظم، كما يجري حالياً، فعلى الأرجح أن تتحول إلى انتفاضة جديدة مكتملة في القريب المنظور. وعنذئذٍ، ستصبح قادرةً على تحقيق مكتسبات ملموسة على أرض الواقع، وذلك على طريق تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة وإزالة الكيان المؤقت.