اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
محمد السادس دعا إلى حوار صريح ومسؤول مع الجارة الشرقية ومراقبون يتحدثون عن انعدام الثقة
عاد ملف العلاقات 'المقطوعة' بين الجزائر والمغرب ليطفو على السطح، بعدما أعرب الملك محمد السادس عن استعداد بلاده لإجراء حوار صريح ومسؤول مع الجارة الشرقية. وفي حين لم تلقَ الدعوة المغربية أي تفاعل رسمي من الجزائر، يستمر 'الخصام' بين البلدين الذي يدفع ثمنه الشعبان الشقيقان إلى حين.
في خطاب العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش، جاء أن بلاده حريصة على إقامة علاقات طيبة مع الشعب الجزائري وإيجاد حل توافقي في نزاع الصحراء، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. وقال 'التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا معاً على تجاوز هذا الوضع المؤسف'، مضيفاً أن الاتحاد المغاربي لن يكون من دون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة.
ومضى الملك محمد السادس في خطابه 'بصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت، وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك'.
لكن في المقابل لم يصدر أي رد رسمي من الجزائر على دعوة الملك محمد السادس، ما عدا بعض التقارير الإعلامية والمقالات الصحافية، مما يكشف عن 'تجاهل' وعدم ثقة في ما صدر عن الرباط، وعلى رغم الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994 وما تبعها من توترات 'خطرة'، فإن دعوة الرباط إلى تجاوز الخلافات لم تتوقف.
وبحسب الجزائر، فإن دعوات المغرب محاولات ذر الرماد في العيون وتقديم البلد في صورة الطرف الساعي إلى السلام وحسن الجوار أمام المجتمع الدولي، وكسب تعاطف الرأي العام الجزائري من خلال التركيز على القواسم المشتركة والروابط الاجتماعية.
يقول الباحث في الشؤون الأمنية الأفريقية أحمد ميزاب إن 'ما يسمى سياسة اليد الممدودة التي يروج لها المغرب ليست سوى واجهة إعلامية لتسويق نيات لا وجود لها على الواقع'، موضحاً أن هذا المصطلح يستهلك كل سنة بنفس الصيغة واللغة، من دون أي تغيير في السياسات أو السلوك.
ويرى أنه 'عندما نضع التصريحات إلى جانب الممارسات تجد التناقض الصارخ، من تطبيع عسكري وأمني مع الاحتلال الإسرائيلي على حدود الجزائر، وحملات دعائية موجهة ضد الدولة الجزائرية، واستهداف دائم لمواقف الجزائر في المحافل الدولية، بالتالي تصريح العاهل المغربي يدخل ضمن هذا السياق'، مشيراً إلى أنه 'لا يحمل جديداً ولا يعبر عن تحول حقيقي في الموقف المغربي، بل هو خطاب تقليدي ومفخخ وخالٍ من الجدية وحتى اليد التي يتحدث عنها تبدو مرتعشة وغير مستقرة'.
وفي حديثه إلى 'اندبندنت عربية' يشير ميزاب إلى أن 'الجزائر واضحة في سياساتها، لا حوار من دون بيئة نظيفة ولا تقارب من دون احترام الالتزامات'، منبهاً إلى أن الكرة في ملعب المغرب الذي يعرف الشروط ويعلم أن الجزائر لا تتعامل بردود الفعل، بل بثبات الموقف. وختم بقوله إنه إذا كانت هناك نية حقيقية لدى الرباط فلتبدأ من حيث انتهت الثقة، أما الاستهلاك الإعلامي فلن يغير من الواقع شيئاً، على حد وصفه.
من جانبه، يقول الحقوقي حنافي حاج إن خطاب الملك محمد السادس فرصة للجزائر للدعوة إلى مؤتمر أفريقي فوق أرض محايدة لإظهار النية الحقيقية من هذه 'المناورة المغربية'، تحت عنوان حفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.
وفي هذا المؤتمر الأفريقي يطالب حنافي بمشاركة وفد من الصحراء الغربية، ويكون ضمن وساطة دولية تمثل فيها الجزائر والدول الداعمة والرافضة لفكرة الحكم الذاتي، ويحضره ممثل بعثة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن الخطاب الملكي كان رسالة موجهة للجزائر من دون ممثل الشعب الصحراوي، وهو ما يعد اتهاماً لا بد من تصحيحه، مع السعي إلى إيجاد طرف لتقاسم هذا العبء الأفريقي الذي ألصق بالجزائر عنوة.
وتابع حاج أن الجزائر لا تزال تقف إلى جانب المبدأ الكلاسيكي المكرس بميثاق الأمم المتحدة، ألا وهو حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، أما تسييس المغرب لهذا الحل لا يمكن للجزائر وحدها مواجهته. ويقول إنه على الأطراف الأفريقية ترسيم الرؤية العادلة عبر تفعيل المحيط الجهوي.
إلى ذلك، يرى المتخصص في العلاقات الدولية والقانون الدولي المغربي إدريس لكريني أن دعوة الملك محمد السادس إلى فتح صفحة جديدة في سياق العلاقات المغربية-الجزائرية ليست جديدة، وإنما رسالة متجددة ظلت حاضرة منذ قطع العلاقات بين البلدين، بل أكثر من ذلك نجد دعوات كثيرة من جانب الرباط لطي الخلافات والاشتغال على المشترك بين البلدين، خصوصاً أن هناك كثيراً من المقومات المشتركة التي تدعم التعاون والتواصل.
ويعتقد لكريني أن هذا الخطاب الملكي يعكس الوعي بالتحديات التي تواجه البلدين معاً على جميع المستويات، لا سيما أن البلدين لهما وزن دولي، مبرزاً أن دعوات المغرب تعكس حجم الهدر الذي تخلفه القطيعة بين البلدين.
ويشير إلى أن الطرف الجزائري لم يتفاعل إلى حد الساعة بصورة إيجابية مع الدعوات، مما يعكس عدم الثقة ونوعاً من التصلب في الموقف إزاء العوامل التي أدت إلى القطيعة وعلى رأسها قضية الصحراء، موضحاً أن التكامل الاقتصادي وتعزير التعاون والتركيز على المشترك المغاربي هو المدخل الأساس لطي الخلافات وإيجاد حل مستدام لقضية الصحراء، خصوصاً أن المرحلة الراهنة تستدعي طي الخلافات والكتل لمواجهة التحديات.
المتخصص المغربي في العلاقات الدولية محمد تاج الدين الحسيني، ينبه بدوره إلى أن العاهل المغربي الملك محمد السادس أكد فكرة اليد الممدودة للشعب الجزائري ضمن خطاب العرش، وفي عدة خطابات سابقة، من أجل دفع الطرفين إلى التفكير في تأسيس لجنة، أو أي إطار للتفاوض لمناقشة كل النقاط الخلافية بين البلدين، في إطار حوار لا ينبني على غالب أو مغلوب، بل يرتكز على حسن النية واحترام المصالح العليا والحيوية لكلا الشعبين من أجل التوصل إلى حلول نهائية لهذه المشكلات.
ويوضح الحسيني أن استشراف المستقبل يستدعي من الجارة الشرقية الاستجابة إلى دعوة اليد الممدودة، والعمل على حماية مصالح الشعبين، مضيفاً أن خطاب محمد السادس يوضح أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007، يحظى حالياً بدعم ثلاث دول دائمة في مجلس الأمن ولها حق الفيتو، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.