تحليلٌ أدبي يليقُ بهذا النصّ الشعريّ الرّاقِ "حين يفتح الباب في آخر العامة" للدكتور عبد الرحيم جاموس
klyoum.com
بقلم: د. عادل جوده / العراق/ كركوك
حين يُفتح البابُ في آخرِ العتمة...
ليس مجرّدَ افتتاحيةٍ شاعرية، بل هو إعلانٌ ميتافيزيقيّ عن ولادة الأمل من رحمِ اليأس، ومن قلبِ الظلامِ الأشدّ تأبيًا.
ينسج د. عبد الرحيم جاموس في نصّه خيطًا رفيعًا من النور يستبطنُه القلبُ قبل أن تدركه العين، فيرسم لوحةً وجوديّةً تجمع بين التيهِ والهُدى، والضيقِ والاتّساع، واليأسِ والرجاء.
يبدأ الشاعر رحلتَه من "البدايات"، حيث لا يزالُ العبورُ طويلاً، والعتمةُ كثيفةً، والمسيرُ مُرهقًا. لكنّه لا يقدّم صورةَ المنهزم، بل يُطلِقُ من رحمِ اليأسِ ذاته شرارةَ الرجاء.
هذه الثنائيةُ — اليأسُ والأمل، الضيقُ والاتّساع — ليست تناقضًا، بل حوارًا فلسفيًّا داخليًّا يُجسّدُ صراعَ الإنسان مع مصائرِه.
فالشاعر لا ينكر الألم، بل يُضيّقُه ليُوسعَ بعدَه الأفق، ويُعلّمنا أن الظلامَ ليس نهايةَ الطريق، بل ممرًّا ضروريًّا لاستحقاقِ الفجر.
ويُبرزُ النصُّ رؤيةً صوفيةً خالصةً حين يقول:
"يراه القلبُ قبل أن تراه العيون".
فالأفقُ الحقيقيّ لا يُرى بالبصر، بل بالبصيرة. فالطريقُ الذي يُفتحُ بعدَ السّدّ ليس ظاهرةً ماديةً، بل نعمةٌ إدراكيةٌ تُوهبُ لمن صبرَ وواصَل. هنا، يتجاوز الشاعرُ حدودَ الجغرافيا إلى آفاقِ الوعي، فيجعل من المسافرِ رمزًا للروحِ التواقةِ إلى النور، لا للجسدِ التائهِ في الدُّروب.
ولا يكتفي الدكتور عبد الرحيم جاموس بالحديث عن الأفقِ الخارجي، بل يغوصُ في أعماقِ الروحِ حين يذكُرُ أنّ "ينابيعَ الضوءِ تتفجّرُ في الروح"
فالضوءُ ليس قادمًا من خارجِنا، بل كامنٌ فينا، ينتظرُ لحظةَ الإرادةِ ليُطلِقَ طاقتَه.
هذه الفكرةُ تُذكّرنا بمقولةِ الفلاسفةِ: ["الإنسانُ مصباحُ ذاتِه".]
فالغايةُ البعيدةُ لا تتحقّقُ بالمشيئةِ الخارجية، بل بتصميمِ الداخلِ وصلابةِ العزم.
ومن أجملِ ما في النصّ تجسيدُه للجدرانِ والليالي ككائناتٍ حيّةٍ تتنفّسُ الأمل:
"ما من جدارٍ إلا وتنبضُ فيه شقوقُ عبور، وما من ليلٍ إلا ويحملُ في خاصرتِه فجرًا" .
فالكونُ ذاتُه يتعاطفُ مع الإنسانِ المُثابر، وينحازُ للحياةِ كلّما طالَ ليلُ المعاناة.
بل إنّ الفجرَ لا يُشرقُ عشوائيًّا، بل "ينتظرُ أن يلمسَهُ إصرارُ الحياة".
كأنّ الكونَ يطلبُ منّا أن نمدَّ أيدينا إليه، فلا يُمنَحُ النورُ إلا لمن يسعى إليه بإيمانٍ لا ينثني.
وفي الختام :
يوجهُ الشاعرُ دعوةً مدوّيةً:
"فامضِ!". أمرٌ لا يحملُ شكًّا ولا تردّدًا، بل يقينًا.
فكلُّ سدٍّ مؤقّت، وكلُّ طريقٍ مغلقةٍ ليست نهايةً، بل مقدّمةُ ولادةِ دربٍ جديد. النورُ ليس غايةً نصلُ إليها فحسب، بل بابٌ يُفتحُ حين نُوقفُ الخوفَ عند عتبةِ القرار.
هذا النصُّ، في جوهرِه، نداءٌ للروحِ أن لا تستسلم، وأن ترى في كلِّ عتمةٍ ولادةَ فجرٍ، وفي كلِّ جدارٍ شقّةَ عبور.
إنه تذكيرٌ بأنّ الحياةَ تُكافئُ من لا يتوقّف، وأنّ النورَ الحقيقيَّ لا يُمنحُ إلا لمن يُصرُّ على أن يبحثَ عنه حتى آخرِ العتمة.