اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥
تمتلك ثلث مصانع أفريقيا بـ230 منشأة تغطي 80 في المئة من الحاجات المحلية وتدرس مشاريع استثمارية جديدة
تمنح الجزائر الصناعة الدوائية اهتماماً بالغاً مكنها من تسجيل أرقام كبيرة في هذا المجال، وحالت دون الاستمرار في الاستيراد بصورة لافتة. وبين توسع دائرة الاستثمار والتمسك بالبحث العلمي شهد القطاع نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة، مما جعل البلاد تتجه نحو الاكتفاء الذاتي دوائياً، بالتالي تحقيق الأمن الصحي.
وجعلت الجزائر صناعة الأدوية من القطاعات الواعدة التي أصبحت تحقق نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة، بعدما استفادت من قدراتها الإنتاجية لتلبية حاجاتها الداخلية وزيادة حضورها في الأسواق الخارجية، مما وضعها في موقع استراتيجي متقدم ضمن سوق الأدوية العالمية المتقلبة.
وجاءت تصريحات الرئيس عبدالمجيد تبون خلال افتتاح المؤتمر الوزاري الأفريقي للإنتاج المحلي للأدوية وتكنولوجيات الصحة المنعقد منذ أيام، لتؤكد استهداف الجزائر الوصول إلى السيادة الصحية، إذ قال إن بلاده تمتلك ثلث مصانع الأدوية الموجودة داخل أفريقيا بـ230 مصنعاً من مجموع 649 في القارة السمراء، مما سمح بتغطية 80 في المئة من حاجاتها المحلية، مبرزاً أن هناك أكثر من 100 مشروع جديد لصناعة الأدوية واللقاحات.
وأضاف تبون أن الجزائر وضعت قطاع الصناعة الصيدلانية ضمن القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية لتحقيق الأمن الصحي، إذ خصصت منذ عام 2020 وللمرة الأولى وزارة مستقلة بذاتها تعمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة، شملت تطوير الإطار التنظيمي وتسهيل الاستثمار وتشجيع الشراكات ودعم البحث والتطوير.
وشهدت الصناعة الصيدلانية خلال الأعوام الأخيرة تحولاً جذرياً يعد من أبرز إنجازات اقتصاد الجزائر في مجال تحقيق السيادة الصحية والتنويع الاقتصادي، بعدما تراجع الاعتماد الكلي على الاستيراد الذي بلغ سابقاً أكثر من ملياري دولار، ثم 1.225 مليار دولار عام 2022، فأصبح 515 مليون دولار عام 2024 بفضل النجاح في بناء منظومة متكاملة للإنتاج الدوائي، وتوجيه الموارد المالية المدخرة نحو الاستثمار في تطوير هذه الصناعة وتوسيع وحدات الإنتاج.
ولم يتوقف الأمر عند أرقام الحكومة، بل أشار تصنيف 'ألكويفيا' الدولي المتخصص في إحصاء الشركات المنتجة للأدوية إلى أن الجزائر حققت تصنيفاً متميزاً في مجال الإنتاج المحلي للأدوية، واحتلت المرتبة الأولى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
لكن أمام التصريحات الرسمية والأرقام الحكومية وحتى الدولية، يواصل ملف ندرة الأدوية تصدر النقاشات، لا سيما أن صفحات التواصل الاجتماعي تكتظ بنداءات البحث عن أدوية مفقودة في الصيدليات، مما فتح أبواب التشكيك في حقيقة النجاحات التي تتحدث عنها الحكومات المعاقبة.
يقول صاحب صيدلية يدعى سليم بوفزاز لـ'اندبندنت عربية'، إن 'ندرة الأدوية ظاهرة سائدة منذ مدة، غير أنه خلال الأعوام الأخيرة لم تعد متنامية بصورة واسعة تعرقل التداوي، إذ بات الأمر يتعلق ببعض الأدوية الخاصة بأمراض معينة مثل السرطان والقلب'، مشيراً إلى أن هناك عائلات مرضى يفضلون الأدوية المستوردة بعدما نجحت الحكومة في توفير أدوية محلية عبر الصيدليات، ظناً منهم أن فعاليتها قوية وذات صدقية في تصنيعها، مما يدفعهم إلى نشر نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف تجار الشنطة أو المهاجرين الذين باستطاعتهم توفيرها بأسعار مرتفعة.
ويواصل بوفزاز أن الأدوية في الصيدليات باتت متوافرة بصورة كبيرة ومعظمها يصنع محلياً بتقنيات متطورة، لكن ليس الأمر بالصورة التي تؤكدها السلطات بخصوص تحقيق السيادة الصيدلانية، فـ'ربما خلال الأعوام المقبلة يتم الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الدوائي إذا استمر الاهتمام بالصناعة الصيدلانية'، مبرزاً أن الندرة تحدث في دول عدة بما فيها المتقدمة، غير أنها تبقى غير مؤثرة.
من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية للصيادلة الخواص كريم مرغمي أن النقص في بعض الأدوية قد يحدث أحياناً وهو أمر لا يمكن إنكاره، غير أن النقابة تخطر فوراً جهاز الوفرة الصيدلانية حتى يتدخل ويضع حداً لحالات الندرة بصورة هادئة ومنظمة، موضحاً أن الندرة تمس أحياناً أدوية مصنعة محلياً بسبب عوامل تقنية كتأخر التزود بالمواد الأولية أو التأخر في منح التراخيص.
وأضاف مرغمي أن تزايد الطلب على الأدوية المستوردة وغير المسوقة في الجزائر يرجع إلى وجود ثقافة استهلاكية لدى بعض المواطنين الذين يعتقدون أن الأدوية المنتجة في الخارج وخصوصاً في أوروبا، أكثر فاعلية من باقي الأدوية الأخرى، ويعود إلى بعض الأطباء الذين يصفون أحياناً أدوية غير مصنعة أو غير متوافرة في الجزائر، على رغم وجود بدائل محلية أقل كلفة وفعالة علاجياً، والتي تسوق اليوم بصورة اعتيادية في دول أفريقية وآسيوية وحتى أوروبية.
وختم بأنه على رغم تسجيل بعض هذه الحالات فإن الإنتاج الوطني تعدى اختبار الشك في عدم فعاليته، بالنظر إلى أن المريض أصبح يثق في جدوى الدواء المنتج داخل بلاده.
إلى ذلك، كشف ممثل الحكومة وزير الصناعة الصيدلانية وسيم قويدري أن إنهاء عملية البحث عن الأدوية تتم عبر تطوير أكثر للإنتاج الوطني، وتنسيق العمل بين وزارة الصناعة الصيدلانية والفاعلين في توزيع وصناعة الأدوية المتمثلين في الصيادلة والأطباء وكل الناشطين ضمن هذا المجال، ودعا إلى دراسة الأسباب الحقيقية للندرة، و'الاعتماد على الرقمنة التي تسمح لنا بتحديد الحاجات الدوائية بصورة دقيقة، وبخاصة مع استعمال الذكاء الصناعي الذي يسمح بالتنبؤ بأي نقص قد يحدث واقتراح الحلول المسبقة لمواجهته'.
وفي إطار تقوية الإنتاج الدوائي، أعلن قويدري قبل أيام أمام اللجنة الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط للبرلمان توطين إنتاج 15 منتجاً أساساً مضاداً للسرطان بهدف الانتقال إلى التصنيع الكامل للأدوية في غضون عامين، مشيراً إلى أن خطة الحكومة تهدف إلى تعزيز الإنتاج الوطني لضمان الأمن الصحي وضبط استيراد الدواء.
وأوضح قويدري أن الوزارة تعكف حالياً على دراسة 103 مشاريع استثمارية جديدة، منها 72 مشروعاً للأدوية و31 مشروعاً للمستلزمات الطبية، مشدداً على أن استراتيجية قطاعه تهدف إلى ضمان السيادة الصيدلانية والأمن الصحي الوطني والإسهام في التنمية الاقتصادية الوطنية من خلال تشجيع الاستثمار المنتج.
وبين أن تحقيق صناعة صيدلانية قوية يتطلب تقديم عناية أكثر من الدولة، وخصوصاً في ما يتعلق بسعر الدواء الذي يظل منخفضاً في الجزائر مقارنة بالدول الأخرى، وهذا ليس في صالح الصناعة الصيدلانية التي تبحث عن النوعية، متابعاً أنه 'بإنتاج المواد الأولية محلياً سنتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد التي أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني لأعوام'.
في السياق، يعد المتخصص في الشأن الاقتصادي جمال مناصري ضمن تصريح لـ'اندبندنت عربية' أن التحول الذي تعيشه الجزائر في قطاع الصناعة الصيدلانية وضع حداً لمرحلة التبعية الخارجية، التي كانت تهدد أمن البلاد الصحي عند كل أزمة، وقال إن هذا التوجه ليس مجرد سياسة ظرفية، بل يعد خياراً استراتيجياً تأكد من خلال إنشاء وزارة متخصصة بالصناعة الصيدلانية سمحت ببناء قاعدة صناعية متماسكة قادرة على تلبية حاجات السوق الوطنية بفاعلية أكبر.
وتابع مناصري أن الاقتراب من ضمان الاكتفاء الدوائي والتوجه نحو التصدير أعاد التوازن لمنظومة الدواء، ومنح الصناعة الصيدلانية بعداً اقتصادياً إضافياً يتجاوز تغطية الطلب الداخلي، موضحاً أنه بات لافتاً أن الجزائر تسير نحو مرحلة جديدة قوامها صناعة صيدلانية قائمة على التكنولوجيا والابتكار والبحث والتطوير واستباق الأزمات الصحية.
وأبرز أن الصناعة الصيدلانية الحديثة لم تعد تقوم فقط على توفير الدواء بل أيضاً على التطوير المستمر، وهو ما يستوجب ربط المخابر الوطنية بشبكات بحث عالمية تتيح لها البقاء في مسار التطور العلمي المتسارع.
وبغية تشجيع الاستثمار في صناعة الدواء ورفع الإنتاج وتنويعه، أكد وزير القطاع وسيم قويدري أنه اعتمد تسهيلات لمصلحة المتعاملين في مجال الصناعة الصيدلانية، موضحاً أن آجال الاعتماد المسبق للمؤسسات الجديدة مُددت من عام إلى عامين، وهي مدة كافية للمستثمر لإتمام كل الإجراءات الإدارية لفتح مؤسسته. إضافة إلى ذلك، أُلغيت الخبرة المهنية للصيدلي التقني عند إنشاء المؤسسة الصيدلانية الجديدة، وهو ما من شأنه فتح آفاق أمام صيادلة جدد بالنسبة إلى التوظيف، وتقليص معاناة المستثمرين في رحلة البحث عن الصيدلي التقني.




















