جدل "حرية التعبير" إلى السطح مجددا في الجزائر

حبس 'عميد الصحافيين' سعد بوعقبة يثير انتقادات وتساؤلات بين الواقع والتقارير الدولية

برز على السطح مجدداً في الجزائر ملف حرية التعبير بعد حبس 'عميد الصحافيين' سعد بوعقبة أخيراً، وبعيداً من الأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار، أجمعت الطبقة السياسية والحقوقية والإعلامية على التسرع في الخطوة، ولا سيما أن المعني كبير في السن ويعاني أمراضاً مزمنة، غير أنه يبقى القانون فوق كل اعتبار وفق تفسيرات الجهات القضائية.

ويعيش المشهد الجزائري حالاً من التوجس والتخوف على حرية التعبير وحماية الصحافة والصحافيين، وكذلك التأثير في تصنيفات المنظمات الدولية عقب إيداع 'عميد الصحافيين' سعد بوعقبة السجن الموقت، على خلفية تصريحات أدلى بها إلى قناة إلكترونية محلية حول بعض جوانب ثورة التحرير التي انطلقت في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954 لغاية استقلال البلاد في يوليو (تموز) 1962، في انتظار محاكمته في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وجاء استدعاء القضاء الصحافي بوعقبة لاستجوابه حول دعوى رفعتها ضده مهدية بن بلة، ابنة الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة لأنه تحدث عن استفادة الرئيس بن بلة من جزء من أموال جبهة التحرير الجزائرية، وهي عبارة عن تبرعات الثورة المودعة في بنك سويسري، والمقدرة بحسب مصادر متعددة بـ40 مليون فرنك سويسري قديم، ووجهت إليه تهم 'الإهانة والقذف باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز ثورة التحرير الوطني، وجنحة نشر أخبار كاذبة معروضة على الجمهور'.

عانت الجزائر كثيراً مراتب متقهقرة ضمن قائمة الدول التي تتمتع بحرية التعبير والصحافة، لكن منذ عام 2019 وبعد تسلم الرئيس عبدالمجيد تبون مقاليد الحكم، تغيرت الأوضاع إلى بعض الإيجابيات، بخاصة مع إصدار القانون العضوي للإعلام وقانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية والقانون المتعلق بالنشاط السمعي- البصري، إضافة إلى إعادة تفعيل صندوق دعم الصحافة المكتوبة والسمعية- البصرية والإلكترونية.

وسمحت الجهود المبذولة بتصنيف الجزائر الأولى في الوطن العربي وفي شمال أفريقيا في مجال حرية الصحافة من قبل منظمة 'مراسلون بلا حدود'، وبتقدم 13 مركزاً في التصنيف العالمي للعام الحالي، أي المرتبة 126 عالمياً من أصل 180 دولة.

في السياق ذاته، يرى الإعلامي عمار قردود في تصريح إلى 'اندبندنت عربية' أن تساؤلات مقلقة باتت تثار حول وضع الحريات الإعلامية في الجزائر بعدما أشارت تقارير حقوقية إلى استهداف إعلاميين وكتاب وأكاديميين بسبب آرائهم الفكرية وتناولهم قضايا حساسة.

وقال إن هناك تصاعداً في حملات التضييق ضد الصحافيين وإن حرمان صحافي من حريته بسبب رأي أياً كان هذا الرأي، هو اعتداء صارخ على حرية التعبير، مما يستدعي مراجعة الجهات المعنية سياستها في هذا المجال، مع ضرورة فتح المجال الإعلامي لتمكين الجزائريين من التمييز بين الحقيقة والزيف لأن حرية الكلمة لا تواجه بالقمع والسجن، بل بالرأي والرأي المخالف.

وأضاف قردود أن ما صرح به الصحافي سعد بوعقبة لا يمكن بأية حال من الأحوال تصنيفه ضمن حرية التعبير، بل هو تجنٍّ على رموز ثورة التحرير، ليس لأن هؤلاء ملائكة منزهون من الخطأ، بل لأنهم أموات وليست لديهم الفرصة للرد على ما قاله، وهنا مكمن الخلل، مشيراً إلى أنه 'شخصياً ضد ما صرّح به بوعقبة، وعدّه إهانة وقذفاً غير مقبولين، على رغم أنه قام بالاقتباس من كتاب'، ولفت إلى أن الإجراء قانوني ولا لبس فيه، إذ يأتي في سياق تشديد السلطات القضائية على حماية رموز الدولة والثورة التحريرية.

من جانبه يعتقد الصحافي حكيم مسعودي بأن الحريات عموماً في الجزائر تعيش وضعية سيئة، إذ كل الحريات مسقفة في أدنى المستويات، وقال 'أصبح الجزائري مواطناً أو سياسياً أو نقابياً أو إعلامياً يجتهد حتى يجد موضوعاً يمكن أن يتحدث فيه من دون أن يجر عليه تبعات ملاحقات قضائية وتضييقاً من السلطة'، موضحاً أن المسألة ليست قضية بوعقبة فقط، بل ملف الحريات ومكاسب دستور 1989 التي تتقوض شيئاً فشيئاً، والأسوأ تحول السجن الموقت من حال استثنائية إلى ممارسة معممة.

وأضاف مسعودي خلال تصريح خاص أنه في قانون الإعلام لعام 2012 'رفعت عقوبة السجن ضد الصحافيين وجرى الاكتفاء بالتغريم، لكن اليوم نجد كل المكاسب تمت محاصرتها تحت مبررات عدة'، مبرزاً أن النهج الحالي ليس في مصلحة البلاد لأنه يخل بالتوازنات التي يفترض أن تكون موجودة في كل دولة والتي تبدأ بوجود معارضة قوية وصحافة مجتمع فاعلة، وهذا للأسف لم يعُد موجوداً في الجزائر'.

وسبق أن دعا الرئيس عبدالمجيد تبون خلال لقائه الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام المحلية، الصحافيين إلى أن يكونوا همزة وصل حقيقية بين مؤسسات الدولة والمواطنين، مع التحلي بالحذر والموضوعية في نقل المعلومة، وأكد أن الجزائر تعيش حال تخوف من الإشاعات التي تستهدف استقرارها، مشدداً على ضرورة التعاون لمواجهة 'خاين الدار'، وقال إن حرية الشتم لم ولن تكون مقبولة، في حين تبقى حرية التعبير مضمونة للجميع.

وشهد نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري جدلاً حقوقياً بسبب مشروع قانون يهدف إلى 'تأطير الفضاء الرقمي' وتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي ووضع ضوابط للمحتوى الذي ينشره الجزائريون على هذه المنصات، إذ رأت جهات أنه ضروري للحد من نشر مواد تروج للعنف وتضر قيم المجتمع، فيما يعده آخرون خطوة نحو تقييد حرية التعبير عن الرأي وإغلاق نافذة مهمة ربما يكون لها دور بناء في المجتمع.

وكشف حبس الصحافي بوعقبة عن بعض ما يلوج في خواطر الطبقة السياسية في ما تعلق بالحريات، إذ أبرزت حركة مجتمع السلم أن 'الجزائر لن تنتصر بأساليب كهذه محبطة للأمل والحرية والمبادرة ومقيدة للإبداع'، بينما أشارت حركة البناء الوطني إلى أن 'حرية الكلمة لا تواجه إلا بالرأي وليس بالإجراءات القضائية'، داعية إلى 'عدم إقحام العدالة في التعامل مع الأفكار والمواقف الفكرية'، وطالبت باعتماد 'مقاربة جديدة تنحاز إلى العدالة في التعامل مع أخطاء المفكرين والإعلاميين بدلاً من الحبس والاعتقال'، محذرة من 'مآلات الرؤى الضيقة في هذه المرحلة الحساسة'.

وعبّر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن قلقه العميق من إيداع بوعقبة الحبس الموقت، وعدّ القرار 'حرماناً لشخص متقدم في السن من حريته بسبب رأي، واعتداء جديداً على حرية التعبير'، في حين أوضحت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون أنها 'صدمة بالنسبة إلينا، وبوعقبة لم يفعل سوى الاقتباس من كتاب'.