اخبار الصومال
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
نجح في التقارب مع مصر وإريتريا وخطا بدبلوماسية مع إثيوبيا
جددت تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الجدال حول مواقف حكومته تجاه القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، إثر الحوار الذي أجراه مع قناة 'العربية'، وكان قد استبق ذلك بحضوره المثير للجدال في التدشين الرسمي لسد النهضة الإثيوبي الذي تعده كل من مصر والسودان مهدداً وجودياً لهما لتشييده بمناقضة المعاهدات التاريخية المبرمة حول توزيع حصص مياه النيل.
ومشاركة شيخ محمود في تدشين سد النهضة أتت بعد إبرامه بروتوكولاً للتعاون العسكري مع مصر على خلفية توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند - غير المعترف به دولياً - لامتلاك موانئ سيادية في السواحل الصومالية، مما دفع مقديشو إلى إطلاق حملة دبلوماسية واسعة، بخاصة تجاه العواصم التي تربطها علاقات مضطربة مع أديس أبابا كالقاهرة وأسمرة.
وكان الرئيس الصومالي قال في حواره التلفزيوني إن 'سد النهضة الإثيوبي يمثل خطوة إيجابية ناجحة'، مشيراً إلى أنه 'يعد مشروعاً ضخماً استمر بناؤه لأكثر من عقد من الزمن، والغرض الأساس منه هو توليد الكهرباء'، متوقعاً أن يكون له أثر بالغ في الاقتصاد الإثيوبي والمنطقة بأسرها. ونوه بأنه تلقى تأكيدات من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على رغبة أديس أبابا للجلوس مع أي طرف لديه مخاوف حول السد ومياهه، مؤكداً أهمية الحوار في معالجة القضايا العالقة بين الدول الثلاث.
وفيما يخص مساعي إثيوبيا للوصول إلى منفذ بحري أوضح حسن شيخ محمود أنه لم يَرَ ما يدل على وجود حرب أو نزاع حول هذا الأمر، مضيفاً أن ما يتداول حول احتمال اندلاع قتال مع إريتريا لا يتجاوز حدود الإشاعات. وأوضح أن هناك 16 دولة أفريقية حبيسة لا تطل على البحر، وإذا أرادت إثيوبيا الوصول إليه فهناك طرق متعارف عليها دولياً.
وأثارت تصريحات الرئيس الصومالي حالة من الجدال بين المراقبين والمتخصصين في شؤون منطقة القرن الأفريقي، إذ طرح عدد من المراقبين أسئلة عدة عن تقلبات مواقف مقديشو بين الأحلاف السياسية والعسكرية القائمة في المنطقة، فيما عد بعضهم شيخ محمود 'شخصية براغماتية' تتصف بمقومات رجل السياسة الذي يحاول الحفاظ على مسافات متقاربة بين كافة القوى الدولية والإقليمية المتناقضة والمتصارعة في المنطقة.
بدوره رأى المتخصص في الشأن الصومالي محمد عيدي أن حكومة حسن شيخ محمود أبدت مرونة مثالية في مناقشة جميع القضايا التي تمس الأوضاع الصومالية بطريقة دبلوماسية، بما في ذلك مع من حاول الاستيلاء على سواحل البلاد من خلال إبرام اتفاق مع رئيس إقليم صوماليلاند غير المعترف به، وتحديداً مع رئيسه الذي كانت ولايته الانتخابية قد انتهت من قبل نحو عامين من الاتفاق. وقال إن الضرورة اقتضت إبرام الصومال لاتفاقات ثنائية وثلاثية مع دول المنطقة بغرض تأمين المصالح المشتركة للأطراف، لكن تلك الاتفاقات التي ترقى لمستوى التحالف لم تكن موجهة بالضرورة للإضرار بأي دولة أخرى، بقدر ما كانت تهدف إلى حماية المصالح المشتركة، واحترام القانون الدولي بجانب سعيها إلى ردع أي توجه يناقض القانون الدولي، وشروط الأمن الاستقرار في المنطقة عموماً. وأوضح أن اتفاق الدفاع المشترك المبرم مع مصر يأتي في هذا الإطار وحقق جزءاً كبيراً من أهدافه، أهمها حماية الأراضي والسواحل الصومالية من الأطماع، بما في ذلك إجهاض مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا، وضمان مشاركة القوات المصرية في عمليات حفظ السلام ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي ومكافحة الإرهاب.
ولفت الانتباه إلى أن توقيع الاتفاق بين الصومال ومصر كان كفيلاً بردع التوجه الإثيوبي الهادف إلى امتلاك سواحل سيادية داخل الأراضي الصومالية، مؤكداً أن من نتائج الاتفاق قبول أديس أبابا بمسار التفاوض في تركيا وتحقيق اختراق كبير فيما يخص المطالب المتعلقة بالمنافذ البحرية.
ونفى عيدي أن تكون مشاركة الرئيس الصومالي في تدشين سد النهضة إشارة إلى انتهاء التحالف العسكري مع مصر، مؤكداً أن الزيارة تزامنت مع زيارة وفد عسكري مصري للصومال بغرض تهيئة الأرضية لوصول القوات المصرية إلى مقديشو. وتابع أن التنسيق بين القاهرة ومقديشو لا يزال قائماً على أعلى مستوياته، إذ تدرب القاهرة آلاف العناصر من الجيش الصومالي. ورجح أن يكون شيخ محمود نسق مع القاهرة في شأن مشاركته بحفل تدشين سد النهضة، مدللاً على ذلك بأن التصريحات التلفزيونية تضمنت عرضاً صومالياً لدعم كل من مصر وإثيوبيا وكذلك السودان، من أجل تعزيز التفاهم بينهم حول هذه القضية، التي لم تحسم بعد، معرباً عن اعتقاده أن حلاً إيجاباً سيأتي في النهاية.
وذكر أن الصومال في الوقت ذاته يتمتع بعلاقات متميزة مع إريتريا التي تشهد علاقاتها توتراً كبيراً مع إثيوبيا، مشيراً في هذا الصدد إلى النصائح التي أسداها شيخ محمود فيما يتعلق بمطالب أديس أبابا وضرورة مناقشتها في إطار إحكام القانون الدولي، الذي يضمن للدول الحبيسة إمكان الوصول الآمن للبحار، وذلك من خلال الاتفاق مع الدول الساحلية المجاورة، وهو ما يتسق مع موقف مقديشو تجاه مذكرة التفاهم المبرمة بين أديس أبابا وهرجيسا.
ولفت الانتباه إلى أن الفارق الموضوعي الوحيد أن مقديشو ترجح خيارات التواصل والحوار عوض القطيعة والدخول في أزمات ثنائية، بخاصة أن هذا الخيار أثمر نتائج ملموسة، وأدى إلى إعلان أنقرة الذي تعهد فيه الجانب الإثيوبي احترام سيادة الصومال براً وبحراً، ومن ثم فإن سياسة شيخ محمود ترتكز على استراتيجية التحالف الإيجابي مع جميع الأطراف.
من جهته يقرأ المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون أن مشاركة الرئيس الصومالي في فعاليات تدشين سد النهضة كسر قمة جبل الثلج، وأسهم في بناء جسوراً جديدة من الثقة بين قيادتي البلدين.
ونبه إلى أن اللجوء إلى صوماليلاند كمنفذ محتمل لإثيوبيا لم يكن خياراً أولاً لتحقيق مساعي أديس أبابا، بل هو خيار بديل لتجاوز الأزمة مع إريتريا، بخاصة بعد رفض أسمرة التحاور حول مطالب إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر في إطار ما يعرف بـ'الحقوق التاريخية'، حين ظلت الموانئ الإريترية خاضعة للسيادة الإثيوبية في الفترة من 1952 وحتى عام 1991.
ويفسر بيهون تخلي إثيوبيا عن مذكرة التفاهم مع صوماليلاند، محكوم بالظروف الإقليمية والدولية من جهة، ولتوفر حجج قانونية ودبلوماسية قوية للمطالبة بميناء عصب في البحر الأحمر من الجهة الأخرى.
ويتفق المحلل السياسي الإثيوبي مع نظيره الصومالي في أن القيادة الحالية لمقديشو تتمتع بقدر عالٍ من السلوك الدبلوماسي براغماتي الطابع، إذ يجيد شيخ محمود اللعب على التناقضات القائمة بين جميع الأطراف في المنطقة وخارجها، بما في ذلك مع الدول البعيدة من القارة السمراء مثل تركيا، إذ تمكن في وقت قصير من تحقيق الأهداف الرئيسة من خلال تنويع تحالفاته مع مصر وإريتريا وتركيا، بجانب الحفاظ على حبال الود مع دول الخليج العربي والولايات المتحدة. وأكد أن الصومال شهد في عهد شيخ محمود طفرات دبلوماسية كبيرة، على رغم عقده لتحالفات متناقضة، من بينها التحالف الثلاثي مع كل من مصر وإريتريا، وهما دولتان تعلنان تناقضهما الجوهري مع المواقف الإثيوبية، بخاصة في ملفي سد النهضة وأجندة الوصول الآمن للبحر الأحمر.
وعد بيهون التوصل إلى 'اتفاق أنقرة' بين البلدين يكشف من جهة أخرى انفتاح أديس أبابا على الحوار والتفاوض حول أجندتها البحرية، ومن ثم فإن الاتفاق الموقع بإشراف الرئيس التركي حفظ للطرفين حقوقهم، وجنبهما الدخول في مواجهات مباشرة، كما شرع الأبواب واسعة للتعاون الاقتصادي والأمني، وأعاد حسابات مقديشو للقبول مجدداً بمشاركة القوات الإثيوبية في مهام حفظ الأمن والسلام بالصومال في إطار البعثة الأفريقية.
وأشار إلى أن ثمة خلافات لا تزال عالقة بين البلدين تتعلق بنشر قوات مصرية خارج إطار مهام البعثة الأفريقية، إذ ترى إثيوبيا أن انتشار القوات المصرية قرب حدودها المشتركة مع الصومال سيعني بمثابة 'إعلان حرب'، بالتالي فهي تعمل بصورة دبلوماسية لإقناع شيخ محمود بخطورة مثل هذه التدابير وضرورة اقتصار عمل الوحدات المصرية في إطار مهام البعثة الأفريقية لحفظ السلام.
وختم حديثه بترجيح تفهم مقديشو مخاوف أديس أبابا والاكتفاء باستقبال الوحدات المصرية المشاركة في مهام الاتحاد الأفريقي لحفظ الأمن والسلم، بخاصة بعد تراجع مخاوف الصومال من توجه إثيوبيا نحو سواحل صوماليلاند، كما تترقب أديس أبابا مساعي شيخ محمود تجاه حليفته إريتريا لإطلاق مفاوضات مباشرة مع أديس أبابا حول المنافذ البحرية للوصول إلى صيغة تحفظ سيادة أسمرة وتحقق لأديس أبابا أفضلية في خدمات الموانئ، مما قد يسهم في إخماد التوتر القائم.