اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
أقامت مؤتمراً للتوعية بأخطار تلك الظاهرة شارك جهاز الاستخبارات للمرة الأولى في تنظيمه
يعتبر انتشار الأخبار الكاذبة من أخطر الظواهر التي تهدد النسيج الاجتماعي والسياسي في المجتمعات، بسبب تأثيرها السلبي في مصداقية المعلومات، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات وإجراءات غير مدروسة تؤثر في كل من المستوى الفردي والوطني، وتعطل آلية اتخاذ القرار الصحيح.
في الجزائر، يشكل انتشار الأخبار المزيفة تحدياً كبيراً، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد بثاً غير مسبوق لهذه الأخبار. على رغم أن هذه الشبكات أسهمت بشكل فعّال في توثيق الأحداث وتوزيعها بشكل واسع، إلا أن طبيعة الأخبار غير الدقيقة وصعوبة التحقق من مصادرها تسببت في انتشار واسع للأخبار المزعجة والمضللة.
مؤتمر استخباراتي
وتواجه البلاد تحديات أمنية متشابكة، كثيراً ما تستدعي نقاشات واسعة على مستويات متعددة، كان آخرها التحديات التي فرضها تداول التضليل الإعلامي والأخبار الزائفة، ودفعت بالبلاد إلى احتضان مؤتمر أفريقي لمناقشة تداعيات الظاهرة على المستوى الداخلي انسحاباً إلى دول القارة السمراء.
اللافت في المؤتمر الذي انعقد في 20 أبريل (نيسان)، في العاصمة الجزائرية، هو مشاركة جهاز الاستخبارات الجزائري في تنظيمه، وكونه أول فعالية علنية مفتوحة للتغطية الإعلامية، حضرتها وفود من أجهزة استخباراتية أفريقية، أدلى فيه مدير الأمن الخارجي ومكافحة التجسس الجزائري العميد رشدي فتحي موساوي بتصريح رسمي.
ويعد ظهور مدير الاستخبارات سابقةً في المشهد السياسي والأمني بالجزائر، حيث كسر تقليداً استمر طيلة عقود من الزمن، حيث كان رئيس جهاز الاستخبارات يعمل دائماً في الظل.
ويشير تنظيم 'مديرية الوثائق والأمن الخارجي' بالجزائر مؤتمراً حول 'المعلومات المضللة والأخبار الزائفة وتداعياتها على أمن واستقرار الدول'، بحضور مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأفريقية، إلى حجم الضرر الذي تسببت فيه الظاهرة التي أصبحت تشكل هاجساً أمنياً حقيقياً للسلطات.
وتحدث العميد رشدي فتحي موساوي بإسهاب عن أخطار انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة وقال إن 'الجزائر في معركتها ضد المعلومات المضللة وبحكم انتمائها الأفريقي العميق ستظل في طليعة الجهود المدافعة عن استقرار القارة'. وأكد أن 'معركتنا ضد التضليل الإعلامي ليست مجرد قضية إعلامية بل هي معركة وجودية لحماية استقرار دولنا الأفريقية'، مبرزاً أنه من 'واجبنا جميعاً مواصلة العمل المشترك من أجل تأمين مستقبل قارتنا ضد هذه التهديدات الخطيرة'.
وأوضح أن 'هذه الحملات تُستخدم للتشكيك بالمؤسسات وزعزعة الثقة بين الشعوب وحكوماتها، مستغلةً التطور التكنولوجي ووسائل الإعلام الحديثة، وبخاصة الانتشار الواسع لمستخدمي الإنترنت من ذوي الوعي المحدود'.
وشدد موساوي على ضرورة تعزيز التعاون بين أجهزة الأمن والاستخبارات، وتبني آليات للتحقق من الأخبار بالتنسيق مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن منطقة شمال أفريقيا والقارة الأفريقية ككل ليست بمنأى عن هذه الحملات.
وأشار إلى أن الورشة تهدف إلى الخروج بآليات عملية تساعد الدول الأفريقية على مواجهة الظاهرة، ودفع الاتحاد الأفريقي نحو تبني استراتيجية موحدة في هذا المجال.
وأكد من هذا المنطلق أن 'تشكيل جبهة إعلامية وطنية وقارية موحدة هو أمر ضروري لمواجهة التحديات الراهنة والدفاع عن صورة أفريقيا في المحافل الدولية'.
معركة مشتركة
من جهته، أعلن وزير الاتصال الجزائري، محمد مزيان، الذي حضر المؤتمر، عن العمل على إعداد خطة للتصدي للأنباء الزائفة، في مواجهة ما وصفه بالأخبار 'المضللة' التي تستهدف الأمن القومي.
ودعا مزيان إلى 'رفع كفاءة القوانين الوطنية والدولية لمكافحة التضليل الإعلامي'، مشدداً على أن محاربة الأخبار الزائفة 'تُعد معركة مشتركة تستوجب تنسيقاً دائماً ومتواصلاً بين الدول الأفريقية'.
كما شدد على أنها 'حرب لا تقع على عاتق دولة واحدة، بل تُعد معركة مشتركة تتطلب تبادلاً فعالاً للمعلومات بين أجهزة الأمن المختصة والمؤسسات الإعلامية'.
وكان قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، قد حذر في فبراير (شباط) 2021 مما وصفها بـ'حروب الجيل الجديد التي تقوم على الدعاية والتضليل وتستهدف تفكيك الجزائر'، داعياً مجموع القوى الوطنية لدعم جهود صد ما وصفها بـ 'محاولات استهداف البلاد'.
وقال شنقريحة الذي كان يتحدث في مؤتمر نظمه الجيش حول 'حروب الجيل الجديد، التحديات وأساليب المواجهة'، إن هذه 'الحروب 'الهجينة، هي حروب لها أسلوبها الخاص، كونها تقوم على الدعاية والدعاية المضادة، من خلال تبني استراتيجية التأثير في الإدراك الجماعي بغرض التلاعب بالرأي العام لمواطني الدولة المستهدفة وتوجيه سلوكياتهم ونمط تفكيرهم، من دون أن تعلن عن نفسها، ومن دون أن يكون لها عنوان واضح أو تأثير مكشوف'.
ويعاقب القانون الجزائري على جريمة نشر الأخبار الكاذبة 'بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 100 ألف دينار (754 دولاراً) إلى 300 ألف دينار (2260 دولاراً)، كل من ينشر أو يروج عمداً، بأي وسيلة كانت، أخباراً أو أنباءً كاذبة أو مغرضة بين الجمهور يكون من شأنها المساس بالأمن العمومي أو النظام العام، بحسب نص المادة 196 مكرر من قانون العقوبات'.
صراع دولي
في السياق يرى الباحث السياسي الجزائري، عبد الحكيم بوغرارة، أن 'اهتمام الجزائر بتهديدات الأخبار المغلوطة والزائفة والملفقة من خلال احتضانها ملتقى دولياً شاركت فيه هيئات عدة بما فيها جهاز الاستخبارات يهدف إلى التوعية واليقظة من خلال دعوة العديد من الدول الأفريقية إلى أخذ الحيطة والحذر من التهديدات السيبرانية ومن تسويق الأخبار المغلوطة'. وأضاف أن 'العديد من الدول التي تتصارع على القارة الأفريقية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي أصبحت لديها ترسانات إعلامية في أفريقيا هدفها توجيه الرأي العام لزرع الفرقة بين الأفارقة'.
وأوضح أن 'هذه الحروب السيبرانية والإعلامية والنفسية انعكست سلباً على الرأي العام الأفريقي الذي أصبحت تبرَر له الاختراقات الأجنبية والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول. وحتى الانقلابات والمراحل الانتقالية أصبحت تبرَر بظل نظام دعائي إعلامي مغلوط وكاذب، يجند المرتزقة لتنفيذ أجنداته'.
وأشار المتحدث إلى وجود 'برامج تُطبخ في الغرب والشرق تُرسل مجاناً إلى الدول الأفريقية لكن تأثيراتها السلبية على الرأي العام وعلى نفسية الأفارقة كبيرة جداً، وهو ما أدى إلى انتشار الكراهية بين الأفارقة واستهدافهم لبعضهم البعض من خلال الصراعات العسكرية، تحت غطاء دعائي إعلامي نفسي خطير جداً'. وأضاف أن ذلك استوجب برمجة مثل هذه اللقاءات لوضع النقاط على الحروف والتوعية بخطورة هذه الظاهرة، لأن 'اهتمام الجزائر نابع من كثرة الدراسات التي أجريت في هذا الجانب، والتي وصلت إلى العديد من النتائج أهمها الحرب السيبرانية التي جُند لها الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، من خلال تجنيد عملاء جزائريين، يقودون حملات شعواء من الخارج ضد الجزائر بالإساءة إلى صورتها ومؤسساتها'.
حلول وآليات
من جهته، يؤكد الخبير الجزائري في التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، نسيم لوشاني، أن 'حجم تداول المعلومات المضللة والأخبار الزائفة في الجزائر في تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بخاصة مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع نسبة استخدام الإنترنت'.
وأوضح لوشاني أنه على رغم نقص الإحصاءات الدقيقة الخاصة بالظاهرة في الجزائر إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن أكثر من 40 في المئة من الأخبار المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي في شمال أفريقيا، قد تحتوي على شكل من أشكال التضليل وتفتقر إلى الدقة بحسب تقارير المنظمات الدولية مثل 'مراسلون بلا حدود' و'فريدوم هاوس'.
وذكر أن 'بعض الدراسات والإحصاءات الحديثة تظهر أن الجزائر تواجه تحديات كبيرة في مجال تداول المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، بخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أفاد نحو 93 في المئة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر بأنهم صادفوا معلومات خاطئة أو مضللة على الإنترنت، و31 في المئة منهم يواجهون هذا النوع من المحتوى يومياً وهي إحصاءات تم جمعها خلال جائحة كوفيد -19'. وأضاف أن دراسة تحليلية أظهرت أن المحتوى المتداول على منصة 'فيسبوك' في الجزائر تضمن معلومات خاطئة بنسبة 46.77 في المئة، و 36.22 في المئة من المستخدمين تعرضوا لمعلومات مضللة وأن نحو 22 في المئة من المعلومات تعتبر ضارة.
وأوضح المتحدث أن 'هذه الأرقام تم جمعها في 2023، حين بلغ عدد الاتصالات المحمولة في الجزائر 48.53 مليون اتصال وهو ما يعكس الانتشار الواسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي زيادة احتمالات تعرض المستخدمين للمعلومات المضللة والأخبار المغلوطة. ولو أسقطنا هذه النسب على العام الحالي 2025 فإن العدد كبير جداً يقارب الضعف'.
وبخصوص الأسباب الكامنة وراء انتشار الأخبار الزائفة في الجزائر، فيلخصها نسيم لوشاني في 'ضعف الثقافة الإعلامية لدى فئة واسعة من المستخدمين، وغياب مصادر إعلامية موثوقة تغطي كل القضايا بشكل حيادي ومهني، وانتشار الحسابات المجهولة والروبوتات التي تروج للمعلومات المضللة وهو مشكل يخص الشركات المسؤولة عن منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى صعوبة التحقق من الأخبار بلغات مختلفة على رغم التطور والذكاء الاصطناعي القادر على التمييز بين اللهجات المحلية لكن التحقق من المحتوى صعب جداً مقارنةً بحجم المعلومات المتداولة يومياً'.
أما بخصوص الأدوات والأساليب لمحاربة المعلومات المضللة والأخبار المغلوطة والحد منها في الجزائر، فرأى لوشاني أنها تتمثل في التوعية والتثقيف الإعلامي للمستخدمين، وإدراج مفاهيم التحقق من المعلومات في المناهج الدراسية لأهمية الجانب التكويني، وإطلاق حملات توعية عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل لاستهداف المستخدمين بشكل مباشر لأن الأمر يتعلق بحرب قائمة بذاتها'.
واقترح المتحدث تنظيم ورشات تدريبية متخصصة للصحافيين والمستخدمين لكشف المعلومات المضللة، مشيراً إلى أن 'مشكلة التداول الآلي للترندات والهاشتاغات خلق فجوة كبيرة، تمكن من خلالها أشخاص من النشر بسرعة وعلى نطاق واسع معلومات خاطئة ومضللة وهنا ينبغي تدريب الصحافيين على التحكم وتوجيه الترند والهاشتاغ عوض أن يبقوا ضحايا لها'.
كما أفاد بأن 'منصات التحقق مهمة جداً وتعتبر أساسية لدعم منصات جزائرية أو عربية وغيرها، شرط أن تكون محايدة، أو حتى التعاون مع منصات عالمية مثل مبادرة فيسبوك للتحقق من الأخبار، والاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي عبر تطوير خوارزميات قادرة على تحليل الأخبار والتمييز بين الخبر الموثوق والآخر المضلل بناءً على نقاط معينة في الأخبار المتداولة وسرعة انتشارها'، مشيراً إلى أن 'هذه الأدوات والوسائل تتطلب موارد مالية معتبَرة'.
وأشار إلى ضرورة تقوية وتحديث التشريعات والسياسات العامة والقوانين لمحاربة هذه الظاهرة مع الحفاظ على الحق في حرية التعبير، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لمراقبة المعلومات المتداولة عبر الإنترنت، وعقد شراكات بين المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية عبر مبادرات مجتمعية لدراسة الأخبار المزيفة والإبلاغ عنها، والتعاون مع الجامعات لتطوير أدوات رقمية للرقابة.
أجندات خفية
إلى ذلك، قال الإعلامي الجزائري المهتم بالشأن الأمني، رضوان عثماني، إن 'ظاهرة الأخبار المضللة أو الكاذبة أصبحت من أكثر الظواهر جدلية، وتزايدت حدتها في السنوات الأخيرة'. وأوضح عثماني أن 'تلك الظاهرة يتم خلالها توظيف أساليب قذرة في تسويق المعلومات المغلوطة التي تشكل خطراً على الأمن القومي نظراً لخطورتها بسبب انتشارها السريع عبر الشبكة العنكبوتية من خلال إغراق وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي بسيل من الأخبار الكاذبة والمضللة والمفبركة للإساءة لمؤسسات الجزائر عبر توظيف خوارزميات محركات البحث الشهيرة' .وأضاف أنه 'نظراً إلى التطور التكنولوجي وانتشار آلاف الصفحات الافتراضية والحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يتطلب الأمر وضع آليات وسبل للتصدي لها ومحاربتها لتفادي أي مشكلات تهدد أمن البلاد'.
وأشار إلى أن 'المتابع لأخبار الجزائر عبر المواقع الإلكترونية يصطدم عند ولوج محركات البحث بنتائج بحث غير منطقية، وهو ما يكشف عن تفاصيل معركة من نوع آخر تدار في عالم الخوارزميات التي تمنح أفضلية الظهور لمقالات مضللة تحمل طائفة من الأخبار الكاذبة الهدف منها التأثير في المجتمع والتلاعب بالرأي العام لتحقيق أجندات خفية'.
وأكد عثماني أن 'للأخبار الكاذبة والمضللة، تداعيات سلبية بسبب سرعة الانتشار وتداولها، حيث توجد أعداد هائلة من المستخدمين محدودي الثقافة والتعليم لهم حسابات وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، ويفتقد كثيرون منهم إلى الوعي الكافي بأخطار الأخبار الكاذبة أو إلى المسؤولية القانونية التي قد تترتب عن نشر أو مشاركة معلومات مضللة وهو ما يتسبب في الضرر على الأفراد والذي يمتد إلى المساس بالمؤسسات'.