اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

"الأدوية منتهية الصلاحية".. حل اضطراري للغزيين لتسكين أوجاعهم

"الأدوية منتهية الصلاحية".. حل اضطراري للغزيين لتسكين أوجاعهم

klyoum.com

داخل منزل تهاوت بعض أحجاره بفعل قصف إسرائيلي طاوله، تجلس المواطنة مريم عجور وهي تحتض طفلتها سوار (7 أعوام) والتي ما زالت تعاني من آثار إصابة في عينها تروي حكاية وجع ونجاة، وسط واقع طبي ينهار بفعل حصار مُطبق يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على ما يزيد عن 2 مليون نسمة.

بدأت القصة في شهر فبراير، حين عادت العائلة إلى غزة بعد نزوح طويل، وفي أحد الأيام تعرّضت سوار لإصابة في عينها نتج عنها ثلاث جروح واضحة. تقول مريم:" ركضت بها إلى مستشفى العيون، وكان بالكاد بدأ العمل. وصف لها الطبيب ثلاث قطرات تُستخدم ست مرات يوميًا، وعلى مدار شهرين كاملين".

لكن ما زاد وجع "عجور" هو صعوبة توفير العلاج لطفلتها، إذ أن الادوية التي تحتاجها لم تكن متوفرة، في حين أن ما هو متوفر في السوق أسعاره باهظة تفوق قدرتها الشرائية، وتضيف الأم:" لفّيت على أكثر من صيدلية، لقيت قطرتين بس، وحدة منهم كانت قاربت تنتهي، والثانية منتهية، والثالثة مش لاقياها أصلًا، لكنّي وجدت نفسي مضطرة لجلب العلاج، فلا يوجد لديّ أي خيارات أخرى".

خلال اليومين الأولين من العلاج، بدأت حالة سوار بالتراجع، حيث فقدت البصر مؤقتًا في العين المصابة، وظهرت عليها أعراض صداع حاد وفقدان توازن في المشي. وتحكي عجور وعلامات الخوف تجتاح وجهها "خفت أكمّل، كنت حاسة إني ممكن أضر بنتي أكتر من إني أساعدها".

لكن زيارتها الثانية للطبيب كانت حاسمة. فقد أكد لها أن استخدام قطرات منتهية الصلاحية ليس مثاليًا، لكنه في الظروف الطارئة التي تمر بها غزة، هو خيار يُفضل على ترك الطفلة بلا علاج: "الدكتور قال لي: منيح إنك لقيتي القطرات أصلاً، هي أكتر من 90% من الحل".

وتتابع مريم، وقد ارتسم على وجهها بعض الأمل: "فعلاً، كملت شهرين على العلاج، والحمد لله سوار اتحسّنت، الجروح خفّت، وفي تحسن في نظرها، لكّن مُتبقي بُقعة بيضاء ومع الوقت ستزول إن شاء الله".

هكذا بدا الحال لدى المُسنة أم محمد جبر (63 عاماً) التي تعاني من مرض ضغط الدم وتتابع في إحدى العيادات الحكومية في مدينة غزة، إذ تقول انها تتناول أقراص من دواء "امكور 5 ملم" من أجل الحفاظ على نسبة ضغط الدم لديها.

وتوضح جبر أنها لم تعد تحصل بسهولة على ذلك الدواء بعدما كان متوفراً بكثرة، وفي آخر زيارة لها للعيادة، اصطفت على طابور طويل أمام الصيدلية من أجل الحصول على ذلك الدواء، وعندما حصلت عليه تفاجأت بأنه منتهي الصلاحية.

وتضيف بصوت يشوبه القلق: "منذ تسلّمت الدواء شعرت بخوف وقلق من تناوله، لكنني استفسرت عن ذلك من الطبيب، فأجابني بأنه لا مانع من أخذ هذا العلاج بسبب عدم توفره في الصيدليات التابعة للعيادات الحكومية، وهو أفضل الخيارات المطروحة أمامك".

إلى ذلك، يكشف مصدر صيدلي في إحدى العيادات الحكومية بقطاع غزة، عن وجود كميات متنوعة من الأدوية المنتهية الصلاحية داخل العيادة، بينها أمبولات، حقن، فيالات، وأقراص لأمراض مزمنة وخطيرة مثل الضغط، والسكري، والقلب، وسرطان الدم.

ووفق المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإن بعض هذه الأدوية، مثل مخدر الأسنان الموضعي "بيفكيين"، ودواء القلب "زيبرولول"، خضعت لإجراءات تمديد فترة الاستخدام بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها، ضمن ما يُعرف علمياً بـ"تمديد حياة الرف"، وهي ممارسة تُعتمد عالمياً في ظروف الطوارئ.

وأضاف المصدر أن "دائرة الجودة في وزارة الصحة هي الجهة المخولة بفحص الأدوية منتهية الصلاحية، حيث تقوم بإجراء تحاليل فيزيائية ومخبرية لتحديد إمكانية تمديد صلاحية الدواء لمرة واحدة فقط، ويتم ذلك وفقاً لمعايير الشركة المصنعة ومكونات العقار".

وتابع: "عند قرب انتهاء صلاحية دواء معين، يتم إرسال عينة منه إلى المستودعات المركزية ودائرة الجودة، والتي بدورها تُصدر قرارًا إما بوقف صرفه تمهيداً لإتلافه، أو بتمديد مدة صلاحيته لفترة إضافية قد تصل إلى شهرين أو أكثر، حسب الحالة".

وحول كيفية تعامل المرضى مع هذه الأدوية، أوضح المصدر أن "الدواء لا يُصرف للمريض إلا بعد صدور قرار رسمي بتمديد صلاحيته، ويتم وضع ملصق جديد على العبوة يظهر تاريخ الصلاحية المحدث، دون أن يلاحظ المريض عادةً انتهاء التاريخ الأصلي".

وأشار إلى أن الوضع الاستثنائي في غزة، نتيجة الحصار المستمر ونقص الأدوية الحاد، دفع وزارة الصحة إلى توسيع نطاق استخدام هذه السياسة، لتشمل أدوية الضغط مثل "الأمكور"، و"جلوكوفاج"، وأدوية السيولة مثل "بيبي أسبرين"، إضافة إلى مضادات حيوية وعلاجات للسرطان.

وختم المصدر حديثه: "في الظروف العادية، يتم إتلاف الأدوية منتهية الصلاحية، لكن في غزة نحن أمام حالة طارئة مستمرة بفعل الحصار ومنع الاحتلال إدخال الأدوية، ما يجعلنا مضطرين لاتخاذ إجراءات استثنائية تضمن استمرار تقديم العلاج للمرضى دون المساس بجودة الدواء وسلامته".

تفشي الظاهرة

من جهته، أطلق الدكتور الصيدلاني ذو الفقار سويرجو تحذيرًا بشأن ظاهرة تزايد الأدوية منتهية الصلاحية أو التي شارفت على الانتهاء في السوقين الحكومي والخاص، ما يزيد من معاناة السكان ويُهدد صحتهم في ظل الانهيار المستمر للمنظومة الصحية.

وأكد الدكتور سويرجو في تصريح خاص لـ "فلسطين أون لاين"، أن بعض الأدوية، ورغم انتهاء تاريخ صلاحيتها المطبوع، قد تظل فعالة وآمنة للاستخدام لعدة أشهر، شريطة أن تحافظ على صفاتها الفيزيائية والكيميائية. وبيّن أن على المواطنين تفحص لون الحبة، وتماسكها، وعدم وجود انتفاخ في الشريط، إضافة إلى التأكد من عدم تغير رائحتها، قبل استخدامها.

وشدد سويرجو على استثناء نوعين من الأدوية من هذا التوجيه، حيث أكد أن استخدام المضادات الحيوية منتهية الصلاحية يُعد خطرًا صحيًا جسيمًا، حتى لو بدت صالحة ظاهريًا، بسبب التحلل الكيميائي الضار الذي قد يطرأ عليها. كما حذر من الفيتامينات والهرمونات منتهية الصلاحية، والتي قد تتعرض لتغيرات كيميائية تؤدي إلى مضاعفات غير مرغوبة.

وختم سويرجو حديثه بالتأكيد على أن هذه الإرشادات تنطبق فقط على حالة الطوارئ التي يعيشها القطاع، داعيًا إلى توخي الحذر الشديد في الظروف الطبيعية، والالتزام بجميع المعايير الطبية المعتمدة عند تداول الأدوية.

من ناحيته، حذّر مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة في قطاع غزة د. زكري أبو قمر من تناول أي أدوية منتهية الصلاحية من دون استشارة طبية، قائلاً: "يُمنع منعًا باتًا صرف أو استخدام أي دواء منتهي الصلاحية إلا بعد مراجعة واعتماد رسمي من دائرة الجودة في وزارة الصحة".

وأوضح أبو قمر في حديث خاص لـ" فلسطين أون لاين"، أن تمديد صلاحية بعض الأصناف المنقذة للحياة يتم فقط بعد دراسات علمية وفحوصات دقيقة للمادة الفعالة والصفات الفيزيائية، ويُوضع على العبوة رقاع رسمي يوضح فترة الصلاحية الجديدة.

وبيّن أن من بين الأدوية التي قد تخضع للتمديد علاجات مرضى الضغط والسكري، نظرًا لأهميتها البالغة في الحفاظ على حياة المرضى، مؤكدًا أن هناك أصناف لا يمكن تمديد صلاحيتها إطلاقًا وفقًا للمعايير العلمية.

وحذر أبو قمر المواطنين من شراء الأدوية عبر الباعة الجائلين أو من الأكشاك غير المرخصة، مؤكدًا أن "هذه الأدوية قد تكون محفوظة في ظروف سيئة، ما يؤدي إلى فقدان فعاليتها أو تحللها بطريقة ضارة".

وأكد أن وزارة الصحة تتابع المخالفات وتحذر المؤسسات والصيادلة الذين يروجون أدوية بطرق غير قانونية، وتصدر تحذيرات رسمية وتقوم بإغلاق المؤسسات المخالفة في حال ثبوت التجاوزات، مشيراً إلى أن هذا الأمر لا ينفي وجود أدوية منتهية الصلاحية في بعض المراكز الأهلية والنقاط الطبية التي لا يُمكن الوصول لها خصوصاً في ظل النزوح الكبير وعدم القدرة على الحركة.

وبيّن أن تمديد الصلاحية لأي علاج يستوجب التعامل معه علمياً مع ضرورة إخضاعه لرقابة من دائرة الجودة في الوزارة، ووضع رقاع جديد بتمديد تاريخ صلاحية مُجدد بناء على اعتماد من الجهة المختصة في الوزارة، حتى يكون المواطن على علم ودراية بالفترة التي جرى تمديدها، مؤكداً "لا نلجأ لهذه الطريقة إلا إذا كان الدواء ضروري جداً وفي إمكانية علمية لتمديده بناء على توجيهات الجهات المختصة في الوزارة".

ودعا أبو قمر المواطنين إلى تناول الأدوية فقط من صيدليات مرخصة، وعدم استخدام أي علاج منتهي الصلاحية دون تعليمات مباشرة من الوزارة، مشيرًا إلى أن أي استفسار بهذا الخصوص يجب توجيهه إلى دائرة الجودة في وزارة الصحة.

وشدد على أن هناك، أزمة دوائية حادة تهدد استمرار الخدمات الصحية في المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، وسط حصار متواصل وعدوان مستمر أفقد النظام الصحي قدرته على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات العلاجية.

وأفاد بأن 43% من مجموع الأدوية الأساسية أصبحت "صفرية" مع نهاية الشهر المنصرم، أي غير متوفرة نهائيًا، فيما بلغ العجز في المستهلكات الطبية 64%، محذرًا من أن هذه النسب "تشكل تهديدًا مباشرًا على كافة الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى والمصابين".

وأوضح أبو قمر أن 48% من أصناف الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، والتي تصرف عبر مراكز الرعاية الأولية، نفدت بالكامل، ما اضطر الطواقم الطبية إلى تحويل المرضى إلى أدوية بديلة قد لا تكون مناسبة صحيًا.

وأضاف: "هذا الخيار المفروض علينا يؤثر سلبًا على استقرار الحالة الصحية للمرضى، خاصة في ظل غياب تلك الأدوية أيضًا عن القطاع الخاص ووكالة الغوث".

وأشار إلى أن القطاع الخاص محروم من استيراد الأدوية منذ بداية الحرب، وأن ما يصل إلى غزة من أدوية يقتصر على المساعدات الإنسانية الموجهة لوزارة الصحة وبعض المؤسسات الأهلية والدولية.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة حذّرت المواطنين من شراء الأدوية من البسطات أو الأكشاك العشوائية المنتشرة في الأسواق والطرقات، مؤكدة أن هذا السلوك يُشكل خطرًا حقيقيًا على صحة وحياة المواطنين، في ظل غياب الرقابة واشتداد الأزمة الصحية الراهنة.

وأوضحت الوزارة في بيان صحفي، أن غالبية الباعة في هذه النقاط غير حاصلين على ترخيص من وزارة الصحة، ما يعني أنهم يفتقرون إلى الكفاءة العلمية والمهنية في صرف الأدوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى وصف أدوية غير مناسبة أو ضارة، ويترتب عليه مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى الوفاة.

وأضافت الوزارة أن الأدوية المتداولة في هذه الأماكن تُعرض في ظروف تخزين سيئة وتحت أشعة الشمس المباشرة ودرجات حرارة مرتفعة، ما يؤدي إلى تلف الأدوية أو فقدان فعاليتها، بل وقد تتحول إلى مواد ضارة تشكل تهديدًا على حياة متناوليها.

وأكدت وزارة الصحة أنها تُهيب بجميع المواطنين عدم شراء أي دواء من خارج الصيدليات المرخصة، داعية إلى التوجه فقط إلى الصيدليات الرسمية التي تخضع للرقابة وتضمن جودة الأدوية وسلامتها، ويشرف عليها صيادلة مؤهلون ومرخصون لضمان تقديم الخدمة الدوائية بشكل آمن وسليم.

كما شددت الوزارة على أنها تتابع أي مخالفات بهذا الشأن وتتخذ الإجراءات القانونية بحق من يروج أو يبيع أدوية بطرق غير قانونية، حفاظًا على سلامة المواطنين.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com