خليلية: قرار مجلس الأمن يمنح وعودا مؤجلة بينما الاستيطان يمحو إمكانية قيام الدولة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
صندوق النقد يحذر ألمانيا بسبب تراجع النمو وعدم إجراء إصلاحاتأعطى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير انطباعا بأنه يفتح مسارا سياسيا يقود نحو الدولة الفلسطينية، عبر ربط "استكمال إصلاح السلطة" و"البدء بإعمار غزة" بتهيئة الظروف لتقرير المصير. لكن المحلل السياسي والخبير في شؤون الاستيطان سهيل خليلية يرى أن هذا الوعد ليس سوى مسار نظري لا يقدم شيئا على الأرض، ولا يغير ميزان القوى ولا يوقف الاستيطان المتسارع.
ورغم ذلك، سارعت السلطة الفلسطينية إلى الترحيب بالقرار، وهي خطوة يعتبرها خليلية نابعة من ضعف البيئة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، ومن واقع الانقسام الداخلي الذي يجعل قدرة الفلسطينيين على الرفض أو الاشتراط شبه معدومة.
وفق خليلية، يتجاوز القرار الجديد قرارات أممية سابقة كانت أكثر صراحة في تأكيد حق الفلسطينيين بدولة مستقلة على حدود 1967. فربط قيام الدولة بشروط "إصلاح السلطة" يمثل بنظره التفافا سياسيا لإعادة تعريف الأساس القانوني لحق تقرير المصير، واستبداله بشروط سياسية هلامية صاغتها واشنطن بما يخدم الرؤية "الإسرائيلية" التي تريد إدارة الصراع بدلاً من حله.
ويشير إلى أن الأميركيين والإسرائيليين يدركون مسبقا أن تنفيذ هذه الإصلاحات بالشكل المطلوب يكاد يكون مستحيلا، ما يجعل من ربط الدولة بها وسيلة لإبقاء العملية السياسية بلا نهاية فعلية.
مفهوم هلامي يخدم التصميم "الإسرائيلي"
يبين خليلية لـ "فلسطين أون لاين"، أن القرار لا يحدد شكل الدولة الفلسطينية ولا حدودها، ولا يذكر صراحة حدود 1967، وهو ما يفتح الباب لقراءة إسرائيلية تسعى لفرض دولة مفككة ومنزوعة التواصل الجغرافي.
حديث القرار عن "تهيئة الظروف" دون تحديد جغرافي واضح يشكل مدخلا لإعادة فتح ملف الحدود من جديد، في وقت تعمل فيه الجرافة الاستيطانية على إعادة رسم الضفة بطريقة تجعل المفاوضات المستقبلية تدور فوق أرض لم تعد موجودة بشكلها السابق.
استيطان يعيد هندسة الضفة
يرسم خليلية في تحليله صورة دقيقة للضفة الغربية كما تبدو اليوم: منطقة يجري تفكيكها منهجيا لإسقاط إمكانية قيام دولة متواصلة جغرافيا. ففي الشمال، تمتد كتلة استيطانية ضخمة تقودها مستوطنة أرئيل، تضم أكثر من عشرين مستوطنة، وتقطع شمال الضفة إلى نصفين، فتفصل جنين وطولكرم وقلقيلية وطوباس ونابلس عن سلفيت ورام الله والقدس. هذا الحزام الاستيطاني يشكل حاجزا صلبا يعيد تشكيل خريطة الشمال ويحول مدنه إلى جزر منفصلة.
وفي وسط الضفة، تتراص الكتل الاستيطانية حول رام الله والقدس، بينما تتحول القدس نفسها إلى حاجز جغرافي يفصل شمال الضفة عن جنوبها. وفي الجنوب، تتوسع شبكة الطرق الاستيطانية والجسور والأنفاق التي تعيد تعريف العلاقة الجغرافية بين بيت لحم والخليل، بحيث يصبح التواصل بينهما مقيدا ومحكوما بتصميم يخدم حركة المستوطنين فقط.
أما الشرق، فتغلق الأغوار بشكل شبه كامل عبر إعلان معظم مناطقها مناطق عسكرية ومحميات، ما يحصر الوجود الفلسطيني في نحو خمسة بالمئة من مساحتها، متمركزا في مدينة أريحا، ويقضي على أي فرصة للانتفاع من أراضيها ومواردها.
بهذا المشهد، تبدو الضفة كما يصفها خليلية لوحة مجزأة تتحول فيها المدن الفلسطينية إلى جزر سكانية معزولة، ترتبط ببعضها عبر طرق مراقبة وحواجز صارمة، بينما تتصل المستوطنات عبر شبكة طرق حديثة تمتد بدون عوائق.
سلطة تدير السكان لا الأرض
ويوضح خليلية أن الاحتلال "الإسرائيلي" يسعى إلى فرض نموذج سياسي يقوم على سلطة فلسطينية محدودة الصلاحيات، تدير السكان لا الأرض، وتبقى محصورة في مراكز المدن. ويأتي ذلك مترافقا مع إنشاء شبكة طرق فلسطينية داخلية متوازية مع شبكة استيطانية سيادية، في محاولة لتشكيل ما يشبه "دولة فدرالية مفصلة إسرائيليا" تكون فيها السيطرة على الأرض والحدود والموارد بيد الاحتلال.
ويؤكد أن دولة الاحتلال تنتظر تمويلا دوليا لإنهاء هذه الشبكات، ما يدل على أن الهندسة السياسية والجغرافية للمكان تجري وفق رؤية طويلة المدى، تهدف لإدامة السيطرة الإسرائيلية وتقليص فكرة الدولة إلى كيان إداري محدود الوظيفة.
ويشدد خليلية على أن ربط الدولة الفلسطينية بإصلاحات غير محددة، وتقديمها كأفق مشروط بإعادة إعمار لم ينطلق فعليا بعد، يشكل وعدا سياسيا فارغا. فبينما يجري الحديث عن الدولة في النصوص الأممية، تمحى فرص قيامها على الأرض بفعل الاستيطان الذي يعيد تشكيل الضفة جغرافيا وديمغرافيا.
وهكذا تبقى الدولة الفلسطينية وفق خليلية مشروعا معلقا بين قرار أممي بلا قوة تنفيذ، ووقائع ميدانية تبتلع الأرض في الضفة التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية لاحقا.