قراءة في نهضة فكرية عابرة للمناطقية والقومية والمذهبية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على أسطول الصمود عمل إرهابيالكاتب:
د. نضير الخزرجي
لست ضليعاً بالترجمة ولست من أهل هذا الفن الرفيع، ولكن بحكم العمل شبه اليومي في مجال البحث والتحقيق، أجد نفسي ملزماً بترجمة نصوص فارسية وانكليزية إلى اللغة العربية تقع في طريقنا أثناء التحقيق وذلك بلحاظ تمكني بقدر ما على التعامل مع اللغة الفارسية والإنكليزية، وإن كانت التقنية الحديثة ساعدت بشكل كبير على الترجمة باللغات المختلفة من وإلى حتى لمن لا يتحدث إلا بلغة الأم فقط، وتختلف الترجمة بين شخص وآخر حتى في المتن الواحد بنصوصه أو بنص واحد، بخاصة الترجمة الى اللغة العربية نظراً لتمتع المفردة العربية باشتقاقات كثيرة ومرادفات وفيرة.
وتخضع الترجمة في أحد أوجهها إلى حجم تمكن المترجم من الأدبين المترجم منه إلى المترجم إليه وبالعكس، وإن اختلفت الترجمة بين أن تكون ترجمة المفردات مجردة لتعطي جملة مفيدة يفهمها القارئ، أو الترجمة بالمعنى وبأسلوب أدبي جذاب، ولكن في نهاية الأمر يفترض أن تقدم الترجمة المعنى المراد من المتن أو النص الأجنبي.
ووجدت الترجمة سوقها الرائج في عالم الكتب، وحيث يهيم المترجم في ترجمة الرواية أو القصة ويخرج ما في جعبته من مفردات أدبية وأسلوب كتابي بديع كأنك تقرأه ولا تقرأ الراوي أو القاص الأصل، ففي الترجمات العلمية والرياضية والفيزيائية والكيميائية وما شابه لا مجال كبير للأدب، فمنتهى المترجم ايفاء الكلمة حقها من المعنى حتى لا يخرج عن النص الأصل.
وبعد مرور الزمن وتطور صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني وخروج البث التلفزيوني من المحلي إلى العالمي عبر البث الفضائي والرقمي ازداد رصيد الترجمة في عالم الأفلام والتمثيليات والمسلسلات القادرة بفضل تطور تقنية البث الدخول إلى البيوت في مشارق الأرض ومغاربها، وتحولت الترجمة من القراءة أسفل الشاشة إلى الدبلجة الصوتية، فصار المشاهد يرى ويسمع المسلسل الأجنبي بلغته الأم كأنه مسلسل من إنتاج محلي.
ولعل أكثر المسلسلات دبلجة إلى اللغة العربية هي الهندية والمكسيكية لتكتسح المسلسلات التركية فيما بعد الشاشة الفضية ولاسيما مسلسل (حريم السلطان) الذي تم بثه أولاً باللغة التركية في 5/1/2011م عبر قناة شو تي في التركية ثم عرضه مدبلجاً باللهجة العربية الشامية في مواسم عدة، وهو يستعرض بشكل عام الحياة الداخلية للسلطان العثماني سليمان القانوني (1494- 1566م) ووزيره الأول وزوج أخته الصدر الأعظم إبراهيم باشا الفرنجي (1493- 1536م) وما كانت تحوكه نساء القصر العثماني من مؤامرات لتثبيت هذا السلطان أو إسقاط هذا الأمير، وهو مسلسل جمع بين الحقيقة والخيال تناول في جانب منه دور الحركة الصوفية البكتاشية في تقوية الجيش العثماني عبر الجيش الإنكشاري (الجُند الجُدد) الولائي الذي كان له الدور الكبير في السيطرة على القسطنطينية (استانبول) عام 1453م فضلاً عن حروب البلقان وفتح البلدان، حتى تم تصفيتهم جسدياً على يد السلطان محمود الثاني وحظرهم بفرمان سلطاني صدر يوم 15/6/1826م.
وتتحدث مصادر التاريخ عن الولاء الكبير الذي كانت وحدات الجيش الإنكشاري توليه للقطب الصوفي حاج بكتاش ولي الخراساني العلوي المتوفى في أحد التواريخ سنة 1337م باعتباره الأب الروحي لهم والمؤسس لهم بشعار سيف ذي الفقار وهو سيف الإمام علي (ع) الذي إليه ترجع الحركات الصوفية في أنحاء العالم وتمتح من معينه بكف الولاء، ومنها الحركة البكتاشية الصوفية.
وعودة على الترجمة، فإن مسلسل حريم السلطان بنسخته العربية المدبلجة تعرض للحذف والتحريف، فمرة تم حذف مقطع فيها الممثل التركي الشاب أراس بولوت آينملي المولود سنة 1990م وهو بدور الأمير بايزيد بن سليمان القانوني يقود وحدة انكشارية في ارض المعركة رافعاً صوته: (يا الله يا محمد يا علي) ومن ورائه ينادي الجيش (عاش الأمير بايزيد)، ومرة تم تحريف الترجمة لقائد عسكري انكشاري داخل وحدة تدريبية، فما أسمعتنا الدبلجة العربية قوله: (أرواحنا وأجسادنا نذرناها لتكون فداً نبينا محمد نور الأنبياء وأكرم الخلق، كرمالو بس صوت الحق راح يكون مرفوع بالعالي، تسمع الدنيا صوت وحوشنا، قولوا معي: يا هو)، ولكن النص التركي للمشهد نفسه كانت ترجمته الواقعية التالي: (أرواحنا نذرناها ابتهالاً لمحمد، نور نبي، كرم علي، قطبنا وسلطاننا حاج بكتاش ولي، قولوا معي: يا هو). و"هو" إشارة إلى الله سبحانه وتعالى أي: يا ألله.
هذا الحذف والتحريف المقصود، لنص تاريخي هو في واقعه مخل لفن الترجمة، لأن بإمكان المترجم أن يترجم النص بالمعنى، ولكن ليس من حقه أن يغير من شعار ظل قائماً لمئات السنين ترفعه وحدة عسكرية تركية، فهو خلاف الأمانة المهنية وتحريف للتاريخ!.
تذكرت هذا التحريف وأنا أتابع بالقراءة الموضوعية كتاب "أضواء على مدينة الحسين .. النهضة الفكرية" للمحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي، الصادر حديثا (2025م) في لندن عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 527 صفحة من القطع الوزيري، الذي يتناول في أحد فصوله دور مدينة كربلاء في استقطاب الحركة البكتاشية الصوفية بخاصة بعد عملية قمعهم وذبحهم ومطاردتهم في تركيا آنذاك.
مؤتمرات وحركات
يتابع الكرباسي هذه المرة وهو يلقي الضوء على مدينة الحسين، النهضة الفكرية في كربلاء المقدسة منذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء سنة 61هـ حتى وقتنا الحاضر وفق العناوين التالي: الحركة الفكرية في كربلاء، دور الحائر في تقريب المذاهب الإسلامية، مؤتمر النجف، مؤتمر التقريب في كربلاء، تشيع التركمان، دور الحائر في تشيع العراق، العلويون شيعة أهل البيت، الإمامية الإثنا عشرية، الحركة الأصولية، الحركة الأخبارية، الأخبارية البحرانية، الأخبارية الجمالية، الحركة الشيخية، الحركة الكشفية، الحركة الركنية، الحركة البابية، الحركة البهائية، حركة التصوف، الحركة الحروفية، والصحوة الإسلامية، والخوجة الإثنا عشرية.
ما نقرأه في هذا الجزء الذي يمثل رقم (130) من المطبوع من سلسلة دائرة المعارف الحسينية، هو في واقعه توثيق للمقولة المشهورة: (الإسلام محمدي الوجود والحدوث وحسيني البقاء والاستمرار) التي تُنسب تارة إلى السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني (1254- 1314هـ)، وتارة تُنسب الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المالكي الأشتري (1294- 1373هـ)، وهي ترجمة لحقيقة النهضة الحسينية التي نقرأ فلسفتها في مقولة الإمام الحسين عليه السلام (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)، فما نحن عليه اليوم هو من آثار النهضة الحسينية التي لولاها لكان الإسلام في خبر كان، وهو ما يقصد تعزيزه المحقق الكرباسي وتوثيقه في هذا الكتاب، لدور علماء المدينة المقدسة في تعزيز الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، وتقوية عرى الروابط السياسية بين الحكومات الإسلامية وبخاصة أيام تألق الدولتين الإيرانية والتركية وكانتا تمثلان من الناحية السياسية جناحي الإسلام السني والشيعي برغبة المسلمين أو بعدمها، وهو أمر واقع ظل قائماً حتى يومنا هذا وإن تعرض لمد وجزر حسب الحكومات والسلطات في هذين البلدين المترامي الأطراف.
يضعنا المؤلف في "الحركة الفكرية في كربلاء" في أجواء نشأة الحركة الفكرية في هذه المدينة التي ضمت جثمان سيد شباب أهل الجنة ليقرر: (كانت هذه المدينة في كل عهودها مزدهرة ذات نشاط مميز إلا أن القرن الثالث عشر الهجري يعد العصر الذهبي للحركة الفكرية حيث وصلت أوجها).
ويكشف لنا في "دور الحائر في تقريب المذاهب الإسلامية" الجهود التي قام بها علماء هذه المدينة المقدسة في التقريب بين المذاهب الإسلامية في العراق، بخاصة وإنَّ هذا البلد بأكثريته الشيعية الإمامية كان في القرون الأخيرة واقعاً بين بلد شيعي كبير وهو إيران الكبرى وبلد سني كبير وهي الدول العثمانية قبل أن يحل الخراب وتتشظى الدول العربية والإسلامية إلى دول وإمارات ومملكات قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م).
ومن مظاهر التقريب "مؤتمر النجف" الذي جمع علماء العراق من السنة والشيعة في النجف الأشرف سنة 1156 للهجرة (1743م)، وفيه برع السيد نصر الله الفائزي الحائري (1109- 1168هـ) وهو من زعماء كربلاء المقدسة في تقريب وجهات النظر بين علماء العراق وترطيب العلاقات بين الدول الإيرانية الأفشارية والدولة التركية العثمانية، ولكن هذا العالم البارع ذهب ضحية الغدر فقتل صبراً في الآستانة باستانبول رغم أنه كان رسول سلام ومحبة.
ومن مظاهر النهضة الفكرية "مؤتمر التقريب في كربلاء" الذي عقد سنة 1340هــ وترأسه من الجانب السني الشيخ محمود شكري الآلوسي (1273- 1342هــ)، ومن الشيعة السيد محمد حسن القزويني الحائري (1296- 1380هــ).
ويزيح المؤلف في "تشيع التركمان" الستار عن المناظرات العقائدية التي جرت بين علماء المسلمين سنة 836هــ ودور عالم كربلاء الشيخ ابن فهد الحلي (756- 841هــ) في تغيير وجهات الحاكم التركماني والخطبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
كما ويطلعنا المؤلف في "دور الحائر في تشيع العراق" على النهضة الفكرية لحوزة كربلاء المقدسة بخاصة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام وما جرت من حوادث جمة انتهت في بعض الأحيان إلى تصفية العلماء جسدياً بفتاوى طائفية.
وينتقل المؤلف خارج العراق لبيان دور علماء كربلاء في الشام وهو يتحدث عن "العلويون شيعة أهل البيت" مبرزاً دور عالم كربلاء المقدسة الشهيد السيد حسن الشيرازي (1937- 1980م) الذي اغتيل برصاص الغدر في بيروت في إظهار حقيقة العلويين المسلمين بعد لقاءات عدة مع علمائهم تمت سنة 1972م، وكان من أبرز نشاطات الشهيد الشيرازي تأسيس الحوزة العلمية الزينبية بريف دمشق بمعية مؤلف هذا الكتاب.
حركات فقهية وأخرى ضالة
ويتوقف المؤلف طويلاً وهو يتحدث عن "الإمامية الإثنا عشرية" عند الحركات الفقهية التي ظهرت في كربلاء في القرن الحادي عشر الهجري وانتشرت في أرجاء الأرض ومازالت قائمة حتى يومنا هذا:
فيتحدث بشيء من التفصيل عن "الحركة الأصولية" وهي كما يفيد: (نسبة إلى الأصول الأربعة التي يعتمد عليها أصحاب هذه الحركة في التشريع وهي: الكتاب "القرآن"، والسنة "الحديث"، والإجماع "'إجماع علماء الإمامية"، والعقل، ويعتبرونها أساس التشريع ومصدره).
وكما ويتحدث عن "الحركة الأخبارية" وهي: (نسبة إلى الأخبار وهي جمع الخبر وهو الحديث المروي عن أحد المعصومين عليهم السلام وإنما سموا بذلك لاعتمادهم الكلي على الأخبار دون ما ذهب إليه الأصوليون في أسس ومبادئ في طريق الاستنباط)، فيكشف لنا الخطوط العريضة لهذه الحركة الفقهية التي انقسمت إلى "الأخبارية البحرانية" التي تتبع مدرسة البحرين القائلة بالاجتهاد والتقليد، وتنكر الإجماع والعقل كمصدرين، وكذلك "الأخبارية الجمالية" (وهم أتباع قرية المؤمنين – جنوب العراق -آل الميرزا محمد الأخباري المتوفى سنة 1232هــ المعروفين بأسرة آل جمال الدين وتذهب إلى انكار الاجتهاد وإلى إنكار التقليد لغير المعصوم عليه السلام أي أنها تحصر التقليد في الرجوع إلى الإمام المعصوم والفقهاء في رأيها رواة عنه ووسائط بينه وبين مقلديه).
ومن الحركات الفقهية هي "الحركة الشيخية" نسبة إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي الحائري المتوفى سنة 1241هـ التي نشأت في كربلاء المقدسة، وكذلك "الحركة الكشفية" وهم: (أتباع الميرزا محمد باقر الأسكوئي الحائري المتوفى سنة 1301هـ، وإنما قيل لهم كشفية نسبة إلى نظرية الكشف القائلين بها حيث إنهم يقولون بأن اللقاء بين المرجع الديني النائب العام عن الإمام والإمام المعصوم يتم عن طريف الكشف، فالحاصل أن الكشفية أضافت على الشيخية ومعتقداتها عقيدة الكشف للتوصل إلى حقائق الأمور لذلك سميت بالكشفية)، ومن الحركة الشيخية ظهرت الحركة الركنية (وهم أتباع الحاج الشيخ كريم خان بن إبراهيم خان القاجاري المتوفى سنة 1288هـ نسبة إلى قولهم بأن الركن الرابع بعد الأركان الثلاثة – الله والرسول والإمام- هو المرجع الديني النائب عن الإمام يلتقي الإمام بشكل مباشر ويتلقى عنه المعلومات المطلوبة)، وكان لهذه الحركات الفقهية وجود كبير في مدينة كربلاء المقدسة.
ويواصل المؤلف حديثه عن الفرق والحركات التي كان قادتها في كربلاء المقدسة إقامة أو دراسة، ولكنها حادت عن جادة الصواب منها "الحركة البابية" نسبة إلى السيد علي محمد الشيرازي المتوفى سنة 1266هـ الذي سكن كربلاء المقدسة، وعُرفت بالبابية بدعواهم أن مؤسسها: (هو الباب إلى الإمام المهدي عليه السلام ثم ادعى أن الذات الإلهية حلَّت فيه).
ومن الحركة البابية انبثقت "الحركة البهائية" نسبة إلى مؤسسها الميرزا حسين علي نوري المازندراني الذي مات في عكا بفلسطين سنة 1309هــ، وحيث أخذ لنفسه لقب "بهاء" فسُمي أتباعه بالبهائية، والتي تحولت إلى دين جديد لا علاقة له بأصول الإسلام وفروعه.
ويستمر المحقق الكرباسي في الحديث عن دور كربلاء النهضوي الفكري فيتناول تاريخ الحركة الصوفية منذ العهد الإسلامي الأول وحتى يومنا هذا، متطرقاً إلى تكاياهم في هذه المدينة المقدسة، ويسلط الضوء على الحركة البكتاشية نسبة إلى الحاج بكتاش ولي ونزوح بعضهم إلى كربلاء بعد قمعهم من قبل السلطان العثماني محمود الثاني في القرن الثالث عشر الهجري.
وانبثق من التصوف "الحركة الحروفية" نسبة إلى الحروف الأبجدية، وقالوا بأسرار الحروف وعلاقتها بالكون، واندكت هذه الحركة بالصوفية البكتاشية.
وقبل أن ينهي المؤلف رحلته مع النهضة الفكرية في كربلاء المقدسة يتحدث عن "الخوجا الإثنا عشرية" الذين تحولوا من المذهب الإسماعيلي إلى المذهب الإمامي الإثنا عشري، ثم يأخذنا إلى عالم اليوم و"الصحوة الإسلامية" التي نعيش أجواءها منذ بداية القرن العشرين وانتعشت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، ودور حوزة كربلاء المقدسة في خلق هذه الصحوة والتنسيق مع حوزة النجف الأشرف، ويكفي دلالة أن منظمة العمل الإسلامي وحزب الدعوة الإسلامية وهما حركتان إسلاميتان برزتا أثناء فترة المعارضة السياسية لنظام صدام حسين تأسستا في كربلاء المقدسة، وقد تولى حزب الدعوة الإسلامية بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003م إدارة رئاسة الوزراء في ثلاث دورات انتخابية في السنوات (2005- 2018م).
ومن مزايا المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية أنه ينهي كل جزء بمقدمة لأحد الأعلام، وهذه المرة بقلم خادم الشريعة في دولة الكاميرون "الشيخ حسن سانغو ما حسين" الذي استعرض في هذا الجزء تحت عنوان "النهضة الفكرية في كربلاء .. إرجاع الأمور إلى نصابها" وباختصار معالم النهضة الفكرية، مؤكداً في البداية أن: (لكل عصر نبي أو مرسل أو إمام يبعث فيها الروح، وينفخ ما أجدب من النفوس والأرواح، ويحفظ ما أخصب من الآمال والأحلام، رجل يرث أمجاد الأولين والآخرين، ومدينة كربلاء كان لها صاحبها الذي ولد عظيما، وعاش مجيدا، وجاهد ثائرا مناضلا منافحا عن المبادئ والقيم، لا تغمض له عين، أو يرفّ له جفن، أو يطيب له عطر، أو يحلو له شراب حتى يُكسر قيدٌ، ويُطلق أسيرٌ، ويغني هزارٌ، ويُفتح سجنٌ، ويهدُّ صرحُ ظلمٍ، ذلك الإمام المجاهد هو الحسين بن علي الشهيد، سيد الشهداء، جعل قضيته دعوة إلى تحرير الإنسان من حيوانية النفس وطغيانها، عظمة الحسين تكمن في المبادئ التي آمن بها، وفي التعاليم التي رسمها بدمائه ودماء أهله وبنيه وفتيته والأصحاب الذين كانوا معه، دعوة الحسين دعوة الحرية والعدل والكرامة التي يطمح إليها ضمير الإنسانية في جميع العصور).
ويفيدنا بعين الصواب أن: (الموسوعة الحسينية دائرة معارف تتصف بكل نعوت العمل الخالد، عمل رائد في مجال التأليف لم يسبق في الزمن الأول ولا في الزمن الأخير من حيث ضخامة المواد والأبواب والحقول والأقسام، صرح باذخ في فن الكتابة بذل فيه العلامة الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، المولود في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1366 للهجرة (1947م)، جهدا غير مسبوق في مضمار التأليف في حقول دوائر الموسوعات العالمية، عمل فريد خالدٌ خَلّدَ صاحبه في سجلّ المُبدعين العظام في عالم التأليف، وقد تجاوز أقرانه المؤلفين في جميع العصور، وجميع اللغات، وجميع اللهجات، وجميع الأقطار).
وعندما يتناول الكتاب بعين ناقدة يرى أن النهضة الفكرية لهذه المدينة المقدسة: (تنتهي عند صاحبها الإمام ذي النهضة التحررية التي قامت لتحرير الإنسان من عبودية الطغيان وجبروت وطمع النفس، والخروج به إلى عبادة الله الواحد القهار، هذا الرمز الحُر الولي الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام)، وهي رؤية صائبة، فما من حر أبيِّ الضيم إلا وله في النهضة الحسينية أسوة حسنة.