زيارة رئيسي والتوجس الإسرائيلي

في توقيت حسّاس للمنطقة على صعيد عدة ملفات، وبعد انتهاء الحرب في سوريا، يزور الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي دمشق، لبحث عدة ملفّات. قراءة في أبرز دلالات الزيارة وأهميتها على صعيد العلاقات السورية - الإيرانية.

في زيارة أولى لرئيس إيراني إلى سوريا بعد 13 عاماً، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إبراهيم رئيسي في دمشق، على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى، تلبيةً لدعوة رسمية من نظيره السوري بشار الأسد.

وتأتي الزيارة، في الوقت الذي تغيّر اتجاه بوصلة معظم الدول العربية نحو سوريا، وباتت تحاول إعادة العلاقات معها عبر مختلف الطرق، من الإجراءات الدبلوماسية لإعادة فتح السفارات إلى التمهيد لعودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وأيضاً تأتي الزيارة عقب جو المصالحات في المنطقة والذي على رأسه المصالحة الإيرانية - السعودية، والسعودية السورية، والحديث عن تراجع وانحسار الحضور الأميركي في المنطقة لصالح التعاون البيني بين دولها، وكذلك في وقت تتزايد فيه الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على مواقع سوريّة، تقول 'إسرائيل' إنها تحوي عناصر أو أسلحة أو مصالح إيرانية.

فما هي دلالات هذه الزيارة، في توقيت حساس للمنطقة على صعيد عدة ملفات، وهل في جعبة الرئيس الإيراني اليوم رسائل جديدة لم تظهر إلى العلن من قبل؟

في هذا السياق، قال الدبلوماسي الإيراني السابق سيد هادي سيد أفقهي، للميادين نت، إنّ العلاقة بين إيران وسوريا علاقة مميّزة ومصيرية، وذات 'تهديدات وفرص مشتركة'، مشيراً إلى أن إيران أوّل من وقف إلى جانب سوريا عندما هدّدها الاستكبار العالمي، و'التحق أبناؤها بالبعد الميداني والعسكري والأمني لمواجهة الحرب الكونية على سوريا'.

وعن التحضيرات لهذه الزيارة وردّات الفعل من الأصدقاء والأعداء، علّق أفقهي بأنّ استقبال هذه الزيارة باعتدءات إسرائيلية على سوريا، تُظهر شدة 'الارتجاج والرعب والتوجس الذي يشعر به العدو الصهيوني من هذه الزيارة'.

وتحدّث أفقهي عن مرحلة إعادة البناء في سوريا، معتبراً أنّها مرحلة 'حسّاسة ودقيقة، وتحتاج إلى فكر وهندسة، لا تشبه الحرب الميدانية'، مضيفاً أنّه لا يوجد فيها تقدّم وتأخّر وانسحاب وهجوم، لكن كل خطوة في مرحلة إعادة البناء يجب أن تكون علمية وهندسية ومدروسة، 'خصوصيات إعادة البناء شيء مختلف، وإيران تمتلك خبرات هائلة في هذا الموضوع'.

وأوضح الدبلوماسي الإيراني السابق أنّ الوفد الذي يرافق السيد رئيسي ليس وفداً سياسياً بحتاً، بل سيرافقه وزارء من 'مختلف الاختصاصات والمجالات'، مضيفاً أنّ بين هذه الاختصاصات 'التجارة، البنوك والقضايا المصرفية، والقضايا التقنية والفنية، وبسبب الأوضاع الخاصة بين محور المقاومة والعدو الصهيوني ستكون هناك بالتأكيد اتفاقيات على مستوى التسليح والشراكة الأمنية الأكثر ترسيخاً'.

وأكد أفقهي للميادين نت، أنّ عنوان الزيارة الأساسي هو 'مشاركة إيران في إعادة الإعمار، فبالتأكيد سنسمع عن توقيع عدة اتفاقيات'، مشيراً إلى أنّه 'بحسب مصادر خاصة، من وزارة الخارجية، سيكون هناك توقيع وثيقة استراتيجية وطنية بين البلدين لترسيخ التعاون بينهما لمدة طويلة، ربما تكون 20 عاماً أو أكثر على غرار الاتفاقيات التي حصلت بين إيران والصين، وروسيا'.

وتابع أفقهي أنّه سيتم البحث خلال الزيارة بنتائج 'الوساطات الإيرانية الروسية للمصالحة بين سوريا وتركيا'، مضيفاً أنّ هناك اقتراحات ستقدّمها 'إيران لتسهيل عملية التطبيع بين تركيا وسوريا'.

واعتبر أفقهي أنّ حجم ونسبة التبادلات بين سوريا وإيران أكثر من أي بلد آخر، مشدداً على أنّه من الصعب أن تستبدل سوريا هذه العلاقة مع إيران بأي دولة أخرى 'بسبب العلاقات المميّزة والتفاهمات والتحديات والفرص'.

وكشف الدبلوماسي الإيراني أنه يتم البحث في 'تأسيس ميناء تديره إيران في سوريا، بما يتعلق بالنفط، في اتفاقية طويلة الأمد'.

النائب في مجلس الشعب السوري، خالد العبود، اعتبر في تصريح للميادين نت، بأنّ العلاقة السوريّة الإيرانيّة، لم تعد علاقة تقليديّة بين دولتين متحالفتين، أو بين دولتين تربطهما علاقات دولية كلاسيكيّة، 'بسبب المراحل المتعددة التي مرت بها هذه العلاقة، فتطورّت ونمت وأخذت أشكالاً عديدة، تجاوزت بها، ومن خلالها، المعنى التاريخيّ للعلاقات الدولية المعروفة'.

ويشرح العبود أنّه تشكَّل مستويان لهذه العلاقة، فهي من جهة علاقة بين دولتين بالمعنى التاريخيّ الطبيعيّ، لمعنى العلاقات الدوليّة التاريخيّة، وهذا واضح تماماً في أشكالٍ سياسيّة واقتصاديّة وثقافية وحتّى اجتماعيّة، وقد تجلّى ذلك بمجموعة واسعة من الاتفاقات العديدة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية، تماماً مثلما هناك علاقات بين كلّ من سوريا وإيران مع بعض الدول الأخرى على مستوى العالم.

وأضاف النائب السوري أنّ هناك مستوى آخر لهذه العلاقة، يتجلّى 'بعمق التعاون الذي وصل حدّ الدفاع المشترك عن المصير الواحد'، فيما لو تعرّضت إحدى الدولتين، لأيّ عدوان خارجيّ، وهذا يبدو واضحاً تماماً، في موقف سوريا من العدوان على إيران، في أكثر من مرحلة تاريخيّة، واصطفاف سوريا الكامل دفاعاً عن إيران، وكذلك موقف إيران واصطفافها الكلّي إلى جانب سوريا دفاعاً عنها.

وتابع أنّ إيران حريصة على أمن الإقليم واستقراره، بمعنى أنّها حريصة على علاقات طبيعية فيما بين دول الإقليم، وبالتالي حريصة على علاقات طبيعية جدّاً، فيما بين سوريا ودول الإقليم، وهو ما تفعله بالضبط لجهة العلاقة السورية - التركية، ناهيك عن دعمها المطلق للتقارب السوري - العربيّ.

وعن دلالات الزيارة الإيرانية إلى سوريا والتي تأتي من أعلى المستويات، أكد العبود للميادين نت، أنّ هُناك مرحلة جديدة تمرّ بها المنطقة، وهي المرحلة التي كانت تعمل عليها سوريا وإيران، وأضاف 'تعتقد سوريا وإيران أنّ مستلزمات الدخول إلى المرحلة الجديدة، تقتضي ترتيب عناوين مهمة في العلاقة السوريّة - الإيرانيّة، كون أنّ هناك جملة واسعة من العناوين التي يجب أن يتمّ استثمارها اقتصاديّاً، ويتمّ الدفع بها بهذا الاتجاه، كي تتناسب مع متحوّلات هذه المرحلة، وتحاكي خارطة الأمن والاستقرار الصاعدة لها'.

وأكد النائب السوري أنّه ستكون هناك مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية الجديدة التي تعبّر عن جوهر هذه العلاقة، والتي تتناسب مع طبيعة المرحلة التي تمرّ بها المنطقة.

من جهته، يُوضح المحلل السياسي السوري محمد كمال الجفا للميادين نت، أنّ العلاقات السورية الإيرانية ترسّخت منذ بداية الثورة الإيرانية، وحتى خلال الحرب الإيرانية العراقية التي وقفت فيها سوريا إلى جانب الشعب الإيراني، ودعمت توجّهاته الجديدة، وقال 'كان الموقف السوري يومها مُفاجئاً وصادماً للجميع، لأنّ رؤية الرئيس الراحل حافظ الأسد لأسباب تلك الحرب ومسبّباتها وأهدافها، اختلفت عن رؤية وأسباب وخلفيّات ومواقف القادة العرب الذين دعموا العراق، وتيقن الجميع فيما بعد أنّ موقفهم كان خاطئاً وكارثياً على المنطقة بأكملها'.

وتابع الجفا أنّ هذه العلاقة ترسخت أكثر من خلال المواقف الإيرانية الداعمة وبلا تحفّظ للمقاومة الفلسطينية، ولحقّ الشعب الفلسطيني المشروع، وتبنّت إيران حركات المقاومة الفلسطينية بغض النظر عن اتجاهاتها السياسية والدينية رغم الاختلاف الشديد في الناحية العقائدية.

ويكمل المحلل السياسي للميادين نت، أنّ المواقف السورية والإيرانية كانت متطابقة كُلياً في هذا الخط المتمايز عن باقي دول المنطقة، وبالتالي كان للمجهود الإيراني دور كبير في تثبيت واستمرار وتطوّر حركات المقاومة الفلسطينية، بالتنسيق الكامل مع سوريا في كل المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والمالية واللوجستية، وأيضاً، عززت هذه الرؤية المتطابقة من القضية الفلسطينية العلاقات التاريخية بين البلدين.

وطرأ مفصل أساسي على هذه العلاقات بعد بداية الحرب على سوريا عام 2011، وانتقلت إلى مرحلة التشبيك الميداني الكامل على الأرض السورية، بعد وضوح خلفيات وأسباب هذه الحرب والشعارات التي رفعت خلالها والتي تبيّن أنّ الهدف منها هو تركيع وتدفيع إيران ثمن تحالفها مع سوريا لخلفيات عديدة أهمها هو لدعمها القضية الفلسطينية والفصائل العسكرية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، ما دفع إيران إلى الدخول في هذه المعركة المصيرية بكل ثقلها، وكانت الوحيدة تقريباً إلى جانب سوريا عندما تخلى العالم بأجمعه عن الوقوف إلى جانب الدولة والقيادة والشعب السوري.

كل المواقف التي سلف عرضها بحسب الجفا، أثبت للصديق والعدو، استحالة انتزاع سوريا من قلب هذا التحالف، وبالتالي مستجدات العلاقات والتحالفات التي يتمّ نسجها بعد تنامي الدور الصيني والروسي والتركي، واتخاذ هذه الدول قرارات هامة جداً ومصيرية بإعادة بناء العلاقات البينية والتحالفات بين دول المنطقة بعيداً عن الهيمنة الأميركية.

وأكد للميادين نت، أنّه جعل الدور الإيراني مؤثراً ومتميزاً في حلحلة صراعات المنطقة وخاصة بعد عودة العلاقات السعودية والإيرانية والتي سيكون لها تأثير هام ومصيري وإيجابي على ثلاث ملفات إقليمية ساخنة ودامية وهي الملف السوري والملف اليمني والملف اللبناني.

وحول ما يُحكى عن مطالبات أو شروط على سوريا فيما يخص العلاقة مع طهران، علّق جفا بالقول إنّه بعد الانتقال من حالة الصدام الكلي المباشر عبر الحرب إلى حالة التنسيق والتقارب، وربما التحالف بين القوى الإقليمية، 'لن تكون هناك تنازلات أو تغيير في قواعد التحالف السوري الإيراني'.

وأكد أنّ ما عجزوا عن انتزاعه بالقوة 'لن يحصلوا عليه بالسياسة ولا بالإغراءات المالية ولا بالوعود في تحقيق مستقبل مشرق وواعد للسوريين ضمن مغريات مشاريع إعادة الإعمار'.

وفي سياق متصل، يسود الترقّب لدى الاحتلال الإسرائيلي لزيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى سوريا، وهي زيارة وصفها الإعلام الإسرائيلي بالاستثنائية، ويجب أن تُقلق 'إسرائيل'، من حيث دلالاتها ونتائجها، سياسياً وأمنياً، وحتى دبلوماسياً.

وبحسب محللين إسرائيليين، فإنّ الجانب الاستراتيجي في زيارة رئيسي المرتقبة هو مركز الثقل فيها، إذ تعتمد طهران، بحسب المحللين الإسرائيليين، تفكيراً جديداً بشأن سياساتها في الشرق الأوسط.