اخبار الصومال
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
اعتبارات عدة تحكم القرار الأميركي لكن خطوة إسرائيل قد تؤثر في البيت الأبيض
رغم أن عدداً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين تقدموا في يونيو (حزيران) الماضي بمشروع قانون للاعتراف الأميركي باستقلال 'أرض الصومال'، وزار قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا 'أرض الصومال' الشهر الماضي، فإن الرئيس دونالد ترمب أوضح إنه ليس مستعداً للاعتراف بـ'أرض الصومال' كدولة، بل قلل من شأنها وبدا غير مهتم باتخاذ الولايات المتحدة قاعدة في هذا المكان الاستراتيجي، فما سبب هذا الرفض الذي يأتي عقب اعتراف إسرائيل بـ'أرض الصومال' وما أثاره ذلك من انتقادات دولية وعربية؟ وهل ثمة علاقة بين اعتراف إسرائيل وموقف واشنطن؟
رغم أن القانون الدولي لا يعترف بأرض الصومال أو 'صوماليلاند' إلا كمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الصومال منذ 3 عقود، ولم تعترف بها أي دولة كدولة مستقلة، باستثناء تايوان، وهي نفسها دولة غير معترف بها، فإن اعتراف إسرائيل، كأول دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف باستقلال الإقليم ذي الغالبية المسلمة في شمال الصومال، الذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، أثار إدانات عربية وإسلامية، وأفريقية، ودولية، واسعة كونه إجراءً غير مسبوق من شأنه أن يقوض السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، مع تداعيات خطرة على السلام الدولي.
وحتى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حليفي إسرائيل المقربين، أكدا أنهما لا يزالان يعترفان بالوحدة الترابية للصومال، التي تشمل أراضي 'صوماليلاند'، وأن احترام وحدة الصومال وسيادتها وسلامة أراضيها أمر أساس للسلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بأكملها، بل إن الرئيس ترمب تساءل ساخراً عما إذا كان هناك أحد يعرف ما هي 'صوماليلاند' حقاً في حديث لصحيفة 'نيويورك بوست'، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تحذو حذو إسرائيل، وأن واشنطن في حاجة إلى دراسة القضية.
وبينما يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً اليوم الإثنين، لبحث اعتراف إسرائيل المثير للجدل باستقلال 'أرض الصومال'، يوضح موقف ترمب أن اعتبارات كثيرة ما زالت تحكم القرار في البيت الأبيض على عكس إسرائيل التي يعتقد أنها اتخذت هذه الخطوة مدفوعة بموقع 'أرض الصومال' الجغرافي على بعد نحو 300 إلى 500 كيلومتر من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وهي مسافة تجعلها منصة محتملة لتحقيق تحول في جمع المعلومات الاستخباراتية، والأمن البحري، واعتراض الطائرات المسيرة، والمراقبة الإقليمية الإسرائيلية الأوسع نطاقاً.
وتعد 'أرض الصومال' وفقاً لتقارير بحثية إسرائيلية، منطقة ذات قيمة اقتصادية ومعنوية للأمن القومي الإسرائيلي نظراً إلى لمعادن المتوافرة في الإقليم، فضلاً عن التقارير الدولية السابقة التي تحدثت عن محادثات في شأن نقل فلسطينيين من غزة إلى إقليم 'أرض الصومال' على رغم نفي المسؤولين في 'صوماليلاند'.
لكن ذلك لا ينكر أن إدارة ترمب ظلت لأشهر عدة تفكّر في الاعتراف بـ'أرض الصومال'، ففي الشهر الماضي، زار وفد عسكري ودبلوماسي أميركي رفيع المستوى 'صوماليلاند' لإجراء مناقشات أمنية وتفقد البنية التحتية الاستراتيجية الرئيسة على طول ممر البحر الأحمر، حيث استقبل رئيس 'صوماليلاند' عبدالرحمن محمد عبدالله في القصر الرئاسي في عاصمة الإقليم هرجيسا، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال داغفين أندرسون، ونائب السفير الأميركي لدى الصومال، جاستن ديفيس، ومسؤولين مرافقين لإجراء حوار استراتيجي موسع.
وأكدت هذه الزيارة ما تعرفه واشنطن بالفعل، لكنها كانت مترددة في الإفصاح عنه علناً، وهو أن الجيش الأميركي يدرك القيمة الاستراتيجية لإقليم 'أرض الصومال' الذي يقع على أحد أهم الممرات الجغرافية الاستراتيجية في أفريقيا المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في وقت تتزايد فيه المنافسة بين القوى العالمية على النفوذ، وهو توجه عززته شخصيات بارزة مثل السفير الأميركي ريتشارد رايلي وقائد 'أفريكوم' السابق الجنرال مايكل لانغلي.
لم يكن هذا إجراءً استثنائياً، فقد تزايد الحديث في السنوات الأخيرة عن احتمال أن تصبح الولايات المتحدة أول دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف باستقلال 'صوماليلاند'، ففي مارس (آذار) 2022، التقى قادة 'أرض الصومال' بأعضاء من الكونغرس وإدارة الرئيس السابق جو بايدن للضغط من أجل اعتراف أميركي بدولتهم، مستشهدين بالنفوذ الصيني المتزايد في القرن الأفريقي ونجاح ما يصفونه بديمقراطية صوماليلاند على عكس فشل الدولة الصومالية، وقدموا حججاً للاعتراف بدولتهم على أساس ضمان الاستقرار والنفوذ الأميركي في المنطقة، لكن على رغم توصلهم إلى اتفاق في شأن التعاون في القضايا الأمنية، إلا أنهم لم يحصلوا على الاعتراف حتى الآن، واتخذت القضية طابعاً حزبياً أكثر، حيث أبدى الحزب الجمهوري اهتماماً كبيراً بـ'أرض الصومال'.
وليس مستغرباً أن التوجه نحو الاعتراف الأميركي بـ'أرض الصومال' يعود إلى أكثر من 3 سنوات، حين دعت مبادرة 'مشروع 2025' السياسية الموالية لحركة 'ماغا' (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) - والتي نشرتها مؤسسة 'هيريتاج' المحافظة عام 2022 كخطة عمل مقترحة لولاية ترمب الثانية - الولايات المتحدة إلى الاعتراف بـ'أرض الصومال' كإجراء احترازي لمواجهة تدهور موقف الولايات المتحدة في جيبوتي وكوسيلة لمواجهة ما وصفته بـ'النشاط الصيني الخبيث في أفريقيا'.
وفي يناير (كانون الثاني) 2025، حثت اللجنة المختارة في مجلس النواب الأميركي المعنية بالحزب الشيوعي الصيني على إنشاء مكتب تمثيلي في هرجيسا، عاصمة 'صوماليلاند'، لمواجهة النفوذ الصيني، وبعد زيارة الرئيس السابق لـ'أرض الصومال' موسى عبدي للولايات المتحدة، ومشاركته في فعالية نظمتها مؤسسة 'هيريتاج 'للدفاع عن الاعتراف الأميركي، قدم عضو مجلس النواب الجمهوري سكوت بيري، وعضو مجلس الشيوخ الجمهوري السيناتور جيم ريش تشريعاً للاعتراف بـ'أرض الصومال' تحت الرقم 3922، يهدف إلى تغيير المشهد الجيوسياسي من خلال الاعتراف بـ'أرض الصومال' كدولة مستقلة، منفصلة عن جمهورية الصومال الفيدرالية، لكن على رغم أن أياً من المشروعين لم يصبح قانوناً، فإن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مررته بدعم من الحزبين في الصيف الماضي.
وفي الآونة الأخيرة، ادّعى الرئيس الحالي لإقليم 'أرض الصومال' عبدالرحمن محمد عبدالله أنه بعد محادثات مع ترمب، سيحصل الإقليم على أول اعتراف دبلوماسي له من الولايات المتحدة، وعلى رغم أن الولايات المتحدة نفت انتهاك سيادة الصومال، فإنه بدا حينذاك أن استقلال 'صوماليلاند' بات وشيكاً، ففي أغسطس (آب) الماضي، حث السيناتور الجمهوري تيد كروز الرئيس ترمب في رسالة على الاعتراف بـ'صوماليلاند'، مؤكداً دورها في مواجهة الصين ومستشهداً بمصالح الأمن القومي الأميركي.
وفي 8 أغسطس الماضي، صرح ترمب بأن إدارته تدرس الاعتراف باستقلال إقليم 'صوماليلاند' بعدما ذكرت وكالة 'بلومبيرغ' في الـ30 من يوليو (تموز) أن حكومة 'صوماليلاند' عرضت منح واشنطن حق الوصول إلى قاعدة عسكرية على أراضيها، إضافة إلى صفقات معادن حيوية، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بدولتها.
لكن جميع هذه الجهود والدراسات لم تحقق هدفها لاعتبارات عدة، فعلى رغم حماسة ترمب لإبقاء القوات الأميركية في الصومال - يصل عددها حالياً إلى نحو 500 فرد - معنية بتدريب قوات النخبة الصومالية وتشارك معها في شن هجمات ضد 'حركة الشباب' الصومالية المتشددة التابعة لتنظيم 'القاعدة'، وكذلك تنظيم 'داعش' المحدود الانتشار في الصومال، فإنه لم يصل بعد إلى درجة نفاد الصبر التي تدفعه إلى سحبها لأنه لا توجد خيارات جذابة لديه في الوقت الحالي، فالانسحاب المفاجئ سيفتح الباب أمام عودة 'حركة الشباب' بقوة، وأن دعم استقلال 'أرض الصومال' لن يسهم كثيراً في معالجة مشكلات الصومال، وقد يثير معارضة من القوى الإقليمية التي تخشى أن تشكل هذه السابقة دافعاً للانفصال في أماكن أخرى.
وربما يعكس تردد ترمب في سحب القوات الأميركية، فهم الإدارة أنه مهما كانت رغبتها في رحيل القوات، فإن التسرع في الانسحاب قد تكون له عواقب غير مرغوب فيها وهي سياسة لم تكن إدارة ترمب أول من يواجه صعوبات فيها، فمنذ سنوات، دعمت الولايات المتحدة حملة الحكومة الفيدرالية الصومالية الضعيفة ضد 'حركة الشباب'، حتى مع تزايد الإحباط في واشنطن من القيادة في مقديشو ومشروع بناء الدولة المتعثر.
توجد توجهات فكرية عدة متوازية في واشنطن، إذ يشكو البعض من أن الانتشار في الصومال جزء مما يصفه فريق ترمب بـ'الحروب الأبدية' وهي العبارة التي صيغت لوصف الحملات العسكرية الأميركية المفتوحة التي أعقبت هجمات 'القاعدة' في الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، ويريد هذا المعسكر انسحاباً سريعاً، بينما يقول آخرون إن الولايات المتحدة ستخدم مصالحها بصورة أفضل من خلال تحويل تركيزها في القرن الأفريقي إلى 'أرض الصومال'.
وهناك خيار ثالث مطروح دائماً كما يشير تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن، وهو أن يحذو ترمب حذو الإدارات الأميركية السابقة، التي وجدت أن الاستمرار على النهج نفسه هو الخيار الأقل سوءاً، وقد وصف البيت الأبيض في عهد بايدن هذا النهج بأنه منخفض الكلفة وقليل المخاطر، معترفاً ضمنياً بأنه مصمم لاحتواء 'حركة الشباب'، لكنه لن يسهم كثيراً في التوصل إلى حل طويل الأمد.
تستند الحجج المؤيدة لاعتراف الولايات المتحدة بـ'أرض الصومال' إلى مكونات عدة، إذ يعد موقعها الاستراتيجي البالغ الأهمية وأهميتها البحرية حجة رئيسة بين مؤيدي الاعتراف بها، حيث تمتلك ساحلاً طويلاً على طول خليج عدن، وأظهرت هجمات الحوثيين على السفن الأميركية الحاجة إلى تعزيز الوجود البحري في المنطقة، في وقت أبدت فيه 'صوماليلاند' استعدادها للتعاون مع القوى الأجنبية مقابل الاعتراف بها، إذ يمكن أن تكون بديلاً أقل كلفة لجيبوتي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي استغلت أهميتها برفع أسعار إيجار القاعدة العسكرية الأميركية هناك.
ليست الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي فكّرت في التعاون مع 'صوماليلاند' لضمان الأمن في البحر الأحمر، فقد أعربت الإمارات وإثيوبيا، وهما حليفتان مقربتان، عن اهتمام مماثل، وبدأت إثيوبيا، الدولة غير الساحلية، بإعادة بناء قوتها البحرية، بهدف أن تصبح قوة إقليمية في تجارة البحر الأحمر، تزامناً مع سعي شركات بحرية مقرها دبي إلى تطوير ميناء بربرة والاستثمار فيه، وفي حال اعتراف الولايات المتحدة بـ'صوماليلاند'، فلن تجد الولايات المتحدة صعوبة في إيجاد شركاء إقليميين يحذون حذوها.
أما الخيار الأكثر إثارة للقلق الذي يعرض على 'أرض الصومال'، فهو إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين من غزة فيها مقابل الاعتراف بها، لكنه من غير المرجح أن تقبل 'صوماليلاند' بهذه الصفقة، لأن تدفق أكثر من مليوني لاجئ سيؤدي إلى كارثة داخلية ويجعلها منبوذة في العالمين العربي والإسلامي.
ويعود السبب في تردد إدارة ترمب في اتخاذ خطوة الاعتراف بـ'أرض الصومال' إلى التداعيات المحتملة على كل من الصومال والعالم العربي والقارة الأفريقية.
ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصومال ضعيفة في فترة ما بعد انهيار الشيوعية بسبب غياب سلطة مركزية في البلاد، وقوبل اقتراح الحكومة الصومالية منح الولايات المتحدة السيطرة على ميناء وقاعدة جوية في بربرة، وهي مدينة لا تسيطر عليها الحكومة المركزية، بالسخرية من قبل قيادة 'صوماليلاند'، التي اعتبرته محاولة يائسة لكسب الدعم الأميركي لإعادة دمج 'صوماليلاند'.
أسفر عجز الحكومة الفيدرالية الصومالية عن مكافحة 'حركة الشباب' والقراصنة قبالة سواحلها إلى إحباط خبراء الأمن الأميركيين باستمرار، بخاصة عقب معركة مقديشو سيئة السمعة عام 1993، والمعروفة باسم حادثة سقوط طائرة 'بلاك هوك'، التي أصبحت إهانة كبيرة للجيش الأميركي، كونها أسفرت عن أكبر عدد من الضحايا الأميركيين منذ حرب فيتنام.
أدت هذه المعركة إلى انسحاب قوات الأمم المتحدة من الصومال، وتردد الولايات المتحدة في التدخل في الشؤون الأفريقية، التي أصبحت تعرف باسم 'متلازمة الصومال'، ولهذا فضلت الولايات المتحدة اتباع نهج عدم التدخل في الصومال، حيث قدمت الدعم العسكري لحلفائها الإقليميين من دون تدخل مباشر.
لكن بعد عقود من التدخل الأميركي الكارثي، فشل الصومال في تحقيق الاستقرار، بل غرق في فوضى أعمق، وإذا اعترفت الولايات المتحدة بـ'أرض الصومال'، فسيكون ذلك بمثابة إشارة إلى تخلي الولايات المتحدة عن ثقتها في صومال موحد، لمصلحة التعاون مع دول صومالية أصغر قد يؤدي حصولها على الضوء الأخضر للاستقلال إلى سلسلة انفصالات عن الصومال.
سيكون الاعتراف بـ'أرض الصومال' خطوة غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة من شأنها أن تعيد ترتيب ديناميكيات القوة، وتطلق حركات انفصالية أخرى، حيث يهدد هذا النهج الميكيافيلي في السياسة الخارجية بتأجيج عدم الاستقرار وتقويض وحدة الأراضي، مما قد يدعو إلى تدخل أكبر من قبل قوى أخرى.
تبدو غالبية الدول العربية غير متحمسة لهذه الفكرة، وعلى رأسها أهم حليفين للولايات المتحدة وهما السعودية ومصر، حيث اعتبرت السعودية أن خطوة إسرائيل بالاعتراف بـ'أرض الصومال' ترسخ إجراءات أحادية انفصالية تتناقض مع القانون الدولي.
وأكدت وزارة الخارجية السعودية على دعم الرياض الكامل لسيادة الصومال ووحدة أراضيها وسلامتها، كما رفضت محاولات فرض كيانات موازية تقوض استقرار الصومال، مما يعكس خشية السعودية من تحول جنوب البحر الأحمر وخليج عدن إلى ساحة تنافس جيوسياسي، وساحة للصراعات الدولية، التي تؤجج التوتر في منطقة حيوية للأمن القومي لدول البحر الأحمر جميعاً، حيث تمر 12 في المئة في الأقل من التجارة الدولية.
أما مصر فقد تعرضت لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة، بسبب النزاعات المائية مع إثيوبيا وحرب إسرائيل على غزة، ولهذا تموضعت مصر كحليف للصومال بعد الاتفاق بين 'صوماليلاند' وإثيوبيا، لتحل محلها كشريك أمني أفريقي رئيس للصومال.
وترى مصر أن مصالحها الإقليمية مهددة من قبل الطموحات الإثيوبية في البحر الأحمر وهجمات الحوثيين السابقة على الملاحة العالمية بينما تشعر مصر بالفعل بالإحباط من نقص الدعم الأميركي في شأن 'سد النهضة' الإثيوبي على النيل الأزرق، وقد تشعر بالضرر من وقوف الولايات المتحدة إلى جانب منافسها مرة أخرى من خلال الاعتراف بإقليم 'أرض الصومال'، بخاصة أن مصر رفضت سابقاً صفقة تحصل بموجبها على دعم في قضية السد مقابل قبول خطة إعادة توطين سكان غزة.
ومن المرجح أن يؤدي أي اعتراف من الولايات المتحدة بـ'أرض الصومال' إلى إثارة الجدل والتوتر في العالم العربي، فالصومال عضو في جامعة الدول العربية، وتربطه علاقات سياسية واقتصادية وثيقة بالدول العربية الأخرى، وسينظر إلى دعم الولايات المتحدة لتقسيم دولة عربية، في وقت تعرقل فيه استقلال فلسطين، على أنه إهانة رمزية وعمل عدواني ضد العالم العربي.
منذ إنهاء الاستعمار في أفريقيا، لم تنجح سوى 3 دول في الانفصال عن دولة أفريقية أخرى هي ناميبيا عام 1990 عن جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري، وإريتريا عن إثيوبيا عام 1993، وجنوب السودان عن السودان عام 2013، ولهذا فإن احتمالات نجاح أي دولة في الانفصال في أفريقيا تعد ضئيلة من وجهة نظر دول الاتحاد الأفريقي التي تعاونت في ما بينها على مدى عقود لمنع تقسيم الدول الأعضاء إلى دول أصغر، ولأن معظم الدول الأفريقية متعددة الأعراق، فإنها جميعاً تشترك في الخوف من الحركات الانفصالية، وتتعاون لمنع الانفصال في البلدان الأخرى لتجنب تأثير الدومينو المحتمل الذي من شأنه أن يعزز حركاتها الانفصالية الداخلية والتي تنطبق على حالات مثل بيافرا (نيجيريا)، وأزواد (مالي)، وأمبازونيا (الكاميرون).
نتيجة لذلك، فإن قيام القوة العظمى الرائدة في العالم بتمكين انفصال منطقة، من شأنه أن يعزز الحركات الانفصالية في بقية القارة، وبخاصة في ولايتي 'بونتلاند' و'جوبالاند' في الصومال، حيث سيكون اعتراف الولايات المتحدة بهذا الانفصال غير مسبوق، ومن المرجح أن يضر بالعلاقات مع الاتحاد الأفريقي.
ولهذا يتردد الرئيس ترمب في إغضاب كل هذه الأطراف في وقت واحد بما يهدد المصالح الأميركية وقد تكون له عواقب وخيمة تسمح للصين وروسيا بمزيد من تمدد نفوذهما الجيوسياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو آخر ما تريده إدارة ترمب في الأقل في الوقت الراهن.
ومع ذلك، قد يؤدي قرار إسرائيل الأخير إلى تشكيل جبهة ضاغطة في أروقة البيت الأبيض والكونغرس لتشجيع ترمب على اتخاذ خطوة مماثلة تدعم مصالح إسرائيل بدعوى أنها تقر بالأمر الواقع وبالمصالح الحيوية المباشرة للولايات المتحدة.

















