"كباتن الزعتري".. اللاجئون ليسوا أرقاماً

نجح المخرج علي العربي في دفع المشاهد إلى استخلاص فكرة جوهرية، مفادها أن اللاجئ ليس عدداً يضاف إلى السجلات، بل هو حكايات وشخصيات وأحلام مختلفة.

'من يقول احنا ما نقدر...لا نقدر'. بهذه الكلمات المغنّاة، اختتم فيلم 'كباتن الزعتري'، وظهر 'الجينيريك' وسط تصفيق الجمهور، الذي أطلق موجة أخرى حارة من التصفيق، وبقي في قاعة السينما، بعدما أطل المخرج المصري علي العربي مرافقاً بطلي فيلمه اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري محمود وفوزي، وهما ينشدان الكلمات نفسها.

هكذا كان الجو بعد عرض الفيلم ضمن فعاليات 'أيام قرطاج السينمائية' في 'قاعة الفن الرابع' وسط العاصمة تونس. وقد عبّر الطابور الطويل من المنتظرين عن أهمية الفيلم، وتوق المشاهدين إلى رؤيته بعد عرضه في مدينة الثقافة 'الشاذلي القليبي'.

تدور قصة الفيلم (75 دقيقة) حول شابين من مخيم الزعتري لللاجئين السوريين في الأردن، دفعهما الشغف بكرة القدم إلى الخروج من المخيم نحو الاحتراف مع فريق 'أحلام سوريا'، بعد اختيارهما من قبل فريق أكاديمي زار المخيم.

الفيلم الذي تم إنتاجه بدعم من 'المفوضية السامية لشؤون اللاجئين' صوّر خلال فترة طويلة امتدت نحو 8 سنوات، أي منذ أن كان الولدان يعيشان مرحلة المراهقة، وصولاً إلى مرحلة العشرينيات من عمرهما. ومثلت رحلتهما مع كرة القدم التسلية الوحيدة داخل المخيم، حتى تحولت إلى طوق نجاة مكّنهما من الحلم والأمل.

ويضاف فيلم 'كباتن الزعتري' إلى رصيد العربي الذي بدأ مشواره قبل ذلك منتجاً ومخرجاً للأفلام الوثائقية في قناة ZDF الألمانية، ثم خاض بعد ذلك تجربة إنتاج أفلام وثائقية قصيرة لمنصات دولية معروفة.

تذكّرنا قصة 'كباتن الزعتري' بالفيلم الوثائقي الإيطالي 'قفزة واحدة أخرى'، الذي تابع فيه المخرج حياة شابين فلسطينيين من سكان غزة مغرمين برياضة 'الباركور'، حتى تمكن أحدهما من الوصول إلى العالمية، فيما بقي الثاني حبيس المعاناة بسبب التزاماته العائلية.

واللافت للانتباه أيضاً أنّ الفيلم، رغم موضوعه الإنساني، لم يتضمن أي رسالة أو موقف سياسي من أي طرف، متجاوزاً ذلك إلى أفق أرحب، وهو اللاجئ الإنسان أينما كان وكيفما كان.

تختزل دموع البطلين أثناء تصوير الفيلم، ثم مغادرة المخيم، ثم الهزيمة والانتصار، مأساة اللاجئين والإنسان عندما يفقد الوطن وتهزه عديد المشاعر.

وأثناء مؤتمر صحافي، قال محمود داغر (23 عاماً) ملخِّصاً أحلام جميع اللاجئين في كل أصقاع العالم: 'أعطوا جميع اللاجئين فرصة؛ فرصة للتعليم، فرصة للرعاية الصحية، فرصة للرياضة. كل ما يحتاجه اللاجئ هو فرصة، وليس الشفقة'.

أما فوزي قطليش (24 عاماً)، وهو شاب من درعا، فقد انقطع عن الدراسة مبكراً بسبب الحرب في سوريا، قبل أن يضطر إلى الهرب من مدينة درعا نحو 'مخيم الزعتري'. أورثه والده حب كرة القدم، ثم أضحت الطريقة الوحيدة لمقاومة المعاناة اليومية بين أسوار المخيم بعيداً من الوطن الأم.

تتشارك عائلتا محمود وفوزي المعاناة، فمحمود ينتظر عودة الأب الذي لا يأتي، وله أخت صغرى يقوم بتدريسها على ضوء الشموع داخل المخيم.

نجح المخرج العربي في دفع المشاهد إلى استخلاص فكرة جوهرية، مفادها أن اللاجئ ليس عدداً يضاف إلى السجلات، بل هو حكايات وشخصيات وأحلام مختلفة.

ولم يطنب العربي في عرض مظاهر معاناة اللاجئين، التي لخّصها في الأسلاك الشائكة أو الوحل الذي يغطي أرض المخيم، وفي بكاء والد فوزي وهو يمسح سيارة بعد أن اضطر إلى الخروج للعمل بعيداً من المخيم، أو لحظة أخبرت أم فوزي ابنها بإصابة والده بالسرطان.

ومن الأدوات التي عبرت عن التنقل بين الحالات، الإضاءة والألوان، إذ أديا دوراً هاماً في إبراز التحول في الحالات النفسية للشخصيات وخلق الأمكنة، فكانت الألوان داكنة في المخيم ومشرقة بعد السفر.

وفيما حاز الفرح مساحة أكبر من خلال الحوار بين الشخصيات، كانت ضحكات الأطفال من المشاهد التي جسدت البهجة. أما اللطيف، فكان المشهد الذي يصف فيه محمود لصديقه فوزي مبتسماً متعةَ اللعب على العشب وانتعال حذاء رياضي، بدلاً من أن يلعبا حافيين على أرض جرداء. وكذلك عندما ذكر له أنّ خدمة الإنترنت خارج المخيم لا تنقطع مثلما هو الحال في المخيم. ومن بين المشاهد التي تحرك الأمل، كان مشهد الطائرة الورقية وحديث الشابين عن الحب، وخصوصاً حلم العودة إلى سوريا يوماً ما.

يمكن القول إن الغناء أدى خدمة مهمة في الفيلم، إذ يردد والد فوزي مقطعاً من أغنية 'سواح' لعبد الحليم حافظ، يترجم فيه الغربة والسفر وانعدام الاستقرار وطول مشوار المغترب.

وفي نهاية المطاف، لا يعلن المخرج أو البطلان سبب العودة إلى المخيم، لتُترك التأويلات الكثيرة للمشاهد.

ولعل أسباب ذلك كانت عدم تطور مستواهما الرياضي أو ربما كانا في صدد العودة إلى سوريا، أو لعله، وهو الأرجح، أن اتفاقية جنيف للاجئين لا تسمح للاجئ بمغادرة أرض اللجوء نهائياً إلا باتجاه موطنه الأصلي.

وأياً كانت الأسباب الحقيقية لذلك، فقد كان الأمل بغد أفضل لأجيال عاشت ويلات التشرد يشكل الانطباع الوحيد الذي سرى في قاعة السينما عند انتهاء العرض.

في هذا السياق ربما، تم اختيار أغنية 'من يقول ما نقدر' المستخدمة في جينيريك النهاية، للتعبير عن الأمل وقدرة الإنسان وعزيمته على تخطي العقبات، بغية تحقيق أهدافه.

يُذكر أنّ فيلم 'كباتن الزعتري' عرض لأول مرة ضمن المسابقة الدولية لمهرجان 'صندانس' السنوي في الولايات المتحدة. وعرض العمل سابقاً في مهرجان سياتل السينمائي الدولي في دورته الـ47، وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان سان فرانسيسكو في أميركا، ومهرجان موسكو، ومهرجان في كوبنهاغن. كما شارك في 'مهرجان الجونة السينمائي' في مصر، ومهرجان 'أيام قرطاج السينمائية'.

ومن المقرر أن يبدأ العرض التجاري الأول للفيلم في 19 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في ولايتي لوس أنجلوس ونيويورك في الولايات المتحدة.