اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
تسعى إلى الاستفادة من خبرة بكين لإنتاج 10 في المئة من حاجاتها الكهربائية عبر محطات نووية صغيرة
يعود ملف الطاقة النووية إلى الواجهة في الجزائر، مما يعكس اهتمام البلاد المتواصل بتسخير إمكاناتها في مجال الطاقة النووية السلمية، كخيار استراتيجي لدعم التنمية المستدامة وضمان أمن الطاقة في المستقبل.
وبين طموحات قديمة وآفاق جديدة، يبرز التساؤل حول مدى قدرة الجزائر على تحويل هذا الطموح إلى واقع ملموس يراعي المعايير الدولية ويخدم تطلعاتها الاقتصادية والعلمية.
تعاون متجدد
وتجدد المحادثات بين وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة الجزائري محمد عرقاب، ومدير المؤسسة الصينية للصناعة النووية بالخارج وانغ يونغ، لمتابعة علاقات التعاون القائمة بين المؤسسة المذكورة ومحافظة الطاقة الذرية الجزائرية، ولا سيما في ما يتعلق بمجال الطاقة النووية السلمية واستخداماتها في الأغراض الطبية وآفاق تطويرها.
المحادثات التي جرت في العاصمة الجزائرية، ناقش فيها الطرفان تقييم مدى تقدم أعمال فريق العمل المتخصص المشكل مسبقاً، الذي يتولى إعداد والانطلاق في تجسيد مشروع إنتاج النظائر المشعة في الجزائر، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع في دعم القطاع الصحي الوطني، ولا سيما في مجالات التشخيص والعلاج الإشعاعي للأمراض، خصوصاً علاج الأورام السرطانية، حسب بيان وزارة الطاقة.
وفي هذا السياق، تُطرق إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محلياً، مع تأكيد ضرورة إدماج الكفاءات الوطنية وتعزيز البحث والتطوير، بما يسهم في ضمان الأمن الصحي الوطني وفتح آفاق واعدة نحو تصدير هذه المنتجات إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
كما ناقش الطرفان أيضاً فرص توسيع التعاون في مجالات أخرى، بخاصة في تبادل الخبرات والتكوين ونقل التكنولوجيا والتدريب المتخصص، بما يضمن الاستفادة من أحدث التطورات العلمية والتقنية في هذه الصناعة.
وأكد وانغ يونغ استعداد المؤسسة الصينية للصناعة النووية الكامل لدعم الجزائر ومرافقتها في تنفيذ مشروع إنتاج النظائر المشعة، مشيداً بالإمكانات التي تتوفر لدى الجزائر من ناحية الهياكل القاعدية والكفاءات البشرية المؤهلة، وبالإرادة السياسية القوية لدفع تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وتعلق الجزائر آمالاً كبيرة على تجسيد المشروع والاستفادة منه لإطلاق برنامج نووي مدني لأغراض سلمية، ويعد الاجتماع الثاني من نوعه بعد اجتماع سابق عُقد مع مسؤولي الشركة الصينية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
خلفية تاريخية
ويرجع التعاون النووي الجزائري الصيني إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ البرنامج النووي الجزائري أولى خطواته بتدشين مركز بحثي للتكنولوجيا النووية، أطلق عليه في 1996 اسم 'محافظة الطاقة الذرية'، وهو الذي أسندت إليه مهام صياغة سياسة تطوير الطاقة النووية وتقنياتها، وتحديد الاستراتيجية الخاصة بتنفيذها.
وتضمنت مهام محافظة الطاقة الذرية لتنفيذ البرنامج النووي الجزائري، مراقبة التزام الأحكام التنظيمية بصورة صارمة، إلى جانب تطوير معايير السلامة النووية والفيزيائية والإشعاعية، والتدريب ومسؤولية المنشآت النووية ومرافق إدارة المواد المشعة، وتطويرها باستمرار.
وأسست الجزائر عدداً من المنشآت النووية التي وضعتها تحت مسؤولية المحافظة، وهي مفاعل السلام الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 15 ميغاواط، ومفاعل نور الذي تبلغ طاقته الإنتاجية واحد ميغاواط، ثم وحدة تطوير عناصر الوقود النووي، وحلقات اختبار تأهيل الوقود النووي.
وصادق الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة في يونيو (حزيران) 2009 على مرسوم رئاسي يتعلق بالتعاون النووي السلمي مع الصين.
وسلك التعاون بين الجزائر والصين في المجال النووي مساراً مميزاً يعكس عمق العلاقات السياسية والتقنية بين البلدين، فمنذ استقلال الجزائر عام 1962، تطورت العلاقات مع الصين باطراد في مختلف القطاعات، وكان للطاقة النووية مكانة خاصة في هذا التعاون الاستراتيجي.
وفي سبعينيات القرن الـ20، بدأت الجزائر تسعى إلى تطوير قدراتها العلمية والتقنية، بما في ذلك المجال النووي لأغراض سلمية مثل البحث العلمي والطب والزراعة، ووجدت في الصين شريكاً مناسباً، بخاصة مع التقارب الأيديولوجي والالتزام المشترك مبادئ 'عدم الانحياز' ودعم قضايا التنمية في دول الجنوب.
وتجسدت أبرز مظاهر التعاون النووي بين الجزائر والصين، في مفاوضات في شأن مشروع إنشاء مفاعل نووي في أوائل الثمانينيات، ووُقع اتفاق رسمي عام 1983.
وركز التعاون الجزائري الصيني في المجال النووي على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأهمها البحث العلمي عبر دعم البرامج البحثية في مجالات الفيزياء والكيمياء النووية، والطب النووي بتطوير استخدام النظائر المشعة في تشخيص وعلاج الأمراض، واستعمال التقنيات النووية لتحسين المحاصيل ومكافحة الآفات، وإرسال بعثات من الباحثين والمهندسين الجزائريين إلى الصين للتكوين العلمي والتقني.
ولم يكن التعاون النووي مجرد علاقة تقنية، بل حمل أيضاً دلالات استراتيجية، فقد ساعد الصين على ترسيخ وجودها في أفريقيا كشريك بديل عن القوى التقليدية، بينما منح الجزائر فرصة لتوسيع قاعدة استقلالها العلمي والتقني بعيداً من الاعتماد على الغرب.
في العقود الأخيرة، استمر التنسيق في مجالات أوسع مرتبطة بالطاقة والتكنولوجيا المتقدمة، ووُقعت اتفاقات عدة لتعزيز التعاون النووي السلمي، بما في ذلك مجالات الأمان النووي وإدارة النفايات المشعة.
تعدد الشركاء
ولا يقتصر التعاون النووي للجزائر على الصين فحسب، إنما يمتد إلى روسيا حليفها التاريخي، إذ وقعت وزارة الطاقة الجزائرية في الـ26 من مارس (آذار) 2024 مع الشركة الحكومية الروسية للطاقة النووية 'روساتوم' مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة النووية، تشمل خريطة طريق لأنشطة التعاون المشتركة لعامي 2024 و2025، تخص استخدام التطبيقات النووية في مجال الصحة والعلاج الإشعاعي والمفاعلات المستخدمة في الأبحاث والمستحضرات النووية الصيدلانية وتدريب الكوادر العلمية والتقنية، إضافة إلى تطوير التقنيات والتطبيقات النووية للأغراض السلمية.
وكان البلدان وقعا خلال زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى روسيا في يونيو 2024، على إعلان للشراكة الاستراتيجية العميقة بينهما، ونص الإعلان على التعاون والتبادل في مجال تطوير التكنولوجيات النووية وتطبيقها للأغراض السلمية والسلامة النووية.
وتملك الجزائر مفاعلين نوويين، الأول المفاعل النووي 'نور' ويقع بالعاصمة الجزائر، وتبلغ قوته واحد ميغاواط وهو مفاعل أبحاث، والثاني المفاعل النووي 'سلام' وهو مفاعل أبحاث يقع في ولاية الجلفة جنوب البلاد.
وكان وزير الطاقة خلال مشاركته في الدورة الـ66 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية الجزائر وبرامجها في مجال الطاقة الذرية.
وتلزم الجزائر بتطبيق أحكام القانون 05-19 المؤرخ في الـ17 من يوليو (تموز) 2019، والمتعلق بالأنشطة النووية، بخاصة إنشاء السلطة الوطنية للأمان والأمن النوويين، كذلك تتمسك بالإطار القانوني الدولي والإقليمي لنزع السلاح النووي وعدم الانتشار.
أسباب وأهداف
ويرجع محللون تزايد اهتمام الجزائر بالطاقة النووية إلى مساعي البلاد إلى تنويع مصادر طاقتها، في وقت تعتمد بصورة شبه كاملة على الغاز الطبيعي، الذي تتوفر لديها احتياطات ضخمة منه، إضافة إلى رغبة الحكومة الجزائرية في ترشيد استهلاك الطاقة وتحقيق النجاعة الطاقية.
ويؤكد المتخصص الجزائري في الاقتصاد، فارس هباش، أن اهتمام الجزائر بالطاقة النووية يأتي في سياق متعدد الأهداف، بخاصة في ظل اهتمام الجزائر بالطاقة النووية ضمن مصادر تنويع الطاقة.
ويوضح هباش لـ'اندبندنت عربية' أن تنويع مصادر الطاقة الحالي يشير إلى أن الجزائر تعتمد بصورة رئيسة على الغاز الطبيعي الذي يمثل أكثر من 90 في المئة من إنتاج الكهرباء، وهذا حسب آخر الإحصاءات لوزارة الطاقة الجزائرية عام 2024.
ويضيف أنه مع التقلبات العالمية في أسعار الطاقة والضغوط البيئية الدولية، وكذلك تغير خريطة الطاقة العالمية، أصبح من الضروري تنويع مزيج الطاقة، إذ إن الطاقة النووية توفر طاقة ضخمة ومستقرة وغير مرتبطة بتقلبات المناخ، عكس الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح التي تكون مرتبطة بظروف المناخ والتحول المناخي، ومن ثم تسمح بتلبية الطلب الوطني المتزايد على الكهرباء الذي ينمو حسب آخر التقديرات بنسبة ستة في المئة سنوياً، حسب تقرير الوكالة الوطنية لترقية وترشيد استخدام الطاقة، لذا فالطاقة النووية مسؤولة عن إنتاج نحو 10 في المئة من إنتاج الكهرباء العالمي، حسب إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة.
وأفاد المتحدث بأن الصين تخطط لزيادة عدد مفاعلاتها النووية إلى 150 مفاعلاً جديداً عام 2025، وهذا ما يجعل الشركات الصينية شريكاً مثالياً للجزائر واستراتيجياً، ومن ثم يمكن الاستفادة من هذه الخبرة ومن تجربة هذه الشركات الرائدة والمتخصصة في هذا المجال.
قيمة مضافة
وأشار هباش إلى أن رؤية الجزائر وفق مخطط انتقال الطاقة في 2030 تسعى إلى إدخال الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة في 2025 لإنتاج نحو خمسة في المئة إلى 10 في المئة من حاجاتها الكهربائية عبر محطات نووية صغيرة، كذلك يمكن الحديث عن تعزيز القدرات الصحية، لأن الجزائر تستورد تقريباً أكثر من 75 في المئة من النظائر المشعة المستخدمة في الطب النووي، حسب مصادر وزارة الصحة الجزائرية عام 2023، كذلك فإن كلفة هذه الواردات عالية وتستغرق وقتاً طويلاً، وهذه النظائر المشعة تستخدم في التصوير الطبي والعلاج الإشعاعي لبعض أنواع السرطان، بخاصة أن الجزائر تشهد في الأعوام الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات بمرض السرطان وارتفاعاً في الطلب على العلاج الإشعاعي.
ويضيف هباش أن القيمة الاقتصادية المضافة تكمن في تحسين الميزان التجاري، بخاصة أن تقليل الواردات من النظائر المشعة والمعدات الطبية التي تستنزف سنوياً ملايين الدولارات في بعض الحالات، حتى إن كلفة الأدوية تصل إلى ملايين الدولارات، ومن ثم هذا هدف مهم جداً، كذلك خلق فرص عمل عالية الكفاءة، إذ تقدر دراسة وزارة الطاقة الجزائرية لعام 2022 مثلاً أن تطوير قطاع نووي سلمي سيخلق أكثر من 10 آلاف وظيفة مباشرة بحلول عام 2040.
ويقول المتحدث إن الجزائر يمكن أن تصبح مصدرة للخدمات والمنتجات النووية، في المدى المتوسط أو مركزاً إقليمياً لتوريد النظائر المشعة لدول شمال أفريقيا، بخاصة أن للجزائر برامج استراتيجية سواء مع الجانب الصيني أو الروسي، ويمكنها الاستفادة من هاتين الدولتين لأن لديها إمكانات كبيرة وخبرة متميزة في مجال الطاقة النووية وجذب الاستثمارات، لأن إثبات القدرة على التحكم بالتكنولوجيا النووية السلمية سيعزز ثقة المستثمرين ويعزز مناخ الاستثمار وجذب المستثمرين الأجانب في القطاعات التقنية العالية الأخرى كالطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.