من اتفاق ثنائي إلى مظلة دفاعية.. تحالف الخليج وباكستان على الطاولة
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
الجلوس الطويل يبطئ الأيضيوسف حمود - الخليج أونلاين
وزير دفاع باكستان:كل إمكاناتنا العسكرية ستكون في خدمة الدفاع المشترك، لكننا لا نتمنى أن يختبر أحد عزمنا
يشهد المشهد الأمني في الخليج تحولات متسارعة مع بروز اتفاق دفاعي سعودي باكستاني يُقرأ على نطاق واسع باعتباره خطوة تتجاوز التعاون الثنائي، في وقت تتصاعد فيه تهديدات إسرائيلية تستهدف دول المنطقة، كما يعكس اتجاهاً خليجياً متنامياً للبحث عن مظلة ردع جديدة تستند إلى شريك يمتلك قدرات نووية.
وتزامن إعلان الاتفاقية السعودية الباكستانية مع اجتماع مجلس الدفاع الخليجي المشترك (18 سبتمبر) لمناقشة مواجهة العدوان الإسرائيلي، حيث جرى التطرق إلى استخدام "إسرائيل" أسلحة متطورة لم تتمكن الرادارات الحديثة من كشفها، ما عزز الحاجة إلى شراكات أمنية أشمل.
وبينما كانت العلاقة العسكرية بين الرياض وإسلام آباد تتسم تقليدياً بالتدريب والمناورات المشتركة، فإن الاتفاقية الجديدة تمنح هذه الشراكة بعداً إلزامياً يقوم على مبدأ الدفاع المتبادل، وهو ما يفتح الباب أمام تحالف أوسع قد يشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى، على غرار ما أشار إليه وزير الدفاع الباكستاني.
اتفاقية لافتة
في خطوة مفاجئة وقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف (17 سبتمبر 2025) في الرياض اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك.
وجاء في بيان مشترك بشأن الزيارة التي قام بها شريف إلى الرياض أن "توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين الجانبين يأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم".
وبعد يوم من الاتفاقية وصف وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف الاتفاقية بأنها "نقلة نوعية"، مؤكداً في مقابلة مع قناة "جيو" المحلية أن بلاده ستستخدم جميع أدوات الردع، من ذلك قدراتها النووية؛ لضمان تنفيذ بنود الاتفاقية إذا لزم الأمر.
وأضاف: "كل إمكاناتنا العسكرية ستكون في خدمة الدفاع المشترك، لكننا لا نتمنى أن يختبر أحد عزمنا".
وشدد آصف على أن العلاقة العسكرية بين البلدين "تاريخية ومتجذرة"، مشيراً إلى أن الجيش الباكستاني شارك مراراً في تدريب القوات السعودية وتنفيذ مناورات مشتركة.
لكن اللافت في تصريحه قوله: "تحدثنا دائماً عن ترتيبات تشبه حلف الناتو، وأعتقد أن من الحق الأساسي لبلدان وشعوب هذه المنطقة، وخاصة الدول الإسلامية، أن يدافعوا معاً عن منطقتهم وبلدانهم وأممهم".
وأردف قائلاً: "لا يوجد في الاتفاق أي بند يمنع أي دولة أخرى، وفي مقدمتها العربية، من الانضمام أو يمنع باكستان من إبرام اتفاق مماثل مع دولة أخرى".
التعاون الدفاعي
وفي السنوات الأخيرة ارتبط التعاون الدفاعي أيضاً بمواجهة التحديات البحرية وتهديدات الممرات الاستراتيجية في البحر الأحمر وبحر العرب، حيث تشارك باكستان بانتظام في مبادرات لحماية أمن الملاحة، وهو ما يعزز مكانتها شريكاً أساسياً في أي ترتيبات دفاعية إقليمية جديدة.
وبينما تواصل "إسرائيل" تطوير قدراتها العسكرية وتوسيع نطاق عملياتها في المنطقة، يبدو أن الاتفاقية الدفاعية بين الرياض وإسلام آباد تمثل استجابة عملية لتعزيز الردع في مواجهة هذه التهديدات، وهو ما قد يفتح المجال لتوسع أكثر مع دول خليجية وعربية.
وقد يتحول الاتفاق من تفاهم ثنائي إلى نواة لتحالف إقليمي محتمل، يعكس توجهاً خليجياً نحو تنويع مصادر الأمن وبناء شراكات عسكرية خارج المظلة الغربية التقليدية.
ويسلط الاتفاق الضوء على خصوصية العلاقة السعودية الباكستانية بشكلٍ خاص، ومع دول الخليج بشكلٍ عام، إذ لطالما شكلت إسلام آباد خياراً استراتيجياً لدول خليجية في القضايا الأمنية.
نقطة انطلاق لتحالف أوسع
يقول الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط فارس النجار إن الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان لا يمكن قراءتها كتفاهم ثنائي فحسب، بل كنقطة انطلاق لتحالف أوسع يبدأ من الخليج، مؤكداً أن "إدخال باكستان النووية في هذه المعادلة يمنح الخليج قاعدة صلبة يمكن البناء عليها لتوسيع المظلة لاحقاً".
وأوضح الخبير العسكري النجار في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن ما يميز اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين السعودية وباكستان هو إضفاؤها بعداً عملياً على مفهوم الدفاع الجماعي، إذ تنص على أن أي اعتداء على طرف واحد يُعد اعتداءً على الطرفين معاً، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية انضمام بقية دول الخليج، لتتحول الاتفاقية إلى إطار دفاعي شامل بدلاً من صفقة ثنائية.
وأضاف النجار أن الخصوصية التاريخية في العلاقة بين الرياض وإسلام آباد تجعل الاتفاقية بمنزلة إشارة أو "ضوء أخضر" لبقية الدول العربية، باعتبارها علاقة مبنية على عقود من الثقة والتعاون العسكري، يمكن أن تشكّل نموذجاً قابلاً للتوسع إقليمياً.
وأشار إلى أن امتلاك باكستان قدرات نووية يمنح التحالف قيمة استراتيجية مضاعفة، لكونه يضيف بعداً رادعاً لا يتوافر لدى أي دولة عربية، خصوصاً في الخليج، وهو ما قد يجعل من الانضمام إليه خياراً جذاباً لبقية الدول الساعية إلى تعزيز أمنها دون الدخول في سباقات تسلح مكلفة.
ولفت النجار إلى تصريحات وزير الدفاع الباكستاني التي شدد فيها على حق الدول العربية والإسلامية في بناء آلية دفاع جماعي، معتبراً أن هذه التصريحات تعكس استعداد إسلام آباد لاحتضان توسع التحالف، وتؤكد أن الاتفاقية تمثل بداية مسار وليست نهايته.
وختم النجار بالقول إن التحالف السعودي–الباكستاني يحمل بذور تحول إقليمي، إذ يمنح دول الخليج محوراً أولياً يمكن أن يجذب بقية العرب والمسلمين، ليشكّل في حال تحققه نواة لتحالف دفاعي واسع يعيد رسم الخريطة الأمنية للشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
قوة باكستان
وتصنع باكستان العديد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والدبابات والصواريخ بمختلف أنواعها وشحناتها التقليدية أو النووية، وكذلك الطائرات المقاتلة، إضافة إلى إنتاجها فرقاطة وغواصة بالتعاون مع الصين وفرنسا.
وتقدر تقارير غربية عدد الرؤوس النووية الباكستانية بأكثر من 150 رأساً نووياً، كما تعمل باكستان حالياً على تصنيع رؤوس نووية تكتيكية صغيرة.
ولذلك تشير المبادرة السعودية-الباكستانية إلى محاولة جادة لسد الفراغ القائم منذ عقود في غياب مشروع دفاعي عربي وإسلامي مشترك، حيث يهدف هذا التعاون إلى إنشاء قوة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، بعيداً عن منطق تأجيج الصراعات، مع مواجهة النزعات الجيوسياسية التي تسببت بأزمات متلاحقة في المنطقة.