دارة "قريطم"… القلب الكبير لرفيق الحريري الذي كان يتسع لكل الناس

بمجرد شيوع خبر بيع دارة 'قريطم' كما كان يحلو للرئيس الشهيد رفيق الحريري تسمية 'قصر صالحة' الذي إشتراه ليكون مكان إقامته، خيّم الحزن والأسى عميقاً في نفوس ووجدان كل من عاش زمنه وعصره!

فـ'قريطم' (الاسم المتداول على ألسنة الناس للدار) لم تكن مجرد حيز جغرافي مكاني لسكن الحريري، بل إختياره منطقة رأس بيروت للإقامة فيها، كان نابعاً من نظرته الى تلك المنطقة البيروتية الرحبة بمساحتها ونسيجها الاجتماعي التعددي التعايشي الذي يشبه لبنان الذي كان يحلم بإعادة إحيائه.

كذلك، منطقة رأس بيروت يمكن تصنيفها 'عاصمة' بيروت الثقافية والتعليمية، لما تضمه من جامعات ومدارس ومراكز ثقافية، وكانت تعني له الكثير، من منطلق إيمانه بأن التنمية المستدامة والتطور يستندان إلى التعلم وكسب المعرفة، للإنطلاق منهما نحو الحداثة والعصرنة. لذلك، أصر الحريري على تسمية دارته باسم المنطقة 'قريطم' المنسوبة الى واحدة من أعرق العائلات البيروتية، ما حدا بوفد من العائلة برئاسة الرئيس الأسبق لغرفة التجارة والصناعة المرحوم غازي قريطم الى زيارة الحريري وشكره على مبادرته بإطلاق إسم العائلة على مكان سكنه.

بالعودة إلى ما انتاب الناس من شعور بالألم لخبر بيع دارة 'قريطم'، فإن هذا الخبر أعاد إستحضار الرابع عشر من شباط، ذلك التاريخ المشؤوم الذي إغتيل فيه صاحب الدار، ما دفع بالكثيرين الى ترداد 'ها هي ذكراه وذاكرتنا معه تغتال اليوم'! الخبر، كان وقعه كالصاعقة، ففي غرفه وقاعاته وبين جدرانه، الممتلئة بالدفء والطمأنينة، كانت لكل شخص ذكريات وحكايات وأسرار مع رفيق الحريري، يوم كانت أبواب الدار مفتوحة أمام عموم الناس، الذي يرون فيه ملجأهم وملاذهم.

بنيت بين الدار والناس البسطاء الطيبين علاقة حميمة، كل شخص كان يعتبر نفسه في بيته وسط عائلته، يشعر بالإرتياح والإنسجام، وكأنه بيت يتسع لكل الناس، بل هو كان كذلك فعلياً، بيتاً للأمة. الغرف والقاعات والمكاتب، وحتى الحديقة والممرات، كانت دوماً تعج بالناس، من ديبلوماسيين، سياسيين، وزراء، نواب، مدراء عامين، إعلاميين، مستشارين، وحتى 'كتبة تقارير' بأقنعة أليفة. ووسط الازدحام الرسمي، كان عامة الناس يملأون المكان، فبالنسبة الى 'دولته' هم الروح التي تنشر الحياة في أرجائه، كيف لا، وهم النبض الشعبي الصادق، الذي يستمد رؤيته العملاقة من أفكارهم المتواضعة المفعمة بالأنسنة؟ كان يستمع ويصغي إليهم بإحترام، يتقبل النقد بكل رحابة صدر وإبتسامة، يستمتع بالحديث معهم، يحاورهم، يقنعهم ويقنعونه، يمازحهم، ويقهقه عالياً عندما يروي أحدهم له نكتة (حتى ولو كانت تطاله).

دارة الرئيس الشهيد، في ذاكرة الناس ووجدانهم، ليست مجرد المكان الذي بنى فيه رفيق الحريري 'إمبراطوريته' السياسية، ومنها أعاد بناء لبنان وطنياً وإقتصادياً وإعمارياً، لتختزن وتختزل حقبة إستثنائية من تاريخ لبنان، بل هي قبل ذلك كله، بالنسبة اليهم قلب كبير إسمه رفيق الحريري، كان يتسع لهم جميعاً.