رحلة "الدون البرتغالي": من قمصان قَصُرَت عن طموحه.. إلى ثوب فضفاض يتَّسع لأحلامه
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
تسيير أول رحلات جوية منتظمة من جنوبي روسيا إلى السعوديةعمر الأنصاري
ما عايشناه ليس قصة انتقال لاعب.. بل قصة رجل وجد في "العلم الأخضر" الرحب وطناً أكبر من أي قميص ارتداه يوماً.
انطلق الساخرون والشامتون منه، حين ترك قلعة الريال وخرج من ملعب سانتياغو بيرنابيو، محطّ الحالمين بالمجد، إلى قصور الدرعية التاريخية، حيث رأى السارية الطويلة المثقلة بالأخضر. وهناك، أدرك أنه لم يأتِ في رحلة استجمام وتقاعد، بل في مهمة مع حاملي العلم، الكبير حجماً ومعنىً، يحمل رسالة لم يمضِ وقت طويل حتى أصبح من المؤمنين بها ومن رسلها للعالم.
"الدون" اسم على مسمى لهذا العبقري، الذي لم تجرّه الشهرة ولا الأموال ولا ملايين المعجبين إلى فقدان توازنه، في وسط تستشري فيه الشهرة والنجومية فتفعل فعلها بأولئك الذين لا يحسنون الوقوف تحت أضوائها الباهرة، ولا المشي باتزان بين جماهيرها الصاخبة. هي شهرة رأينا كيف أفقدت بعض أتراب رونالدو توازنهم، فـضلّوا الطريق بين غرف الوشم للتعبير عن معنى يفتقدونه في أنفسهم، أو في أماكن سهر ليلية وسط يخوت الكاريبي.
كان الدون معافى تماماً من كل الأوبئة التي اجتاحت الوسط الذي عاش فيه وكان في مقدمته. لم تستهوِ روحه غير أن يُتَوَّج ملكاً، بعد أن ضاق به تاج الأمراء. مُدَّت له الأيدي والعروض لتلقُّفه وهو في آخر أيام مجده، لكنه لم يكن مسكوناً بالملاعب فقط؛ كانت نظرته تتجاوز المستطيل الأخضر إلى صميم الحياة، حياة الشبان الذين ينظرون إليه مثلاً أعلى، والذين صفقوا له في فوزه وفي هزائمه.
نظر رونالدو إلى خياراته، فرأى بلداً شاباً ومملكة غَضّة، تكتنفها رؤية شبابية طموحة. كانت وسائل الإعلام تضجّ حينها بمآلات عباقرة الملاعب الذين أنهوا تاريخهم في أوروبا، فمن يترك الريال أو البرشا لبلد غير أوروبي كان كمن يكتب شهادة وفاته.
واتضح أن الدون كان يمتلك رؤية مختلفة عن أترابه؛ لم يكن يبحث عن عقد مالي خرافي، وهو حق شرعي له، ولا عن جمهور لاتيني يتحدث البرتغالية أو الإسبانية، ولا عن ثقافة تشبه ثقافته ليتماهى معها، بل بحث عن "تحدٍّ جديد" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وهو التحدي الذي ما إن اختاره حتى انطلقت السهام نحوه، تبشِّر بوفاته إكلينيكياً، وبتلويثه لتاريخه الكبير. ويا للأسف أن بعض الأقلام العربية ساهمت في ذلك.
كان الدون المهيب صامتاً، ينظر بـعَيْنِ أسد لا يهاب قطيع الذئاب الذي هاجمه بكل اللغات. كان على يقين من رؤية لا يعرفها إلا ثاقبو النظر. لم يكن ذاهباً إلى الرياض، ولا إلى نادي النصر فقط كما توهَّم الجميع؛ كانت خطاه واثقة وذهنه الوقّاد مشتعل، ولسان حاله: "أنامُ ملءَ جفوني عن شواردها... ويَسْهَرُ الخلقُ جَرَّاهَا ويَخْتَصِمُ"، كما قال المتنبي.
كان الدون (الأمير) قد جمع أمره، لا لصفقة النصر، بل لصفقة "السعودية العظمى"، التي رآها كياناً يشق السحاب بلا توقف. مكانته وخبرته وطموحه وكبرياؤه لن تسمح له بأن يكون في منزلة دون التي كان عليها.
اليوم كل الذين انتقدوا قرار الدون، مندهشون، مصدومون، من مسيرته "الخضراء" في المملكة، بعد التأثير الكبير الذي لعبه أرض كريمة، قدرت طموحه ومكانته وتأثيره فشاركته أمنياتها وشاركها عنفوانه وطموحه لتنتج شراكة فريدة بلورت روح السعودية ورؤيتها الشابة التي أصبح الدون جزءا لا يتجزأ منها، بعد أن رايناه في الثوب السعودي الأبيض يرتشف القهوة، ويرفع السيف عاليا بلا كلل في العرضة النجدية وفي الملحمة التي أضحى جزءا منها.