دعوة سعودية وحراك قضائي.. ما فرص محاسبة "إسرائيل" دولياً؟
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
جامعة أم القرى تنظم ملتقى أبحاث الحج والعمرة والزيارة في المدينة المنورةكمال صالح - الخليج أونلاين
خبير قانوني دولي لـ"الخليج أونلاين": دخلنا مرحلة تفعيل المحاسبة ضد "إسرائيل" بعد انهيار حصانتها الدبلوماسية والسياسية عالمياً.
يوماً بعد آخر يضيق الخناق على حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وتزداد عزلتها الدولية، في ضوء جرائم الحرب المستمرة في غزة، وتجاوزها المستمر للقانون الدولي، كما حصل في الاعتداء على عاصمة الوساطة القطرية الدوحة.
فبعد موجة الاعترافات الدولية الواسعة بدولة فلسطين، والقطيعة الدولية التي تواجه "إسرائيل" حالياً، ثمة تحرك دولي جديد لا يقل أهمية عن الاعترافات الدولية، يتمثل في تشكل كتلة دولية جديدة لمحاسبة "إسرائيل" على خلفية جرائم الحرب بغزة.
الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية السعوديةالأمير فيصل بن فرحان في كلمة بلاده خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ80 بنيويورك لمحاسبة "إسرائيل" تزامنت مع انعقاد مؤتمر دولي لمجموعة لاهاي، تعهد فيها بالمضي قدماً على كافة الصعد لمعاقبة حكومة الاحتلال.
دعوة سعودية
الأمير فيصل، وبعد نجاحه في قيادة الجهد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، دعا من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء السبت 27 سبتمبر، المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات ملموسة لوقف جرائم "إسرائيل" في غزة، وتحمل مسؤوليتها تجاه حل الدولتين.
وشدد على ضرورة وقف المأساة الناتجة عن حرب الإبادة في غزة، والحصار المفروض على القطاع، كما طالب بإجراءات دولية لوقف إجرام "إسرائيل" وردعها، محذراً من أن تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية لن يسهم إلا في زعزعة الأمن والاستقرار إقليمياً وعالمياً.
وفي 15 سبتمبر الجاري، دعت القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة، جميع دول العالم إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية لمنع "إسرائيل" من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني، ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع حكومة الاحتلال، ودعم جهود إنهاء إفلاتها من العقاب، ومساءلتها وتعليق تزويدها بالأسلحة، والعمل لتلعيق عضويتها بالأمم المتحدة.
مجموعة لاهاي
هذه الدعوة السعودية تزامنت مع انعقاد اجتماع "مجموعة لاهاي" لدعم فلسطين، التي تشكلت أواخر يناير 2025، بحضور 34 دولة على هامش أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بقيادة جنوب أفريقيا وكولومبيا.
وجددت المجموعة، في بيان لها، التزامها بإنفاذ القانون الدولي لمحاسبة "إسرائيل" على جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مشيرةً إلى أنها ستواصل تنفيذ الإجراءات الملموسة التي تعهدت بها سابقاً لمحاسبة حكومة الاحتلال على كافة الصعد القانونية والدبلوماسية والاقتصادية.
وتسعى المجموعة التي أعلنت إسبانيا رسمياً الانضمام لها، إلى الضغط لوقف نقل الأسلحة وعرقلة الشحنات، ووقف المشتريات من الشركات الإسرائيلية، وخفض صادرات الطاقة، والسعي إلى المساءلة في المحاكم حول العالم.
المجموعة قالت في بيانها: "الخيار أمام كل حكومة واضح: إما التواطؤ أو الالتزام بالقانون الدولي"، مشيرةً إلى أن التاريخ سيحكم على الجميع وفق الأفعال وليس الخطابات، وفق صحيفة "لاراثون" الإسبانية.
الإطار القائم
وثمة حالياًتحرك قانوني لمحاسبة "إسرائيل"، وإجراءات في طريقها للتنفيذ أو على الأقل في طريقها للإقرار، وأبرز تلك القضايا مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، التي صدرت في نوفمبر 2024.
الإطار الآخر للتعامل القانوني مع جرائم "إسرائيل" يتمثل في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، أواخر ديسمبر 2023، وتوجت بإصدار المحكمة حكماً أولياً في القضية أواخر يناير 2024، تضمن أمر "إسرائيل" باتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع الأعمال التي تندرج تحت اتفاقية الإبادة الجماعية.
ولا تزال قضية جنوب أفريقيا مستمرة في محكمة العدل الدولية رغم الهجوم الإسرائيلي على المحكمة، إذ انضم عديد من الدول لهذا المسار القانوني لضمان محاسبة "إسرائيل" على جرائمها في غزة.
تفعيل المحاسبة
هذه الدعوات والتحركات السابقة أمام المؤسسات القضائية الدولية تمثل تفعيلاً لمحاسبة "إسرائيل"، ووفقاً للدكتور عبد المجيد مراري، عضو الفريق القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن المحاسبة ابتدأت، وحالياً "نحن ننتقل من زمن المحاسبة إلى زمن تفعيل هذه المحاسبة".
وأشار مراري في تصريح لـ"الخليج أونلاين" إلى أن محاسبة "إسرائيل" بدأت منذ سنوات، مشيراً إلى الترافع القضائي الدولي أمام عدة محاكم، خاصة محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل، واصفاً الخطوة التي أقدمت عليها جنوب أفريقياً بـ"التاريخية"، حيث انتزعت على الأقل ثلاثة قرارات وقتية مهمة جداً، لم يسبق لها مثيل.
ونوّه بأن محكمة الجنايات الدولية "أصدرت أيضاً مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت، وهذه سابقة قضائية"، مضيفاً: "بغض النظر عن التنفيذ من عدمه، لكن أن يدان مسؤولون إسرائيليون أمام محكمة الجنايات الدولية بصفة شخصية بهذا الشكل، وبالرغم من الضغط الدولي والحصانة الأمريكية، والتهديدات والعقوبات، فالمحكمة متمسكة بهذه المذكرات، وتصدرها وتتحمل مسؤوليتها، فهذا جهد كبير".
واستطرد قائلاً: "أنا أقول المحاكمة ابتدأت ولا أقول إنها وشيكة، نحن الآن ننتقل إلى إنجاز العقوبات التي تنص عليها قواعد القانون الدولي، خاصة نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية".
وكشف مراري عن مذكرات اعتقال ستصدر بحق وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، مشيراً إلى أن المدعي العام للجنائية الدولية سبق أن جهزها قبل خروجه في تلك العطلة المفتوحة.
ويلفت إلى أن هناك تحركات أمام القضاء الدولي، خاصة أمام المحاكم الأوروبية، لافتاً إلى أن القضاء البلجيكي أحال ملفات جنود إسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية، والقضاء الهولندي، الذي أصدر مذكرات بحق الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وفي حال دخولهما إلى الأراضي الهولندية سيعتقلان، كذلك هناك تحركات مماثلة في البرازيل وفرنسا.
انهيار سياسي وقضائي
وأوضح مراري أن "إسرائيل" خسرت المعركة القضائية، كما فشلت في المعركة السياسية، لافتاً إلى أن هناك انهياراً سياسياً للاحتلال الإسرائيلي، وفشلاً لدبلوماسيته، مستدلاً على ذلك بتوالي الاعترافات الدولية بفلسطين، خصوصاً ما حصل في الجمعية العامة في اجتماعها الأخير من اعترافات عديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا والبرتغال وفرنسا، إضافة إلى إسبانيا والنرويج وكندا وإيرلندا وغيرها.
ويبيّن أن هذه الاعترافات "تعزز المسعى أمام الجنائية الدولية في المتابعة والمحاسبة"، وأن الاعتراف هنا بالدولة الفلسطينية يوجب مجموعة التزامات في حق الدول المعترفة، خاصة تلك الموقعة على نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية".
وأضاف مراري: "هناك مجموعة أمور ستغير التعاطي في مسألة التقاضي، ومتابعة الاحتلال الإسرائيلي أمام القضاء الدولي قبل وبعد الاعتراف، هناك إجراءات ستتغير، وسيتشجع قضاة وخبراء ومحققو الجنائية الدولية على إنجاز مزيد من الإجراءات، خاصة إصدار المذكرات، وإنفاذها بالخصوص".
وتابع قائلاً: "نحن أمام انهيار الحصانة السياسية التي كانت تحمي إسرائيل لعقود، الرأي العام الدولي تغير، وكذلك الدعوات الحقوقية، تآكل الشرعية الدولية للسياسات الإسرائيلية، ثم تعدد الأدلة، التي أصبحت واضحة، خاصة تقرير خبراء الأمم المتحدة الأخير، أو بيئة التحقيق الأخيرة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان، والتي أكدت أن نية ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية كانت قائمة، وأن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة الإبادة الجماعية، إضافة إلى تقرير 500 خبير في جريمة الإبادة الجماعية، وغيرها من الأدلة الأخرى التي تثبت تورط الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أن هناك تغيراً بالموقف الدولي والسردية التي كانت سائدة في وسائل إعلام، وأصبحت وسائل الإعلام الغربية تصف ما يحدث بأنه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، إلا أن الإعلام الغربي لم يجرؤ بعد على وصف ما يحدث بأنه جرائم إبادة جماعية.
وشدد على أن هناك "تحولاً في السردية وفي الخطاب، حتى من كان إلى الأمس القريب متعاطفاً مع الاحتلال الإسرائيلي أصبح الآن يضعه في قفص الاتهام على الأقل".
مخاوف
هذا التقدم في ميدان المواجهة القضائية والمحاسبة ضد "إسرائيل" تقابله مخاوف وعقبات، ووفقاً للدكتور عبد المجيد مراري، عضو الفريق القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن هناك قلقاً من بطء الإجراءات القضائية، وإجراءات المحاسبة.
وأضاف مراري لـ"الخليج أونلاين": "ثمة تخوف داخل محكمة العدل الدولية نفسها، على اعتبار أن هناك قاضية أصبحت مزعجة، وهي قاضية أوغندية، التي عبرت في أحد استجواباتها عن أنها موجودة بأمر من الرب لحماية مصالح إسرائيل".
كما أشار إلى أن "القاضية جوليا سيبوتيندي تشغل منصب نائبة رئيس محكمة العدل، ولديها نفوذ داخل المحكمة، وهذا يدفع لعدم الارتياح، والشك والريبة في مسار قضية جنوب أفريقيا".
واختتم حديثه بالقول: "طالبنا كفريق قانوني وكمحامين بإبعاد هذه القاضية عن قضية جنوب أفريقيا، وطلبنا من دول أعضاء داخل المحكمة العدل أن تجرح في هذه القاضية من أجل استبعادها، قياساً على سوابق قضائية أخرى، عبر فيها قضاة في محكمة العدل عن مواقف غير حيادية، ومنحازة، وجردوا وأبعدوا عن النظر في تلك الملفات التي كانت موكلة إليهم".