اخبار الجزائر
موقع كل يوم -الحرة
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٢
أثار اللباس الرياضي الذي ظهرت به لاعبات الجمباز الجزائريات جدلا واسعا على المنصات الاجتماعية، بين من رآه 'فاضحا' و'غير محتشم' ومن أيده بحكم طبيعة الرياضة نفسها.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بالجزائر، صورة للفريق الوطني للجمباز، تضم فتيات في مقتبل العمر، يرتدين لباس الجمباز العادي، الشبيه بلباس السباحة، قبيل انطلاق فعاليات الألعاب المتوسطية التي تحتضنها مدينة وهران غربي البلاد.
المعارضون لهذا اللباس أرفقوا الصورة بتعليقات دارت حول الأخلاق، وطبيعة المجتمع الجزائري، لكن آخرين اعترضوا على التركيز على لباس الفتيات، وجعله نقطة ارتكاز لإدخال التقاليد والدين في كل شيء.
وتحتض الجزائر بداية من اليوم، السبت، فعاليات الدورة 19 من ألعاب البحر الأبيض المتوسط.
وينتظر أن تحيي كوكبة من الفنانين والمغنيين حفل الافتتاح الذي سيحضره عدة مسؤولين في الدولة، يتقدمهم الرئيس، عبد المجيد تبون.
كما أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سيكون ضيف شرف حفل الافتتاح بحسب بيان للرئاسة الجزائرية، صدر أمس الجمعة.
الجدل الذي أحدثته صورة اللاعبات الجزائريات أحيا مجددا الصراع الفكري الذي يعود في كل مرة بين 'المحافظين' و'التقدميين' الذين يرون أن هناك 'سطوة للتدين طغت على فكر الشباب الجزائريي'.
فهل لهذا الجدل، علاقة بالتدين والتقاليد والأخلاق، أم هو نتاج تطور فكر 'متطرف' كما ينعته البعض؟
صفحات فيسبوكية كثيرة، نشرت صورة الفتيات بتعليقات من قبيل 'هذا عيب'، بينها صفحة 'مدينة تيسمسيلت' وهي ولاية جزائرية تقع غرب البلاد.
القائم على الصفحة، قال، تعليقا على ما جاء من انتقاد للاعبات في صفحته، إن الأمر لا يتعلق البتة بالتدين 'إنما بالأخلاق والتقاليد'.
'الأدمن' محمد قراش، كما قدم نفسه لموقع الحرة، قال إن الصفحات التي عارضت لباس اللاعبات الجزائريات فعلت من منطلق 'الاحتشام' فقط وليس التدين.
واستدل بالقول بأن معظم الصفحات وضعت الصورة مرفوقة بصورة مقابلة للاعبات الجمباز الألمانيات اللاتي كن يرتدين لباس جمباز لكنه 'أكثر احتشاما' وفقه، وهو دليل حسب رأيه، بأن الأمر يتعلق بالحس الأخلاقي ولا علاقة له بالتدين.
يقول: 'نطلب منهم فقط إعادة النظر في لباس فتياتنا لأننا مجتمع محافظ، فقط عليهن الستر أكثر، هذا كل ما نطلبه' ثم تابع : 'الرياضة لا تعني التعري'.
وجاء في تعليق صفحة تيسمسيلت على صورة لاعبات الجمباز : 'منظر مؤلم جدا صراحة.. يحز في النفس.. فريق الجمباز الجزائري فريق العري' ثم تابع 'اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض (..) اللاعبات الألمانيات سترن أنفسهن أكثر من المسلمات'.
يُذكر أن الصورة المنتشرة للاعبات الألمانيات تعود للطبعة الأخيرة للألعاب المتوسطية، وليس حديثة.
الباحث الجزائري، سعيد جاب الخير، يرى من جانبه، أن سطوة التدين على عقول الشباب هي من أملت عليهم مواقفهم من لباس اللاعبات الجزائريات كما أملت عليهم نظرتهم تجاه مختلف المواضيع التي تتعلق بالحياة اليومية للجزائريين.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد جاب الخير، وهو باحث في الشؤون الإسلامية، خريج معهد الشريعة بالجزائر العاصمة، على أن هناك ثلاثة عوامل أثرت في فكر الجزائريين منذ عدة عقود.
ولخص تلك العوامل في المدرسة والإعلام والخطاب الديني.
وفي إجابته عن سؤال لموقع الحرة عن سر تغير نظرة الجزائري لمختلف مناحي الحياة اليومية، والجدل الذي أصبح يصاحب كل صغيرة وكبيرة والإحالة على الدين والتقاليد في كل مناسبة، قال جاب الخير 'إنها المدرسة!'.
لكن اللافت أن الجزائر سبق وأن احتضنت الألعاب المتوسطية منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولم تشهد أي جدل يخص لباس اللاعبات الجزائريات أو حتى الأجنبيات.. فماذا تغير؟
في نظر جاب الخير، 'تغير الشيء الكثير منذ ذلك الحين' وأهم ما تغير هو البرامج التربوية، والمناهج المتعلقة بالعلوم الدينية على وجه التحديد.
إلى ذلك يرى الرجل بأن الخطاب الإعلامي الذي 'تحرر' نوعا ما، أصبح يغازل الأغلبية التي تبنت الفكر 'المحافظ المبني على التدين، ورؤية الحياة من زاوية واحدة'.
بالإضافة إلى تغير الخطاب الديني المسجدي، الذي أضحى أكثر تشددا من السنوات الماضية، في نظره.
جاب الخير قال في الصدد: 'الخطاب الديني والمدرسة، كانا يحملان شكلا مغايرا تماما سنوات السبعينيات والستينيات، في الجزائر، والكثير من البلدان العربية كذلك'.
ومضى يؤكد أن تعالي الأصوات التي ترى كل مناحي الحياة من منطلق ديني، أثر في الشباب الذين تلقنوا تربية مبنية على سطوة التدين، وهو ما أنتج مواطنين يفكرون في أغلبيتهم بطريقة واحدة.
ولدى حديثه عن الإعلام، قال جاب الخير: 'رغم أننا لا نتفق مع النظام الذي كان سائدا سنوات السبعينيات، إلا أنه كان نظاما يحمل فكرة معينة، جسدها حتى في توجيه الخطاب الإعلامي، ومنع بذلك التيارات المتطرفة من الولوج إلى عقول الشباب وقتها' ثم استدرك 'لكن كما قلت لك، كل شيء تغير الآن'.
ثم أردف: 'الإعلام اليوم يغازل الأغلبية، ولا يستطيع معاكسة التيار الديني المتطرف السائد'.
وخلال فترة السبعينيات، كان للجزائر توجه اشتراكي جسده نظام الرئيس الراحل هواري بومدين.
النظام وقتها كان يقضي بملكية الدولة لكل وسائل الإعلام قصد توجيه الخطاب الإعلامي والديني والتربوي، وهو ما ساعد، وفق جاب الخير، على تلافي الخطاب الذي 'يمقت الحياة' وفق تعبيره.
إلى ذلك، لفت جاب الخير إلى أن معظم الجدل الديني والأخلاقي الذي يشتعل في كل مناسبة، يدور حول المرأة، وهو ما يرى فيه عقدة أخرى تنامت بفعل سطوة التدين.
وقال: 'كل شيء يتعلق بالمرأة تجده محل جدل في مجتمعنا، هذا يدل أننا نعيش بعقد عديدة، أهمها العقد من كل ما هو جميل، مفرح، فني أو له علاقة بالحياة'.