تهويد المقابر.. حين يصبح الموتى غرباء في مدينتهم
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
قرار أميركي فوري بتخفيف العقوبات على سوريافي انتهاكٍ صارخٍ لحرمة المقدسات الإسلامية، وامتدادٍ لمسلسل تهويد المدينة المقدسة، أقدم مستوطن على تحويل مقام الشيخ أحمد بن علي الدجاني، الواقع في قلب مقبرة "مأمن الله" غرب القدس المحتلة، إلى مسكنٍ خاص، بعد أن أزال القبر واليافطة التاريخية التي تؤرِّخ للمكان، وأدخل أثاثًا منزليًا ضمّ سريرًا وطاولة وكراسي، ما أثار موجة غضب واسعة بين أهالي القدس والمهتمين بالشأن المقدسي.
وقال الباحث المختص في شؤون القدس، فخري أبو دياب، إن عائلة الدجاني، التي تواظب على زيارة المقام، فوجئت خلال زيارتها الأخيرة باختفاء القبر وتحوّل المقام إلى غرفة معيشة، ما شكّل صدمة كبيرة للعائلة ولسكان المدينة الذين يرون في المقبرة والمقام جزءًا أصيلًا من تاريخهم وهويتهم.
ويقع مقام الشيخ الدجاني ضمن أرض مقبرة "مأمن الله"، أكبر وأقدم المقابر الإسلامية في القدس، والتي تمتد على مساحة تتجاوز 200 دونم، وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد منعت الدفن فيها منذ نكبة عام 1948، وبدأت منذ ذلك الحين بتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى طمس هويتها وتغيير معالمها.
طمس التاريخ
وأوضح أبو دياب، لـ "فلسطين أون لاين"، أن الاحتلال الإسرائيلي عمل خلال العقود الماضية على تقليص مساحة المقبرة، وتجريف أجزاء واسعة منها، وتحويل أراضيها إلى مشاريع تهويدية، منها "حديقة الاستقلال"، ومتحف "التسامح" الذي أُقيم على رفات المسلمين بعد نبش القبور، إضافة إلى مدرسة دينية، ومواقف سيارات، وفنادق، ومبانٍ تجارية.
وأضاف أن هذا الاعتداء لا يأتي بمعزل عن سياسة منظمة يتبعها الاحتلال لتجريد المدينة من طابعها الإسلامي والعربي، مشيرًا إلى أن المقبرة تضم رفات عدد كبير من المجاهدين والعلماء وسكان القدس القدامى، وهي شاهد تاريخي على عمق الجذور العربية والإسلامية في المدينة.
وأكد أبو دياب أن ما جرى يُعدّ جريمة مزدوجة: انتهاكًا لحرمة الأموات، واعتداءً على أحد المعالم الإسلامية المهمة في القدس، مبينًا أن الاحتلال يحاول باستمرار "جسّ نبض" الشارع المقدسي، وعندما لا يواجه ردة فعل قوية، يتمادى في جرائمه ضد المقدسات.
ردود الفعل
من جهته، قال مدير لجنة رعاية المقابر الإسلامية، أحمد الدجاني، وهو أحد أحفاد الشيخ أحمد بن علي الدجاني، إن العائلة أبلغت الجهات المختصة فور اكتشاف الاعتداء.
وأضاف الدجاني لـ"فلسطين أون لاين"، أن شرطة الاحتلال وطواقم البلدية قامت بإزالة الأثاث من داخل المقام وإغلاقه مؤقتًا، إلا أنها طالبت العائلة بالتوجّه إلى المحاكم الإسرائيلية لإثبات أن المكان هو مقام ديني وقبر.
وأوضح أن الاعتداءات على المقابر الإسلامية باتت تتكرر بشكل روتيني، إلا أن تحويل مقامٍ وقبرٍ إلى غرفة نوم يشكّل سابقة خطيرة، ويؤكد أن الاحتلال يعمل بخطة ممنهجة لمحو المعالم الإسلامية من القدس.
من جهته، قال رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس، مصطفى أبو زهرة، إن الاعتداء جرى في جنح الليل، حيث اقتحم المستوطن المقام وأزال القبر واليافطة التي كانت تؤرخ لوجوده، رغم أن كتب التاريخ والمخطوطات القديمة تؤكد وجوده منذ مئات السنين.
وأشار أبو زهرة، لـ"فلسطين أون لاين"، إلى أن سلطات الاحتلال أقامت على أرض المقبرة عدة مشاريع تهويدية دون أي اعتبار لقدسية المكان أو حرمة القبور، كما تم طمس معظم القبور وإخفاء معالمها ضمن سياسة متعمدة لإزالة كل ما يمتّ بصلة إلى الوجود العربي والإسلامي في المدينة.
دعوات للتحرك
وبالعودة إلى أبو دياب، فقد دعا إلى تواجد دائم ومكثف من الأهالي والمؤسسات الإسلامية والعربية في المواقع المهددة بالتهويد، مؤكدًا أن غياب الحماية الفعلية لهذه الأماكن يجعلها عرضة للمزيد من الانتهاكات.
كما طالب الدول العربية والإسلامية، والمؤسسات الدولية المعنية، بالتدخل الفوري والضغط على الاحتلال لوقف جرائمه ضد المقدسات الإسلامية والمواقع التاريخية في القدس، مشيرًا إلى أن ما يجري لا يستهدف فقط الحجارة والمعالم، بل هو محاولة لطمس الهوية الثقافية والدينية للعرب والمسلمين في المدينة.
واختتم بالقول: "إن الحفاظ على التاريخ والمقدسات مسؤولية جماعية، ويجب تفعيل كافة الوسائل القانونية والدبلوماسية والإعلامية لإفشال مخططات الاحتلال الرامية إلى تزوير الواقع وفرض أمر واقع جديد بالقوة".