الجزائر في متاهة أفريقية جديدة بعد انفلات مالي

توتر بين باماكو وحركات الأزواد يهدد مصير اتفاق السلم

في تحول مفاجئ، اندلعت اشتباكات بين الجيش المالي وعناصر مسلحة من قبائل الطوارق، الأمر الذي أثار مخاوف الجزائر التي رعت في وقت سابق 'اتفاق السلم والمصالحة' الذي يبدو أنه يعاني 'الفشل'، وفي ظل تبادل التهم بين الجانبين، تغتنم الجماعات الإرهابية الفرصة لتوسيع سيطرتها على مزيد من المساحات.

وبعد أن كانت الجهود موجهة إلى النيجر من أجل الخروج من المأزق الذي تعيشه على أثر الانقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد بازوم، اندلعت مواجهات مسلحة على حين غفلة بين القوات الحكومية المالية وعناصر من تنسيقية حركات الأزواد في مدينة 'بير' بمنطقة تمبكتو شمال البلاد.

وخلفت هذه المواجهات في مالي، قتلى وجرحى في صفوف الطرفين، وفق ما ذكرت مصادر محلية، ما أربك الجزائر التي تراهن كثيراً على 'استقرار الساحل'، وشتت تحركاتها بين التعاطي مع قرار التدخل العسكري في النيجر الذي تلوح به مجموعة 'إيكواس'، وتهدئة الأوضاع في شمال مالي، ومنه إنقاذ 'اتفاق السلم'.

وفجر إخلاء بعثة الأمم المتحدة في مالي 'مينوسما' لقاعدتها في مدينة 'بير' قرب تمبكتو شمال البلاد، نزاعاً مسلحاً بين الحركات الأزوادية من جهة، والجيش المالي من جهة أخرى، في تطور خطر يعيد إلى الأذهان 'حرب 2012' التي تسببت في قتلى وجرحى ونزوح وخسائر مادية معتبرة، وأدخلت المنطقة في دوامة فوضى الانفصال الذي ترفعه عدة أطراف داخل الأزواد، إلى غاية تدخل الجزائر التي عملت على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، مما مكن من الوصول إلى مصالحة تحت عنوان 'اتفاق الجزائر'.

ووجدت القوات الأممية في المنطقة ضمن إطار وجهود السلام بين مالي والحركات السياسية الأزوادية عبر اتفاق الجزائر 2015، لكن الانقلاب الذي أطاح الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا يتهمه الأزواد بتجاهل اتفاق الجزائر بعد استفتاء على دستور جديد في يوليو (تموز) الماضي، مما فتح أبواب الخصومة بين الطرفين على مصراعيها، وبدأ بذلك مسلسل التوتر الذي كان خفياً حتى الأسبوع الماضي.

وفي السياق، يقول الناطق الرسمي باسم الإطار الاستراتيجي الدائم من أجل السلم والأمن والتنمية من الهيئة التنسيقية لحركات أزواد، محمد المولود رمضان، في حديث لـ'اندبندنت عربية'، إن الوضع في المنطقة عاد للهدوء، لكن لا توجد وساطات من أجل حل النزاع الذي تسبب في اندلاع المواجهات المسلحة التي توقفت موقتاً.

وأشار إلى أن الحديث عن وساطة جزائرية جديدة وانطلاق جلسات حوار غير صحيح، قائلاً 'ما فيه أي حوار ولا أي مبادرة، كان ذلك قبل بداية الاشتباكات، والتنبؤ بما ستكون عليه المنطقة صعب، رافضاً التعليق على مصير اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة'.

الخبرة الجزائرية

من جانبه، اعتبر الناشط السياسي بالحركة الوطنية لتحرير أزواد، بي أغ محمود، أنه تم التطرق إلى مستقبل اتفاق السلم والمصالحة قبل حادثة 'بير'، خلال زيارة وفد عن حركات الأزواد إلى الجزائر، بعد أن تعطل منذ فترة ولم يعد يتقدم وفق المرجو، مشيراً إلى أن الجزائر تملك أصدقاء كثراً في الساحل، لكن تغيرت الأوضاع حالياً، وعلى الجارة الشمالية أيضاً تقبل ومرافقة السياسة الجديدة في الساحل.

وقال أغ محمود، 'الجزائر وحدها من يعلم ما يجري في منطقة الساحل'، موضحاً أن الوضع في منطقة 'بير' معقد بسبب المشكلات بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية. وأبرز أن الجيش المالي يتحمل مسؤولية توتر الوضع بعد أن حاولت قواته الاستيلاء على القواعد التي انسحبت منها القوات الأممية 'مينوسما'.

وقال إن هناك مناطق لا يمكن للجيش المالي دخولها مثل 'بير'، على اعتبار أنها تابعة للأزواد وفق التوافقات الأمنية السابقة، مضيفاً في رده على وجود جنود روس من مجموعة 'فاغنر'، أنها قوات ترافق الجيش المالي ضد الحركات الأزوادية، مما يجعل الوضع صعباً يهدد المواطنين والأمن في الساحل.

وأوضح أنه من أجل استقرار المنطقة يجب على كل طرف تحمل مسؤولياته والبقاء في مواقعه إلى غاية تطبيق اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، لافتاً الانتباه إلى أن الحكام الجدد لم يشاركوا في المفاوضات، وأن النظام السابق هو من أمضى على وثيقة السلم.

وواصل 'من غير المعقول أن تبقى الجزائر بعيدة عما يجري في المنطقة، فمن واجبها أن تكون قريبة من الوضع من خلال فتح قنوات اتصال مع جميع أطراف الاتفاق، منتقداً غياب مفاوضات مقابل انتظار كل طرف الدعم من حلفائه'. وأوضح أن الجزائر وحدها بإمكانها التدخل لحل الأزمة بسبب أنها الوسيط، معبراً عن أمله في العودة إلى حالة السلم.

الاتفاق لا يزال قائماً

في المقابل، لا تعترف باماكو بالدخول في حرب ضد الحركات الأزوادية الموقعة على اتفاق الجزائر، وإنما هي في حرب مع الجماعات المتشددة فقط.

وأضافت السلطات المالية، وفق ما نقله الإعلام المحلي، أنها في حرب ضد جماعة 'أنصار الدين' التي أعلنت الحرب بالفعل، وقتلت جنوداً وأسرت آخرين'، مشيرة إلى أن 'اتفاق الجزائر' الموقع بين الحركات السياسية في أزواد مع الحكومة المالية في 2015، لا يزال قائماً وملزماً بين الطرفين على رغم ما أثير حوله بعد التطورات الأخيرة.

ولم تتوقف المعارك بين الجانبين، كما لم تتوقف الاتفاقيات، لا سيما التي توسطت الجزائر فيها، حيث تمت الأولى في عام 1991، تم استكمالها بأخرى في 1996، وصولاً لـ'اتفاق الجزائر' 2015 الذي من أهم بنوده، احترام الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان، ووقف العنف والاقتتال العرقي والمظاهر المسلحة، وتمثيل لجميع مكونات الشعب في المؤسسات بعد أن خلت من الأزواديين، وإعادة تنظيم القوات المسلحة والأمن بعد أن كانت مقتصرة على الماليين من غير الأزواديين، والتزام الأطراف بمكافحة الإرهاب، وتسهيل عودة وإدماج اللاجئين الذين يقارب عددهم مليوناً في بلدان الجوار، ودمج ثلاثة آلاف مقاتل أزوادي في الجيش.