اخبار السعودية

جريدة الرياض

ثقافة وفن

«الشامانة».. طقوس الشفاء واستنزاف الجسد

«الشامانة».. طقوس الشفاء واستنزاف الجسد

klyoum.com

لطيفة الحاج

صدرت عن منشورات رامينا في لندن رواية «الشامانة» للكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج، لتضع القارئ أمام تجربة سردية تتأرجح بين الواقع المأزوم والطقوس الغرائبية التي تُسوَّق بوصفها خلاصاً روحانياً. منذ الصفحات الأولى، يجد القارئ نفسه في قاعة غامرة بالشموع، نساء يدخلن طقساً تقوده «الشامانة الكبرى»، وبينهن البطلة أحلام التي تتردّد بين الرغبة في الضحك من غرابة المشهد والانجراف في رهبة الجوّ. هذا المدخل يؤسس لرحلة تفتّش في الداخل، لكنها تنكشف تدريجياً كرقصة على حدود الوهم.

الرواية مبنية على سلسلة محطات تحمل عناوين كاشفة: «الكنز الموهوم»، «خرائط الألم»، «معبد القلب»، «شبكة المافيا الطبية»، و»ذاكرة الألم». هذه العناوين إشارات إلى العوالم التي تتنقّل بينها البطلة: عالم العمل الرتيب المليء بالتفاهات والصراعات البيروقراطية، وعالم الطقوس الموعودة بالشفاء عبر برمجة الذات وقانون الجذب واستدعاء الطاقات الخفية. كل محطة تكشف عن تواطؤ بين خطابات التنمية البشرية وخطابات الاستغلال، وعن الطريقة التي تُستنزف بها النفس والجسد معاً.

أحلام، الشخصية المركزية، تعيش حالة انقسام حادّ، فهي موظفة تبحث عن معنى وسط رتابة الحياة، وامرأة مضغوطة بين سلطة العائلة ومطالب الزواج، وفي الوقت نفسه تنجذب إلى وعود الخلاص التي تطرحها جلسات الشامانة وخطابات المدرّبين. الرواية تفكك هذا الانقسام بعمق، مظهرة كيف تتحول الحاجة الصادقة إلى التغيير إلى مدخل لاستغلال جديد، وكيف يتكاثر حول الفرد خطاب الخلاص في حين يضاعف واقعه الإحباط.

النص يكشف عن مفارقة مؤلمة: فبينما يُبشَّر الإنسان بقدرة لا محدودة على التغيير، تتبدّى أمامه «شبكة مافيا طبية» تستنزف جسده، و»مافيا تنمية ذاتية» تُتاجر بروحه. عبر هذا التوازي، تنقل الرواية نقداً ثقافياً لزمن يلهث وراء الوصفات السريعة، ويعيد إنتاج أوهامه بلباس روحي أو علمي. النهاية لا تحمل خلاصاً ناجزاً، لكنها تعيد البطلة إلى هشاشتها الأولى، لتدرك أن النجاة ليست في الطقوس المعلّبة ولا في خطابات المديرين، إنّما في وعيها بمحدوديتها ومقاومتها لغواية الحلول السهلة.

من الناحية الأسلوبية، تعتمد لطيفة الحاج على بناء فسيفسائي يدمج بين اليوميات الحياتية والحوارات المأزومة والاقتباسات من نصوص التنمية البشرية، بحيث تبدو الرواية كمرآة مشروخة لزمن عربي يلهث وراء الوصفات السريعة، ويجد نفسه محاصراً بشبكات استغلال جديدة تتدثر برداء الروحانية، ما يجعلها أقرب إلى مرآة مشروخة تعكس قلق الإنسان المعاصر. 

بهذا العمل، تمضي لطيفة الحاج في مشروعها السردي الذي سبق أن تناول عوالم المرض والاضطراب النفسي في «أنروكسيا»، وفكّك ثنائية الخير والشر في «ظلال قابيل». أما في «الشامانة» فهي تنقب في أعماق ثقافة العصر، وتواجه وهم النجاة السريع، وتمضي أبعد في مساءلة الخطوط الفاصلة بين العلاج والاحتيال، بين الروحانية والتجارة، بين البحث الصادق عن معنى والحاجة المستمرة إلى أوهام جديدة تُبقي الفرد معلقاً على حافة النجاة.

جدير بالذكر أنّ الرواية جاءت في 148 صفحة من القطع الوسط، وحمل الغلاف لوحة للفنانة الإماراتية ميرا القاسم، فيما تولى التصميم الداخلي سام باريت، والتصميم الخارجي جونا ليونارد.

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة