السعودية.. من إرث الصقور إلى عاصمة سياحتها العالمية
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
Gemini يصل إلى Android Auto .. جوجل تعزز التفاعل الصوتي أثناء القيادةيوسف حمود - الخليج أونلاين
تَبرُز المملكة اليوم بوصفها العاصمة العالمية لسياحة الصقور، حيث تلتقي الأصالة بالتنمية الحديثة
منذ قرون، ارتبطت الصقور بالصحراء العربية كرمز للفروسية والقوة والهوية الثقافية، لكن السعودية تمكنت خلال العقود الأخيرة، من تحويل هذا الإرث إلى صناعة سياحية متنامية جعلتها مقصداً عالمياً لعشاق الصيد بالصقور والمهتمين بتراثها.
وفي قرى الصحراء القديمة، كان الصقر رفيق البدو في رحلاتهم الطويلة، يساعدهم على الصيد ويمنحهم شعوراً بالفخر والانتماء، واليوم بات هذا الطائر النبيل محور مهرجانات ومعارض دولية تستقطب آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم، في تجربة تجمع بين الرياضة والتراث والثقافة.
ومع انطلاق معرض الصقور والصيد السعودي الدولي في 1 أكتوبر الجاري، تبرز المملكة اليوم بوصفها العاصمة العالمية لسياحة الصقور، حيث تلتقي الأصالة بالتنمية الحديثة في مشهد يعكس رؤية واسعة للحفاظ على التراث وتوظيفه في الاقتصاد السياحي، حيث تؤكد المؤشرات أن صناعة سياحة الصقور أصبحت جزءاً من الاقتصاد غير النفطي، بما ينسجم مع خطط التنمية والرؤية المستقبلية للسعودية.
محطة جديدة
يشكل المهرجان الحالي لعام 2025، والذي يستمر حتى 30 نوفمبر، امتداداً لمسار بدأ منذ سنوات عبر نادي الصقور السعودي، الذي أطلق فعاليات متخصصة جمعت بين منافسات الصيد والمعارض التجارية والعروض الثقافية.
ويشارك في الدورة الجارية مئات الصقارين من داخل المملكة وخارجها، مع حضور دولي من آسيا وأوروبا وأمريكا، ما يعكس المكانة العالمية التي باتت تحظى بها هذه الفعالية.
يشمل البرنامج عروضاً حية لصيد الصقور في مضامير مخصصة، إلى جانب معارض تعرض أحدث تقنيات التدريب والتجهيز، ومزادات علنية لبيع الصقور النادرة بأسعار وصلت في دورات سابقة إلى مئات الآلاف من الريالات، كما حدث في 7 أكتوبر ببيع صقرين منغوليين بقيمة وصلت إلى 900 ألف ريال سعودي.
كما يتيح المهرجان للزوار فرصة التعرف على تاريخ الصقور في الجزيرة العربية، من خلال أجنحة تفاعلية تحاكي حياة البدو وأساليبهم في تربية الطيور وترويضها.
ويشارك في معرض الصقور السعودي هذا الموسم أكثر من 1300 عارض وعلامة تجارية من 45 دولة، ويمثل وجهة عالمية تتيح للزوار من مختلف دول العالم الاطلاع على الموروث السعودي الأصيل؛ مثل الصقارة والصيد والهوايات المرتبطة بها، وفق المنظمين للمعرض.
صناعة سياحية
الصقور التي كانت أداة صيد حيوية في الصحراء أصبحت اليوم محوراً لجذب الاستثمارات السياحية، من خلال تنظيم مسابقات احترافية، وتطوير متاحف متخصصة، وإطلاق برامج تدريبية للزوار الراغبين في خوض تجربة الصيد.
وقد أسهم إدراج الصقارة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو في عام 2016 في تعزيز البعد العالمي للرياضة، وجعل السعودية مركزاً لاستقطاب المهتمين من مختلف الجنسيات.
وتحرص المؤسسات السعودية على استثمار هذا الاعتراف الدولي عبر الترويج لسياحة الصقور في المعارض والأسواق السياحية العالمية.
وقد أسهمت الرياض في توثيق هذا التراث عبر إنشاء نادي الصقور السعودي عام 2017، الذي أخذ على عاتقه مهمة تنظيم المهرجانات والمزادات، وإطلاق مبادرات للحفاظ على السلالات النادرة، وتدريب الصقارين على أساليب حديثة تواكب المعايير البيئية والصحية
عاصمة الصقور
مع تكرار تنظيم المهرجانات الدولية واستقطاب المشاركات الأجنبية، بدأت الأوساط المتخصصة تصف السعودية بأنها "عاصمة سياحة الصقور"، ويعود ذلك إلى حجم الاستثمارات في البنية التحتية وتنوع الفعاليات التي تشمل منافسات رياضية ومعارض ثقافية ومتاحف ورحلات ميدانية في الصحاري.
وتمثل الرياض والقصيم والجنادرية والحدود الشمالية محاور رئيسية لهذه الفعاليات، حيث أقيمت صالات عرض ضخمة ومضامير مفتوحة لاستقبال آلاف المشاركين، كما جرى تطوير خدمات الضيافة والإقامة لتلبية احتياجات السياح الدوليين، ما جعل من مهرجانات الصقور وجهة متكاملة لعشاق التراث والسفر.
وتشير تقارير إلى أن العوائد الاقتصادية لهذه السياحة في تزايد، إذ يسهم قطاع الصقور في تنشيط قطاعات النقل والفنادق والمطاعم والتسوق، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة في مجالات التدريب والإرشاد وتنظيم الفعاليات.
أرقام كبيرة
وكان معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024، والذي استمر على مدى 10 أيام في مقره بملهم (شمال مدينة الرياض)، قد شهد حضوراً تجاوز 640 ألف زائر من داخل المملكة وخارجها، وبمشاركة ما يزيد على 400 عارض من 45 دولة.
ووفقاً لنتائج الأعوام الماضية، تجاوزت مبيعات المزاد خلال الفترة بين 2020 و2024 حاجز 41 مليون ريال (10.9 ملايين دولار)، وفق صحيفة "مكة" السعودية.
ففي عام 2024، عرض المزاد 50 صقراً من 30 موقعاً حول المملكة، وبلغت المبيعات قرابة 6 ملايين ريال (1.6 مليون دولار) استفاد منها 165 طاروحاً.
وفي 2023، عرض 87 صقراً، وحقق مبيعات تجاوزت 7 ملايين و414 ألف ريال (1.98 مليون دولار) بمشاركة 278 طاروحاً.
أما في 2022، فبلغت المبيعات أكثر من 7 ملايين ريال (1.87 مليون دولار) لقاء 81 صقراً.
وسجل عام 2021 على مدار 27 ليلة، صفقات تخطت 8 ملايين ريال (2.13 مليون دولار)، في حين افتتح المزاد عام 2020 مسيرته بمبيعات تجاوزت 10 ملايين ريال (2.67 مليون دولار).
البعد الثقافي والاجتماعي
ولا يقتصر الاهتمام بالصقور على الجانب الاقتصادي والسياحي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى كونه رمزاً للهوية الوطنية، فقد ارتبطت صورة الصقر بالقوة والشجاعة والحرية، وهو حاضر في الشعر الشعبي والفن التشكيلي والرموز الوطنية.
كما تتوارث العائلات فنون تربية الصقور جيلاً بعد جيل، ما يجعلها جزءاً من النسيج الاجتماعي.
وقد أسهمت الفعاليات في تعريف الأجيال الجديدة بهذا التراث، من خلال ورش تعليمية ومعارض تفاعلية تستهدف الأطفال والشباب، فيما تحرص المدارس والجامعات على إدخال برامج تعريفية بالصقور في أنشطتها، ما يعزز الوعي الثقافي ويحافظ على استمرارية هذا التقليد.
كما يشكل المهرجان ملتقى اجتماعياً يجمع العائلات والقبائل، ويوفر مساحة للتلاقي بين الثقافات، حيث يتبادل الصقّارون تجاربهم مع الزوار الأجانب. هذه التفاعلات تجعل من الصقور جسراً للحوار الثقافي، وترسخ صورة السعودية كحاضنة للتنوع والانفتاح.
وتعود ممارسة الصيد بالصقور في الجزيرة العربية إلى آلاف السنين، حيث عثر الباحثون على نقوش ورسومات في الصحراء توثق العلاقة بين الإنسان والصقر، وقد اعتمد البدو على هذه الطيور في الحصول على الغذاء خلال رحلاتهم الطويلة، واعتبروها رمزاً للكرامة والشرف.