عقدة الطوفان وتجلياتها في الذهنية الصهيونية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
خلال ساعات .. شهيد رابع في قصف مركبة جنوب لبنانيقترب العدوان الصهيوني على غزة من إتمام عامه الثاني، وبدرجة أقل منه تلك الهجمات التي يستمر الاحتلال بتنفيذها في ساحات أخرى داخل فلسطين وخارجها، في مشهد دموي استغرق كل أشكال التوحش وأنماط الإجرام التي يمكن لقوة غاشمة أن تقترفها.
وإن كانت الذراع الحديدية الباطشة والرامية لترهيب وإخضاع الأعداء تمثل أصل العقيدة التي تأسس عليها المشروع الصهيوني، فإنه من جهة أخرى يظهر كمن لا يزال رازحاً تحت ثقل العقدة غير المسبوقة التي صنعتها عملية الطوفان لديه وألقت بظلالها على عدد من سياساته المنفلتة من حسابات المصلحة، أو عدم النظر بعيد المدى إلى ما يمكن أن يترتب تلقائياً على هذه السياسات، سواء داخل المحيط الذي اكتوى بهذا الإجرام أو خارجه.
على صعيد الإجراءات المشاهدة، تتأكد مع الوقت فكرة أن عقدة الطوفان ما تزال تفرز، في جانب منها، محاولات صهيونية مستمرة لمحاكاة العملية على صعيد الغموض ومخادعة العدو ثم مفاجأته، تمثل ذلك في هجمات البيجر ضد حزب الله في أيلول من العام الماضي، وعند استئناف الهجوم على غزة بعد انتهاء هدنة الشهرين في منتصف آذار من العام الحالي، وفي الضربة الواسعة التي وجهها الكيان لإيران في 13 حزيران واستهدفت منشآت عسكرية وحيوية وقادة عسكريين وعلماء نوويين.
صحيح أنه ينبغي عدم التقليل من الجهد الاستخباري الذي أفضى لتلك الهجمات، وخاصة في لبنان وإيران، وأنها كانت حصيلة سنوات طويلة من مراكمة جهود الرصد والاختراقات وصولاً إلى استثمارها في لحظة الصفر، غير أن الترويج الإعلامي والسياسي المستمر لها (إسرائيلياً) وتكرار تغني قادة الكيان بنجاحهم في المباغتة وتحقيق أهداف كبيرة بضربات استباقية مفاجئة للعدو، مع قصص متناثرة ينشرها بعضهم في الفضاء الإعلامي، مثل ادعاء بن غفير أنه أخفى نية الهجوم على إيران عن زوجته كلما سألته عنها.. كل هذا وغيره من الملاحظات يبين كم أن وكيف أن مفاجأة الطوفان قد تحولت إلى عقدة مستدامة لدى قادة الكيان، وربما لن يكون ممكناً التخلص منها، لا سيما أنها جاءتهم من حماس في غزة، أي الجهة والساحة التي كانوا يصنفونها أقل خطراً من أعداء آخرين للكيان مثل إيران وحزب الله.
هذه العقدة تحولت مع الوقت إلى هوس بالضربات المباغتة، وليس فقط إلى تغنّ مستمر بها، إلى درجة أنها فقدت فاعليتها، ولم يعد يتم التعامل بجدية مع أي تصريح حول الاستعداد للتسوية يصدر عن قادة في الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، بل ينظر إليه بتشكيك ويستحضر عند تحليله خيار الخداع واستبطان نية الغدر والهجوم، كما أن المنصات الإعلامية الأمنية التابعة للمقاومة أو المناصرة لها تلتقط سيناريو المخادعة دائماً وتصدر توصياتها وفقاً له، حتى في ظل الحديث الجدي عن مفاوضات الهدنة وإمكانيات وقف الحرب.
يضاف إلى ذلك أن إعلام المقاومة بات يقرأ على نحو معاكس تلك الصياغات التسكينية التي ترد في إعلام الاحتلال من حين لآخر، وهو ما يعني أنها تخلق تحفزاً مستمراً لدى مقاتليها، وفطنة تجاه أهداف الاحتلال، والنتيجة مضاعفة الحذر وعدم التخلي عنه، بعد كل الدروس التي تكثفت خلال المعركة في كل الساحات، ومع هذا السعي الصهيوني المستمر لمحو آثار الطوفان والتخلص من عقدته، عبر تحويلها إلى مأساة وكارثة تاريخية لدى أعدائه، والتحلل من هيمنتها على الذهنية الصهيونية عبر صناعة هجمات مشابهة لها، خلال قفزات الاحتلال المستمرة إلى الأمام، والتي سيظهر مع الوقت أن جزءاً منها كان في الهواء، وبوحي ضغط تلك العقدة المتجددة ودائمة الأثر في وعيه.