اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تحتل المرتبة الثالثة عالمياً وتشكل مع الولايات المتحدة وقطر نحو 93 في المئة من إجمال الإمدادات الدولية
تحتل الجزائر مراتب متقدمة في مجالات الطاقة والمعادن النادرة بعد التقارير الدولية التي باتت تقدم اكتشافات وأسراراً حول الثروات التي تكتنزها الأرض. وجاء الدور هذه المرة على الهيليوم، الغاز النادر الذي يعد مورداً استراتيجياً حيوياً في الصناعات المتقدمة، إذ ذكر تقرير دولي أن الجزائر تملك احتياطات بحجم 8.2 مليار متر مكعب.
وذكر تقرير صادر عن مجلة 'فرونتيرز إن إنفيرنمنتل سيانس' التابعة لمؤسسة 'فرونتيرز' للأبحاث العلمية والتكنولوجية، أن الجزائر تحتل المرتبة الأولى أفريقياً والثالثة عالمياً، من ناحية احتياطات غاز الهيليوم بـ 8.2 مليار متر مكعب، موضحاً أن الجزائر أصبحت أحد أبرز الفاعلين في سوق الهيليوم العالمية التي تهيمن عليها كبرى الدول المنتجة، بفضل مواردها الطبيعية الهائلة وبناها التحتية الطاقوية المتطورة.
وتشير البيانات إلى أن الجزائر تأتي مباشرة بعد قطر التي تقدر احتياطاتها بنحو 10.1 مليار متر مكعب، في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة التي تتصدر القائمة بنحو 20.6 مليار متر مكعب، مما يجعل البلدان الثلاثة تشكل معاً نحو 93 في المئة من إجمال الإمدادات العالمية، ويبرز مكانة الجزائر كمورّد موثوق ومؤثر في سوق الهيليوم العالمية التي تشهد نمواً متسارعاً، إذ قدّر حجمها بـ4.1 مليار دولار عام 2024، مع توقعات ببلوغها 6.06 مليار دولار بحلول 2030، مدفوعة بالطلب المتزايد في قطاعات الطيران والدفاع والطب والإلكترونيات والطاقة.
وتستخرج هذه المادة في الجزائر مصاحبة للغاز الطبيعي المسال، ولا سيما من منظومة 'حاسي الرمل'، أحد أكبر حقول الغاز في العالم، مما يجعل القدرة على التصدير كبيرة أمام الطلب المحلي الضعيف، بخاصة في ظل خلل التوازن بين العرض والطلب عالمياً، إذ يبلغ الطلب السنوي 200 مليون متر مكعب مقابل إنتاج يقارب 160 مليون متر مكعب، مع توقعات بارتفاع الطلب إلى ما بين 220 و300 مليون متر مكعب بحلول عام 2030، واحتمال تراجع الإنتاج إلى 134 مليون متر مكعب بسبب ضعف تطوير حقول جديدة، ما من شأنه إحداث عجز بـ166 مليون متر مكعب، وفق تقارير دولية.
وبفضل امتلاكها لهذا المورد الاستراتيجي الحيوي، يمكن للجزائر أن تسهم في تأمين الإمدادات على المستوى الدولي، كما تفسح مجالات استخدامه الطريق أمامها لتعزيز موقعها الاقتصادي والتكنولوجي، إذ إن الهيليوم يدخل في قطاعات الطب والتبريد العميق وأبحاث الفضاء والحوسبة الكمومية وصناعة الرقائق الإلكترونية والتصوير الطبي وغيرها من مجالات الابتكار والصناعات التكنولوجية الحديثة.
ووفق المعطيات المتاحة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ينحصر حول مدى قدرة الجزائر على الاستفادة من احتياطاتها من الهيليوم لمصلحة تلبية حاجاتها المحلية وتطورها، وتعزيز اقتصادها وتحسين ميزانها التجاري، إذ يتيح استغلاله داخلياً دعم الصناعات المتقدمة وتشجيع الاستثمار فيها مثل الطب والتبريد العميق وأبحاث الفضاء والحوسبة، كما في تشجيع البحث العلمي والابتكار في مجالات متعلقة بالهيليوم، مما يمكن أن يؤدي إلى تطوير تقنيات جديدة وتحسين الصناعات القائمة.
في المقابل، يمكن للجزائر تصدير الهيليوم إلى الدول التي تحتاج إليه على نحو يعزز مكانتها العالمية كمورد موثوق به لهذا الغاز النادر، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي والاستثمار الأجنبي، إضافة إلى العائدات المالية الكبيرة التي تسهم في تطوير البنية التحتية بما في ذلك الطرق والجسور والمطارات، ما من شأنه تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية نوعية.
في السياق، يرى أستاذ الاقتصاد عبدالكريم بوفروة أن 'الجزائر قد تواجه تحديات في استغلال احتياطاتها من الهيليوم بسبب نقص الإمكانات اللازمة وقلة مجالات الاستغلال المحلية، مما يستدعي البحث عن شركاء أجانب، والاستثمار في البنية التحتية لاستخراج ونقل وتخزين هذه المادة'، مشيراً إلى أن 'هناك أخطاراً تتعلق بالفساد والاستغلال غير المشروع لاحتياطات الهيليوم، بخاصة إذا كانت هناك شركات أجنبية تعمل في هذا القطاع'، وقال إن 'الاستغلال غير المشروع يمكن أن يؤدي إلى فقدان الإيرادات الحكومية بسبب التلاعب في العقود والاتفاقات، مما يدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات قوية لمكافحة الفساد وضمان استغلال الاحتياطات بطريقة عادلة وشفافة'.
ويتابع بوفروة أن 'تحسين استغلال احتياطات الهيليوم لمصلحة الجزائر يستدعي تعزيز الشفافية عبر نشر المعلومات حول عقود الاستغلال والتصدير، وتطوير الصناعات المحلية لزيادة القيمة المضافة، وتطبيق قوانين صارمة لمكافحة أية تلاعبات، والتفاوض مع الشركات الأجنبية بصورة تضمن الحصول على عائدات عادلة'، موضحاً أن 'بإمكان الجزائر الانتقال إلى مراكز متقدمة عالمياً في مجال الطاقة، إذا ما جرى الاهتمام بوضع بنية تحتية قوية ومتطورة، مما يعزز السيادة الطاقوية ويقلل من هشاشة العائدات أمام تذبذبات أسعار النفط والغاز التقليدية'.
من جانبه يشير الناشط السياسي حليم بن بعيبش إلى أن 'غالبية إنتاج الهيليوم حالياً توجه للتصدير لأن استغلالاته في الصناعة محدودة جداً'، وقال 'ربما يأخذ نصيبه من الاستغلال في الصناعة والطب مستقبلاً بعد وضع سياسات محكمة'، مرجعاً عدم الاهتمام بهذه المادة إلى 'ضعف الإمكانات نظراً إلى أن الأمر يتطلب تكنولوجيا عالية، وفي الوقت الحالي لا تمتلك الجزائر هذه التكنولوجيا'. وأضاف بن بعيبش أن 'هذه الاحتياطات الضخمة التي سمحت للجزائر باحتلال المرتبة الثالثة، يمكن أن تكون لها انعكاسات إيجابية جداً على البلاد، ولا سيما ما يتعلق بالمداخيل بالعملة الصعبة المتأتية من عمليات التصدير، بالتالي تنتعش الخزانة العامة'، وختم أن 'الأمر كله مرتبط بالعقلانية في التعامل مع هذه المادة الحيوية النادرة، سواء تعلق بالاستغلال الداخلي أو التصدير للخارج'.




















