معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: إغلاق دائرة الحرب في قطاع غزة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
لازاريني: مؤسسة غزة الإنسانية لا تقدم سوى التجويع والرصاص للفلسطينيينترجمات – مصدر الإخبارية
يتعين على إسرائيل أن تستغل التغيير الدراماتيكي الذي حدث في المنطقة في أعقاب جولة القتال مع إيران، وأن تظهر الشجاعة السياسية ــ وليس العسكرية فقط ــ وأن تختار عملية مسؤولة لإنهاء الحرب.
لقد استنفدت إسرائيل معظم إنجازاتها العسكرية الممكنة في قطاع غزة، ومن الآن فصاعدًا، يُعدّ استمرار القتال مجرد "خلط أوراق" والغرق في مستنقع غزة، مما سيؤدي إلى خسائر فادحة، دون أي فائدة أمنية حقيقية، وقد يؤدي حتى إلى احتلال كامل للقطاع. حماس، كجيش (إرهابي)، فُكّكت في ساحة المعركة – فقدت معظم قوتها، وقُضي على سلسلة قيادتها بالكامل تقريبًا، ودُمّرت بنيتها التحتية العسكرية والمدنية. وقدراتها محدودة بعمليات إرهابية وحرب عصابات متفرقة. أما قضية الرهائن، وهي جرح غائر في قلوب الإسرائيليين ، فلم يتغير شيء خلال الشهرين اللذين انقضيا منذ بدء عملية "عربات جدعون". لذلك، من الأفضل لإسرائيل استغلال إنجازات القتال، سواء في قطاع غزة أو ضد إيران تحديدًا، كورقة ضغط لتحرك سياسي يُفضي إلى إطلاق سراح الرهائن في أسرع وقت ممكن وإنهاء الحرب.
البنية التحتية لهذه الخطوة السياسية موجودة بالفعل، وهي تتمثل في الخطة التي وضعتها مصر على جدول الأعمال، والتي حظيت بدعم الدول العربية والإسلامية. يتضمن الاقتراح المصري شروطًا لإنهاء الحرب في غزة بشكل كامل وانسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من القطاع، مقابل إعادة الرهائن وإقامة ترتيبات حكم جديدة تضمن عدم سيطرة حماس عليه، بالإضافة إلى إعادة تأهيله مدنيًا واقتصاديًا.
في الوقت نفسه، يجب على إسرائيل أن تستفيد من التغيير الدراماتيكي الذي حدث في المحاذاة الاستراتيجية الإقليمية في أعقاب جولة القتال مع إيران: فقدت حماس راعيتها – ضعفت إيران ومحور المقاومة إلى حد كبير؛ فقدت حماس مكانتها كعضو بارز في "حركة المقاومة الإقليمية" وأصبحت منظمة أسيرة تعتمد على رحمة الآخرين – جفت طرق نقل الأموال وتهريب الأسلحة إلى المنظمة في قطاع غزة؛ تم إثبات تحالف أمني سياسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي ستجد قطر صعوبة في دق إسفين فيه؛ القاهرة، إن الرياض وأبو ظبي وعمان والدوحة تخشى بالفعل الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة (خاصة في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة في السلطة)، ولكنها مستعدة للتدخل في مستنقع غزة من أجل الترويج لإنهاء الحرب، وهي أكثر نضجاً في اقتراح وتنفيذ آلية لنزع السلاح من القطاع؛ لقد سئم الجمهور الغزي من استمرار الحرب وتحركات حماس، ولم يعد يخشى كما كان في الماضي من آليات الأمن الداخلي ووحدات "السهم" التابعة للمنظمة؛ في الممارسة العملية، تقف حماس عند مفترق طرق في اتخاذ القرار. بين استمرار "المقاومة" والكفاح المسلح، وهو ما يعني خطراً وجودياً مباشراً على بقائها، وبين التنازل عن السلطة وتسليم السلاح تدريجياً، وهو ما من شأنه تمكينها من البقاء كحركة وإعادة إعمار القطاع.
في هذا السياق، صرّح سامي أبو زهري، المسؤول البارز في حماس، بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بأن حماس مستعدة لإطلاق سراح جميع "الأسرى" الإسرائيليين المحتجزين لديها كجزء من صفقة شاملة واحدة، شريطة الحصول على ضمانات دولية حقيقية لوقف إطلاق نار شامل ووقف الأعمال العدائية في قطاع غزة. ولا تشترط حماس إطلاق سراح "الأسرى" باتفاق سياسي طويل الأمد أو إنجازات استراتيجية، بل ترى وتعتبر هذه خطوة إنسانية يمكن تنفيذها إذا تم ضمان وقف الهجمات الإسرائيلية على الفور وإزالة التهديد المستمر لحياة المدنيين في قطاع غزة.
بالنسبة لإسرائيل، فإن وقف القتال الآن والمضي قدمًا نحو اتفاق ليس "استسلامًا لشروط حماس" – كما يصفه المعارضون الإسرائيليون لإنهاء الحرب – بل هو خيار منطقي لخيار أفضل. لقد أُجبرت حماس على التخلي عن حكمها، وتضررت قدرتها على إعادة بناء قوتها بشدة، ولدى إسرائيل الأدوات اللازمة لمنع تسليحها وتعزيز قوتها، سواء من خلال إغلاق قنوات تهريب الأسلحة ونقل الأموال، أو من خلال قوة الإنفاذ وحرية العمل العسكري.
تفعيلها لإحباط أي تهديد إرهابي ومحاولة إعادة بناء البنية التحتية الإرهابية في قطاع غزة. الاختبار الحقيقي ليس في تصريحات حماس بالنصر، بل في الوضع الميداني: فقد أُجبرت حماس فعليًا على التخلي عن سيطرتها على الحكم وعن رؤية التحرير الفوري لفلسطين، كما رآها قادتها قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إن إنهاء الحرب الآن قد يمنح إسرائيل إنجازات إضافية كبيرة لا يمكن للمسار العسكري وحده أن يحققها:
1. فرصة لإنقاذ الرهائن أحياءً – أعلنت حماس مرارًا وتكرارًا منذ بداية الحرب استعدادها لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين إذا أوقفت إسرائيل القتال وانسحبت من قطاع غزة. من وجهة نظرها، ليس لدى إسرائيل ما تخسره إذا وضعت تصريحات حماس موضع الاختبار. إذا استجابت لهذا العرض وأفرجت حماس بالفعل عن جميع الرهائن، ستكسب إسرائيل، أرواحًا وأرواحًا، أغلى ما تملك، وبالتالي تسلب حماس ورقة المساومة الرئيسية التي لا تزال بحوزتها. إذا اتضح أن حماس تغش، أو تعجز عن تسليم جميع المخطوفين، فستتمكن من استئناف القتال من منطلق العدالة، مما سيكسبها شرعية واسعة. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، التي تضع (على الأقل على المستوى الرسمي) إعادة المخطوفين هدفها الأسمى، تُعدّ هذه خطوة ضرورية للوفاء بالتزاماتها تجاه عائلاتهم وشعب إسرائيل.
2. تداعيات إقليمية إيجابية – ينتظر العالم العربي، وخاصةً الدول الرئيسية: السعودية ومصر والإمارات والأردن، وقف إطلاق النار الإسرائيلي في غزة للتحرك لإعادة إعمار القطاع وتوسيع وتعميق "اتفاقيات إبراهيم". تُشير السعودية صراحةً إلى أن التقارب بينها وبين إسرائيل (التطبيع والعلاقات الرسمية) لن يكون ممكنًا إلا بعد انتهاء الحرب المدمرة في غزة ورسم مسار لحل الصراع. الإسرائيلي الفلسطيني. الدول العربية المعتدلة مستعدة لاستثمار موارد مالية وسياسية في إعادة إعمار القطاع، والمشاركة في قوة المهام التي ستُرسي الاستقرار في المنطقة، ثم العودة إلى مسار التطبيع وإقامة علاقات استراتيجية مع إسرائيل.
3. استمرار هذا الوضع المضطرب سيؤدي إلى فوضى، ستجبر إسرائيل على احتلال القطاع. فإذا حققت إسرائيل احتلالًا كاملًا للقطاع (حتى لو لم يُعلن رسميًا)، فلن تُقدّم أي دولة عربية مساعدة لإسرائيل وسكان غزة، وكذلك المجتمع الدولي. ستتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن مشكلة غزة بجميع جوانبها، بما في ذلك إعادة الإعمار وتلبية احتياجات حوالي مليوني نسمة، بتكلفة عشرات المليارات سنويًا. في ظل هذه الخلفية، من المتوقع أن تشتد الانتقادات الدولية لإسرائيل.
4. الوضع الداخلي في إسرائيل. تُعمّق الحرب المطولة والقاتلة الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، وتُلحق الضرر بالاقتصاد، وتُشتّت الانتباه عن ضرورة استعادة الحكم الرسمي وغير الرسمي. قد يُسهم إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن في استقرار الوضع الداخلي، ويُتيح للاقتصاد التعافي، ويُعيد لجيش الدفاع الإسرائيلي الكفاءة المطلوبة في مجالات أخرى، وفي ظل التهديدات الاستراتيجية (بما في ذلك الحفاظ على الردع ضد حزب الله، ومنع تجدد المشروع النووي الإيراني، وموازنة الهيمنة التركية في سوريا، والتصدي للإرهاب في الضفة الغربية). ما دامت إسرائيل غارقة في قطاع غزة، تُحوّل موارد ثمينة إلى هناك، بالضرورة على حساب الاستعداد للتحديات المستقبلية.
آليات إنهاء الحرب وتسويتها
في أعقاب التحول الجذري في ميزان القوى في المنطقة: استعادة الردع الإسرائيلي؛ والرغبة العلنية للرئيس الأمريكي في إنهاء الحرب؛ وإضعاف المفسدين – العناصر المارقة المدعومة من إيران؛ وضعف حماس وعزلها، وهي تحت رحمة الوسطاء؛ واستعداد الدول العربية، للانضمام والمساعدة في استقرار القطاع وإقامة إدارة تكنوقراطية تتولى زمام الحكم من حماس – تم إنشاء نافذة فرصة لإنهاء دورة الحرب في قطاع غزة التي بدأت هناك في أكتوبر 2023.
الخطوات المقترحة لإنهاء الحرب وتسوية الوضع:
التزام إسرائيل بإنهاء الحرب بضمانة أمريكية، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء دفعةً واحدة.
السماح برحيل قادة حماس، عسكريين ومدنيين، إلى دولة ثالثة، مع التعهد بعدم المساس بهم.
إنشاء إدارة تكنوقراطية لإدارة قطاع غزة بدلاً من حماس، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبمساعدة ودعم من الدول العربية المعتدلة.
لن تسحب إسرائيل قواتها من القطاع إلا بعد إبعاد حماس عن السلطة وإقامة حاجز مادي فعال لمنع التهريب من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة.
ومع انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع، ستُنشر قوة شرطة فلسطينية تابعة للسلطة الفلسطينية هناك، إلى جانب قوة عمل عربية مشتركة للمساعدة في استقرار المنطقة، وضبط النظام العام، وتأمين المساعدات الإنسانية وتوزيعها على السكان.
إن تنفيذ الخطة المصرية لإعادة تأهيل قطاع غزة مشروط بإنشاء آلية فعّالة لنزع السلاح، وتشكيل فريق عمل عربي مشترك للإشراف على نزع السلاح وتنفيذه.
استيفاء عدد من الشروط المتراكمة:
إن نجاح عملية التسوية والتوصل إلى اتفاق سوف يعتمد على استيفاء عدد من الشروط المتراكمة: النشاط الأميركي والمصري، وعدم تدخل قطر في المحور المركزي؛ الحفاظ على حرية العمل العسكري وحقوق إسرائيل في فرض القانون، من أجل إحباط التهديدات ومنع تجدد البنى التحتية الإرهابية.
إنشاء آلية مراقبة قوية وتدخلية من خلال فريق عمل عربي مشترك لنزع سلاح حماس ومنع إعادة تمكينها؛ وسيتم الإشراف على المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار لمنع تسرب المواد المخصصة لإعادة بناء البنية التحتية المدنية في قطاع غزة إلى أيدي حماس.
لقد حان الوقت لتقديم معادلة جديدة للبقاء لحماس، معادلة تُوضّح لها أن استمرار وجودها مرهون بتركيزها على هويتها كحركة شعبية دينية، لا كذراع عسكري إرهابي تابع لـ"المقاومة". بمعنى آخر، يجب إقناع قادة حماس، وخاصة المقيمين منهم في قطر، بأن سبيل إنقاذ الحركة وبقائها ليس مواصلة الحرب، بل تسليم الرهائن والحكومة والسلاح.
ولتحقيق هذه الغاية، تستطيع الدول العربية السنية أن تقدم لحماس حوافز، بما في ذلك ضمانات لأمن قادتها ونشطائها الذين سيتم نفيهم من القطاع؛ وحلول توظيف في القطاع لنشطاء حماس، وخاصة في الرتب المتوسطة والدنيا، الذين سيسلمون أسلحتهم؛ والسماح بالنشاط السياسي والاجتماعي على المستوى المحلي، شريطة أن يتوقف التحريض المتطرف على الكراهية والإرهاب والعنف على الفور.
الاتجاهات المستمرة بعد انتهاء الحرب
– حق العودة للقتال – سيتم الاعتراف بحق إسرائيل في العمل العسكري إذا انتهكت حماس هذا الاتفاق واستأنفت بناء قوتها العسكرية. بعد عودة الرهائن، سيتمتع الجيش الإسرائيلي بحرية العمل بكثافة عالية في جميع أنحاء القطاع، دون القيود المفروضة حاليًا بسبب المخاوف من إيذاء الرهائن.
– الجانب الإنساني – سيخفف انتهاء الحرب بشكل ملحوظ من الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. سيتسنى إيصال المساعدات وتوزيعها على السكان، وسيُنقذ المزيد من الضحايا (قُتل حوالي 55 ألف فلسطيني في الحرب، أكثر من نصفهم ليسوا من نشطاء حماس أو الإرهابيين).
– الشرعية – إن إسرائيل التي اكتسبت الشرعية الكاملة في حربها على إيران وصفر شرعية في سياق الحرب في غزة، سوف يُنظر إليها على أنها أظهرت المسؤولية واستجابت للدعوات لإنهاء الحرب، وهي خطوة من شأنها أن تخفف الانتقادات الموجهة إليها وتعيد إليها قدراً من التعاطف والثقة.
– توسيع نطاق "اتفاقيات إبراهيم" – توقفت عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية عقب الحرب، وجُمدت العلاقات مع دول السلام و"اتفاقيات إبراهيم". إن الاستجابة الإيجابية لدعوة هذه الدول لإنهاء الحرب ستُعيد زخم العلاقات، وستُجدد المحادثات سريعًا لإقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية وتوسيع نطاق "اتفاقيات إبراهيم". وسيعزز التقدم في هذا الاتجاه التكامل الإقليمي لمعسكر الدول المعتدلة في مواجهة إيران ووكلائها.
إن استمرار الحرب في غزة يعني استمرار نزيف إسرائيل في القطاع دون هدف واضح والتخبط في الوحل الذي يضعف الجيش الإسرائيلي، ويؤدي إلى تآكل الصمود الوطني، وتفاقم الأزمة الإنسانية والفوضى في القطاع، ويمنع إمكانية استغلال إنجازات إسرائيل في الحملة ضد إيران لتوسيع "اتفاقيات إبراهيم" وإنشاء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة الدول العربية المعتدلون وإسرائيل. بمعنى آخر، إن عدم استغلال فرصة إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن هو أسوأ الخيارات. لذا، فإن إنهاء الحرب في غزة هو الخيار الأمثل.
أودي ديكل
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
ترجمة: مصطفي إبراهيم