عامان على السابع من أكتوبر: صمودٌ في وجه النار وملامح صفقة تُرسم من رماد الحرب”
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
مستوطنون يقطعون 150 شجرة زيتون في بردلا بالأغوارالكاتب: د. ربحي دولة
بعد عامين على اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، لا تزال تداعيات ذلك اليوم تلقي بظلالها الثقيلة على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، وعلى المشهد الإقليمي برمته. الحرب التي اندلعت من قطاع غزة شكّلت لحظة فارقة، خرجت من سياق التصعيدات التقليدية إلى معادلة مفتوحة على احتمالات بالغة الخطورة. طوال عامين، دفع الفلسطينيون في غزة، كما في أماكن أخرى، ثمنًا باهظًا من دمائهم وأحلامهم، في مواجهة آلة عسكرية لا ترحم. أحياء بكاملها مُسحت من السجلات السكانية، بيوت سوّيت بالأرض، آلاف الشهداء، ومئات الآلاف من النازحين الذين لم يفقدوا فقط منازلهم، بل جزءًا من ذاكرتهم وهويتهم أيضًا.
رغم كل هذا الدمار، لم تنكسر إرادة الناس، بل تجذّرت أكثر. من وسط الرماد، أفرج عن أسرى محكومين بالمؤبدات في صفقة تبادل أعادت بعض الروح لبيوت هجرتها الحياة. انتصر الشعب الفلسطيني في معركة البقاء، في التمسك بالأرض رغم فداحة الخسائر، في مواجهة النزوح والخذلان والصمت الدولي، ليبقى الرقم الأصعب في معادلة لا تعرف الثبات.
مع تصاعد الحديث عن اتفاق سياسي “تاريخي” يهدف إلى إنهاء الحرب، تعود إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول طبيعة المرحلة المقبلة. هل نحن أمام فرصة حقيقية لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقًا لما جاء في إعلان نيويورك، أم أن ما يجري هو إعادة تدوير لصفقة قديمة بثوب جديد، هدفها دمج إسرائيل في الإقليم العربي والإسلامي وتوسيع مظلة الهيمنة الأمريكية؟ التساؤلات لم تعد نظرية، بل باتت تفرض نفسها بقوة على طاولة البحث، خاصة في ظل الحراك الدولي الواسع واللقاءات السياسية المكثفة التي تجري خلف الأبواب المغلقة.
هناك من يرى في هذا المسار بارقة أمل، قد تفتح الباب أمام حل سياسي شامل ينهي عقودًا من الاحتلال والاقتلاع، ويعيد للشعب الفلسطيني جزءًا من حقوقه. لكن بالمقابل، هناك مخاوف مشروعة من أن يكون هذا الاتفاق مجرد بوابة عبور لدولة الاحتلال نحو قلب المنطقة، عبر مشاريع “السلام الاقتصادي” وتطبيع العلاقات، ضمن صفقة كبرى تُعيد ترسيم المنطقة بما يخدم المصالح الغربية، ويعزز من النفوذ الأمريكي في مرحلة ما بعد الاضطرابات.
في هذا السياق المعقد، برز موقف الرئيس محمود عباس باعتداله وثباته، حيث تمسّك بخيار المقاومة الشعبية والعمل السياسي كطريق لإحقاق الحقوق الوطنية، في وقت انزلقت فيه أطراف أخرى إلى مواجهات غير محسوبة العواقب. حافظت حركة فتح على توازن الخطاب والفعل، وتحمّلت مسؤولية المرحلة بأعبائها الثقيلة، فكانت درعًا سياسيًا يحول دون انفلات المشهد نحو خيارات مدمّرة لا تخدم المشروع الوطني.
اليوم، لا يمكن تجاهل أن المنطقة تقف عند مفترق طرق حاسم. إما أن تسلك مسارًا يؤدي إلى دولة فلسطينية حقيقية بعاصمتها القدس، تنهي الاحتلال وتفتح صفحة جديدة من السلام العادل، أو يتم الزج بالقضية الفلسطينية في رزمة ترتيبات إقليمية هدفها ضمان أمن إسرائيل وتمكين نفوذ القوى الكبرى، دون أي اعتبار لحقوق أصحاب الأرض.
ما بين هذه الاحتمالات المتضادة، يظل الشعب الفلسطيني هو الرهان الحقيقي، بقوته المعنوية، ووعيه السياسي، وصموده الأسطوري. هذا الشعب الذي لم يكسره العدوان، ولم تضعفه المجازر، هو وحده القادر على فرض إرادته، ليس فقط على الأرض، بل على طاولة المفاوضات أيضًا. فالقضية التي لم تمت رغم كل محاولات طمسها، تظل حية بصمود أصحابها وتنسكهم بأوضاعهم وحقهم بالعيش عليها بحرية وكرامه في ظل دولتهم المستقله وعاصمتها القدس الشريف.