اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
القضاء يعالج 68 قضية منذ 2019 ويصدر 33 أمراً بتجميد حسابات وعمليات مصرفية و16 بالحجز على العقارات
لا يزال الحديث عن الأموال المنهوبة خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة يثير الجدل في الجزائر، وبات استمرار الفساد يطرح استفهامات في ظل الجهود المبذولة من طرف السلطات، وعلى رغم أن الأرقام المحصل عليها تشير إلى تقدم إيجابي واضح إلا أن المنظمات الدولية تواصل تصنيف الجزائر ضمن القائمة الرمادية.
وتستمر الحرب على الفساد والفاسدين في الجزائر منذ الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير (شباط) 2019، وأدى إلى إنهاء نظام بوتفليقة، وتبقى الأموال المنهوبة خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2019، أي على امتداد 20 عاماً، يشوبها الغموض في ما تعلق بتحديد أصحابها تارة، والعراقيل التي تواجهها في استرجاعها تارة أخرى، فيما يعتبر ما تحقق من نتائج مؤشراً على نجاح المعركة لا سيما مع تكييف القوانين.
وكشف الرئيس عبد المجيد تبون، منذ أسبوع، أن بلاده تمكنت من استرجاع نحو 30 مليار دولار من الأموال والعقارات المنهوبة، في الداخل والخارج، وأشار إلى أن إسبانيا سلمت الجزائر فندقاً بخمس نجوم، كان ملكاً لأحد رجال الأعمال اشتراه من الأموال المهربة، وأبرز أن هناك وعوداً من دول أوروبية أخرى من أجل المساعدة في استرجاع الأموال المنهوبة.
وأضاف تبون أن الجزائر كانت تصرف 62 مليار دولار على التوريد، وأغلب هذا التوريد كان مزيفاً من قبل رجال أعمال لنهب خزينة الدولة، متعهداً بمواصلة جهود محاربة الرشوة والفساد عبر تفعيل الرقابة على الثراء غير المشروع، التي تحمي إمكانات الدولة المالية من الانهيار.
وفي فبراير الماضي، قال وزير العدل الجزائري، الطيب بوجمعة، إن القضاء يسعى بكل جدية لمكافحة أوجه الفساد وحماية المواطنين من جميع الممارسات التي تهدد معيشتهم وقدرتهم الشرائية. ووجه دعوة إلى مختلف الهيئات القضائية من أجل فرض سيادة القانون على الجميع، مشدداً على أهمية ممارسة السلطة القضائية بهدف تجفيف جميع منابع الفساد ومصادره، في مقابل استرجاع الأموال المنهوبة وحماية المواطنين، ولفت إلى دور القانون في حماية الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة.
كذلك منح مشروع قانون المالية لعام 2025 بنك الجزائر حق التصرف في المعادن الثمينة المحجوزة في قضايا فساد تورّط فيها أفراد من النظام السابق، وأبرز في عرض الأسباب، أنه جرى فتح في كتابات الخزينة حساب التخصيص والذي عنوانه 'صندوق خاص بالأموال والأملاك المصادرة أو المسترجعة في إطار قضايا مكافحة الفساد'، والذي يقيد في باب الإيرادات لا سيما الأموال المصادرة بناء على أحكام قضائية نهائية، غير أنه من بين هذه الأموال توجد مصنوعات من المعادن النفيسة مصادرة في الإطار المذكور والتصرف في هذه الفئة من الأموال غير مؤطر حالياً، لذا، بدا من الضروري تأطير هذه الوضعية بتدبير يكفل الحفاظ على هذا النوع من الأملاك، وذلك بإيداعها إلى الاحتياطي القانوني للتضامن الذي يحوزه بنك الجزائر، يضيف مشروع قانون المالية.
ولم تتوقف الحرب على الفساد عند متابعة أفراد نظام الرئيس الراحل بوتفليقة، بل لا تزال الحملة متواصلة مع الفاسدين الجدد، حيث كشف الديوان المركزي لقمع الفساد في الجزائر، عن إصدار 159 أمراً بالمنع من مغادرة البلاد، ناتجة من معالجة 68 قضية فساد، ونشر في موقعه الرسمي حصيلة نشاطه للفترة الممتدة بين 2020 و2024.
وأوضح الديوان أنه تلقى 5309 بلاغات، مع تلقي أقوال 2696 شخصاً، وإصدار 33 أمراً بتجميد حسابات وعمليات مصرفية، و16 أمراً بالحجز على العقارات، إلى جانب 2048 تسخيرة عبر الوطن، مشدداً أن هذه الشفافية في تقديم الأرقام تأتي في إطار الانفتاح على المواطن وتمكينه من الاطلاع على الجهود المبذولة في مكافحة الفساد، تنفيذاً لتوجيهات السلطات العليا الرامية إلى تعزيز الثقة العامة وترسيخ ثقافة النزاهة.
كما أمر البنك المركزي في يوليو (تموز) المنصرم، بوقف التعامل المالي والتجاري مع رجل الأعمال عمر ربراب، تنفيذاً لأمر قضائي في إطار تحقيقات تشتبه في تورطه بمعاملات مخالفة للقانون. ويعد عمر الابن المقرب من الملياردير الشهير يسعد ربراب، مؤسس مجموعة 'سيفيتال'، والذي واجه منذ أعوام متاعب قضائية أدت لدخوله السجن قبل أن يفرج عنه ويمنع لاحقاً من التصرف في مؤسساته.
وجاء في المذكرة أنه جرى إخطار بنك الجزائر بمحضر إشعار صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، يتضمن تنفيذ أمر قضائي صادر بتاريخ 3 يوليو 2025، يُمنع بموجبه عمر ربراب، من ممارسة أي نشاط تجاري مهما كانت طبيعته، سواء بصفته مسيّراً أو مديراً أو عضواً في مجلس إدارة أي شركة له علاقة بها، وذلك حتى إشعار جديد.
ويرى الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية كريم بن زيتوني أن السلطات في الجزائر تحاول منذ أعوام التعامل بجدية مع ملفات الفساد المالي والإداري التي وسمت حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة. وقال إن ملفات الفساد لم تعد قضايا رأي عام وحديث المجتمع، تهشم صورة الدولة وتعبث بمقاربات السلطة وخطابها الذي يؤكد مراراً على القطيعة مع ممارسات تتجاوز القانون، بل أصبحت الظاهرة تهدد وجود الدولة ككيان بصورة أحدثت أزمات مالية واقتصادية انعكست سلباً على المواطن وأفرزت حال احتقان وسخط عام.
وعلى رغم الجهود المبذولة لم تسلم الجزائر من التصنيفات 'السوداء'، ما أثار الاستغراب وطرح استفهامات، وآخرها مصادقة البرلمان الأوروبي على إدراجها ضمن قائمة الدول عالية الأخطار في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بسبب ما اعتبره 'وجود نقائص جدية في النظام الجزائري للوقاية من الجرائم المالية، لا سيما ما يتعلق بضعف تتبع حركة رؤوس الأموال ونقص الرقابة على المنظمات غير الحكومية وقصور في التعاون القضائي الدولي'، مما يلزم المؤسسات المالية الأوروبية باتباع مجموعة من التدابير في تعاملاتها مع الجزائر، منها تطبيق إجراءات يقظة مشددة وفرض تتبع دقيق لمصادر الأموال وتحركاتها، وفرض ضوابط إضافية على التحويلات والتعاملات المالية.
وسبق أن أضافت مجموعة العمل المالي 'جافي'، وهي الهيئة العالمية المعنية بمكافحة غسل الأموال، الجزائر ضمن القائمة الرمادية. وأوضحت رئيسة الهيئة إليسا دي أندا مادرازو أن هذا الإدراج لا يعد إجراء عقابياً، بل يهدف إلى توجيه الدول المعنية نحو تحسين آلياتها.
وفي السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أبو الفضل بهلولي أن القضاء هو الجهاز الأكثر نجاعة وقوة في مكافحة الفساد واسترجاع الأموال، بحسب ما ورد في التصريحات السياسية المختلفة، مشيراً إلى أنه على المستوى الداخلي عملية التنفيذ واسترجاع الأموال قد لا تطرح إشكالاً إلا في حالات نادرة واستثنائية، أما مسألة الخارج فذلك يرجع إلى مدى وجود حسن نية وثقة وتعاون بين الجزائر والدول المعنية.
ويتابع بهلولي أن الأحكام القضائية ذات الجدية هي التي ترفع التصنيف في القائمة الرمادية وتضع الجزائر من الدول التي لديها إرادة سياسية في مكافحة الفساد، مبرزاً أن بعض السلطات لم تقدم أرقاماً حقيقية ومعطيات كافية إلى هذه المنظمات التي تصنف الجزائر في الخانة الرمادية، بخاصة أنها مؤشرات قوية، كذلك هناك قوانين يجب مراجعتها وتعديلها من أجل تكييفها مع الوضع الجديد. وأشار إلى أنه يمكن للتصنيف السلبي أن يكون ورقة ضغط ضد الجزائر لا سيما في ما تعلق بكبح الاستثمارات الخارجية، مضيفاً أن هناك تراخياً وضعفاً في إدراج المجتمع المدني كفاعل في مكافحة الفساد، إذ عليه تخطي مرحلة التحسيس والانتقال إلى التبليغ والمشاركة في القضايا القضائية.




















