اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
استدعاء القائم بالأعمال في سفارة باريس مرتين خلال أسبوع وحديث عن تصدع بين الرئيس إيمانويل ووزير داخليته
يبدو أن الجزائر وفرنسا تحاولان التقاط الأنفاس سعياً إلى تهدئة متبادلة بعدما بلغت حد 'النبش' في الملف الدبلوماسي بين البلدين بصورة تثير مخاوف من تصعيد قد يعصف بما تبقى من خيط أمل في عودة الأمور إلى نصابها.
وارتفع التوتر بين الجزائر وباريس إلى مستويات 'خطرة'، إذ أقدمت الجزائر على سحب بطاقات الامتياز الخاصة بدخول الموانئ والمطارات من الدبلوماسيين الفرنسيين، رداً على استمرار العراقيل التي تواجهها السفارة الجزائرية لدى باريس في إيصال وتسلم الحقائب الدبلوماسية. واعتبرت الخارجية الجزائرية في بيان أن قرارها يندرج في سياق تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل.
وكانت باريس قد قررت ومن دون سابق إنذار، منع الدبلوماسيين الجزائريين من دخول منطقة تسليم وتسلم الحقيبة الدبلوماسية في المطارات الفرنسية، مما دفع وزارة الخارجية الجزائرية إلى استدعاء القائم بالأعمال في سفارة فرنسا للمرة الثانية في غضون أسبوع للحصول على توضيحات.
الخارجية الجزائرية رأت أن التصرف الفرنسي يمثل انتهاكاً واضحاً لأحكام اتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لا سيما الفقرة السابعة من مادته الـ27، مؤكدة أن هذا القرار يشكل مساساً خطراً بحسن سير مهمات بعثتها الدبلوماسية في فرنسا. وشددت على احتفاظها بكل حقوقها في اتخاذ التدابير القانونية المناسبة، بما في ذلك اللجوء إلى الهيئات الدولية المختصة لضمان احترام الاتفاقات الدولية وحماية طواقمها الدبلوماسية.
يظهر جلياً أن التوتر بين الجزائر وباريس ليس عابراً بل يزداد تصعيداً، فسبق أزمة 'الحقائب الدبلوماسية' بثلاثة أيام، إعلان وزارة الداخلية الفرنسية أنها تدرس إمكان عدم الاعتراف بجوازات السفر الجزائرية الجديدة كرد مباشر على قرار البلد الشمال أفريقي تسهيل حصول مواطنيه، بمن فيهم المقيمون في الخارج بوضع غير قانوني، على جوازات سفر صالحة لمدة 10 أعوام، إضافة إلى إصدار جوازات سفر استعجالية مدة عام واحد.
وفي حين رأت الجزائر الخطوة تبسيطاً للإجراءات الإدارية لمصلحة مواطنيها، فسرتها باريس على أنها تهديد مباشر لجهود تنظيم ملف الهجرة، إذ تخشى أن تستخدم تلك الجوازات لتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين داخل فرنسا، مما يعقد من إجراءات الترحيل التي تعتمد على تعاون قنصلي دقيق بين البلدين، مما أفرز تصدعاً أدى إلى استدعاء وزارة الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال في سفارة فرنسا للتوضيح.
في هذا السياق يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، بن مصطفى دحو، أن هذا التصعيد جزء من إستراتيجية فرنسية شاملة ومتدرجة لمساومة الجزائر والضغط الناعم عليها، موضحاً أن هذا القرار لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً، فمن يتابع الإعلام الفرنسي بوصفه الدرع الناعمة لسياسة باريس يدرك التأسيس والتأصيل التدرجي لمقاربة استخدام القوة فهو يروج للكرامة في مقابل الإهانات المتكررة من طرف الجزائر.
وقال دحو في حديث إلى 'اندبندنت عربية' إن الحقيقة تنبه إلى شعور باريس بفقدان النفوذ والمصالح بخاصة مع انفتاح الجزائر على إيطاليا وإسبانيا كبديل محتمل لفرنسا في سياق دبلوماسية التفاوض بالتهديد الموازي، مشيراً إلى أن هذا الإجراء استجابة لتهديدات سابقة بغلق قنصليات مثل نانت وستراسبورغ، وهذا إجراء استفزازي ضد السيادة الجزائرية ويخالف اتفاق فيينا.
ونبه إلى أن تفكيك منطوقات الخطاب الفرنسي يكشف عن وهم سياسي يتمثل في التضييق على الجالية وحرمان الجزائريين من حقوقهم كعقاب يتوهم الفرنسيون أنه سوف يولد غضباً وتململاً من طرف المواطنين يتحول إلى قوة ضاغطة ضد السلطة في الجزائر، كما يهدف الاستفزاز إلى قياس رد الفعل مع التهديد المستمر من الجزائر بإلغاء اتفاق الهجرة 1968، التي لا تستطيع باريس إلغاءها لكنها تحتفظ بالتهديد كضغط ممتد إذا لزم.
ونوه بأن رد فعل الدبلوماسية الجزائرية يوجه رسالة قوية بأن مسألة السيادة غير قابلة للتفاوض أو التجزئة خصوصاً أن الجميع بمن فيهم الفرنسيون يدركون أن باريس عاجزة عن إخضاع الجزائر من طريق التهديد. وأشار إلى أن خيبة باريس في تحويل صراعها مع الجزائر إلى صراع جزائري - أوروبي، بناء على ما ترتب على زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى روما حين اعتبر الفرنسيون الموقف الإيطالي طعنة لهم.
الباحث في علم الاجتماع السياسي بن مصطفى دحو أوضح أنه كان متوقعاً حدوث التحرك الفرنسي منذ الـ25 من يونيو (حزيران) الماضي، غير أن سحب البرلمان الفرنسي نصاً قانونياً يتعلق بتجميد اتفاق 1968، أجل تأجيج الأزمة، لكنها سوف تأخذ منحنى تصاعدياً مع رفض الجزائر الإفراج عن المتابعين قضائياً، وهذا ما اعتبرته باريس إهانة لصورتها ما دامت قد راهنت على العفو الرئاسي.
وشدد على أن القرار الفرنسي ليس مجرد خلاف أو حادثة إنما مساس بالسيادة الوطنية وحق الجالية، لكنه مغلف إدارياً، لافتاً الانتباه إلى أن الخلاف لن يتوقف ما دام ملف الأزمة بيد وزير الداخلية الفرنسي، وهو ما يعد مخالفاً للأعراف الدبلوماسية التي تفرض أن تعالجه وزارة الخارجية. وختم بالقول إن الموقف الجزائري متماسك وقوي وسيادي وسيعتمد ديناميكية التآكل للقوة الفرنسية نتيجة تراكم خسائرها الاقتصادية والسياسية، مما يؤدي في الأخير إلى بروز موقف معتدل أو انهيار البناء السياسي للمقاربة الفرنسية.
من جانبه، أوضح السياسي الفرنسي، فينسان جيسار، أن النقاش حول جوازات السفر أو التأشيرات ليس مجرد أزمة تقنية، بل هو صدام إستراتيجي تغذيه عوامل تاريخية معقدة، مبرزاً أن الرد الجزائري المتصاعد يظهر أن المعادلة لم تعد أحادية.
وقال، 'حتى لو أرادت فرنسا فرض سيطرتها الرمزية على ملف الهجرة، فإن رد الجزائر يعكس تحولاً في ميزان القوة الدبلوماسية'، مشيراً إلى أن التوترات الحالية تشكل تفاعلاً معقداً بين الماضي الاستعماري والهويات الوطنية والسياسات الأمنية، وأن أية تسوية مستقبلية تتطلب تفكيك هذه العقد التاريخية وليس الاكتفاء بحلول سياسية تكتيكية.
وبحسب جيسار، تحول ملف الهجرة إلى أداة ضغط متبادلة بين النخب السياسية في باريس والجزائر، موضحاً أن الجالية الجزائرية في فرنسا باتت ساحة للتنافس السياسي، إذ تسعى تيارات في البلد الأوروبي، خصوصاً اليمين المتطرف، إلى تشديد الضغط على الجزائر، في وقت تستخدم فيه هذه الأخيرة هذا الملف كورقة سيادية.
وحذر من أن ردود الفعل الفرنسية المتسرعة، على غرار التهديد بعدم الاعتراف بجوازات السفر أو فرض تأشيرات على دبلوماسيين جزائريين، قد تؤدي إلى دوامة انتقام دبلوماسي تضر بمصالح المواطنين العاديين.
وتتجه الأنظار إلى اعتبار ما يحدث من تصعيد في التوتر بين الجزائر وباريس يقف وراءه وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، المحسوب على اليمين المتطرف، إذ جاء في رد الجزائر أن العراقيل التي تعترض ديبلوماسييها اقتصرت في البداية على سفارتها لدى باريس، لكن توسع نطاق تطبيقها إلى المراكز القنصلية الجزائرية في فرنسا، 'على رغم تعهد وزارة أوروبا والشؤون الخارجية بإعادة النظر في هذا الإجراء'، وهو ما يكشف عن سوء تفاهم داخل الحكومة الفرنسية بين وزارتي الخارجية والداخلية، وكذا هرم السلطة بعد فضيحة رفض الرئيس ماكرون استقبال وزير داخليته روتايو، الذي يبدو أنه يتصرف وفق ما تمليه عليه الدوائر المناوئة للجزائر.
وتسببت هذه الأزمة في انقسام فرنسي بين طرف يدفع من أجل استخدام كل أوراق الضغط التي تمتلكها باريس من أجل وضع حد للتصعيد الجزائري، وهي أطراف توظف الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وجهة أخرى تضم شخصيات وأحزاباً من اليسار، تحث على تفعيل الحل الدبلوماسي بهدف طي صفحة الخلاف وإعادة الدفء إلى العلاقات مع شريك تاريخي.
بطاقة الامتياز الدبلوماسية هي وثيقة رسمية تمنحها الدولة المضيفة لأعضاء البعثات الدبلوماسية، وتعد وسيلة اعتراف بهويتهم الدبلوماسية ووضعهم القانوني، وتخول لحاملها حرية دخول مواقع إستراتيجية كالمطارات والموانئ، وتسمح له بالعبور السريع من المناطق الأمنية من دون تفتيش اعتيادي.
وتقدم البطاقة امتيازات عدة منها الحصانة القضائية والإعفاء من الضرائب وحرية التنقل، كذلك تعد دليلاً قانونياً أمام أجهزة الأمن والسلطات، ولا تقتصر على السفراء فقط، بل تشمل القناصل والملحقين والموظفين الإداريين والفنيين، وحتى أفراد أسرهم في حالات محددة.
وتصدر وزارة الخارجية البطاقة بعد تسلم بيانات الدبلوماسي وجواز سفره وتأكيد صفته من دولته، وتعاد فور انتهاء مهمته أو في حال سحب اعتماده، ويسقط مفعولها تلقائياً في حال قيام الدولة المضيفة بإعلان إجراءات دبلوماسية مضادة، كما فعلت الجزائر في ردها على العراقيل الفرنسية، وامتيازاتها إلا أنها لا تضمن إعفاء كاملاً من المحاسبة، إذ يمكن رفع الحصانة عن حاملها إذا ارتكب جريمة جسيمة، بطلب من الدولة المضيفة.
الحقيبة الدبلوماسية هي وسيلة لنقل الوثائق والمراسلات الرسمية بين وزارة الخارجية وبعثاتها عبر العالم، وتخضع لحصانة مطلقة. ووفق المادة 27 من اتفاق فيينا فإنه لا يجوز فتح الحقيبة أو حجزها أو تفتيشها بأية صورة من الصور، وتستخدم فقط لنقل مستندات رسمية، وهي تحمل علامات ظاهرة توضح طبيعتها، وتغلق بختم رسمي، ولا يسمح بمرورها إلا بعد التأكد من مطابقتها للشروط الدولية.
وتنص المادة 27 من اتفاق فيينا على أن للدول حرية تامة في استخدام المراسلات الرسمية ونقلها عبر الحقيبة أو بوسائل مشفرة، من دون تدخل من الدولة المضيفة، إذ يمنع فتحها أو مصادرتها، على أن تقتصر محتوياتها على مستندات وأشياء للاستخدام الرسمي فقط.
ويتمتع حامل الحقيبة بحصانة شخصية تمنع اعتقاله أو احتجازه، على أن يحمل وثيقة رسمية توضح صفته وعدد المستندات التي يحملها.