اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

أزمة السيولة تُربك الأسواق وتُشعل التوتر بين التجار والمستهلكين في غزة

أزمة السيولة تُربك الأسواق وتُشعل التوتر بين التجار والمستهلكين في غزة

klyoum.com

في أسواق غزة التي تعاني شح السيولة النقدية، لا تقتصر الأزمة على ندرة الأموال، بل تمتد إلى فقدان الثقة في بعض الفئات النقدية، وعلى رأسها ورقتا العشرين والخمسين شيقلا. هذه الأزمة غير المعلنة باتت تُعطّل عمليات البيع والشراء، وتخلق توترًا يوميًا بين الباعة والمشترين، مع غياب واضح للدور الرقابي للمؤسسات النقدية.

يقول أحمد حسونة، شاب من حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، إنه اضطر أكثر من مرة لإلغاء شراء احتياجاته بسبب رفض الباعة تسلُّم أوراق نقدية من فئتي العشرين والخمسين شيقلا، بزعم أنها "مهترئة"، رغم أنها - من وجهة نظره - "صالحة للتداول وتبدو مقبولة للعين".

ويضيف: "أعطيت أحد الباعة ثلاث ورقات من فئة العشرين شيقل، فرفضها بحجة أنها بالية، فأعطيته ورقة من فئة المئة شيقل، وعندما أعاد لي الباقي، أعاده من نفس فئة العشرين التي رفضها! دخلت معه في مشادة كلامية، شعرت بالإهانة. كيف يرفضها مني ويجبرني على قبولها منه؟".

الزبائن يطلبون الفكة

من جانبه، يؤكد البائع محمود عجور، الذي يعمل في بيع المواد التموينية، أن المشكلة تتفاقم من الجانبين، فالمشترون يرفضون التعامل بالأوراق النقدية الكبيرة أو البالية، ويصرّون على استلام عملات معدنية فقط.

ويقول لـ "فلسطين أون لاين": "أقبل فئتي العشرين والخمسين شيقل بشرط أن تكون غير ممزقة وواضحة المعالم، لكن الزبائن يرفضون استلامها مني. هذا الأمر جعلني أحتفظ بنحو ألف شيقل من فئة العشرين لا أستطيع صرفها أو إعادة استخدامها، أصبحت أموالًا ميتة! وأحيانًا أضطر لإلغاء البيع لعدم توفر الفكة".

حسن أبو هويدي، بائع في سوق الصحابة، يعاني من ركود في بيع الخضروات بسبب ما يسميه "أزمة رفض الورق"، ويقول: "زبائني يطالبون بفكة معدنية فقط، وإن أعطيتهم ورقة عشرين أو خمسين شيقل يتراجعون عن الشراء. أضطر للتنقل بين المحال المجاورة لتصريف هذه الأوراق. الأمر مرهق ويؤثر سلبًا على حركة البيع".

أما ياسمين أبو عمرو، وهي نازحة من حي الشجاعية، فأصبحت تتحوّط يوميًا بحمل العملات المعدنية فقط.

وتقول: "أحمل معي خمسة شيقل، وشيقلين، وأحيانًا شيقلًا واحدًا فقط، حتى لا أسمع من الباعة عبارة: (ما عندنا فكة)، أو (لا نأخذ العشرين). صرت أشعر أن التعامل بالورق أصبح تهمة!".

وتأمل في اعتماد الدفع الإلكتروني كحل لتجاوز هذه الإشكالات وتفادي الاحتكاك بين الزبائن والبائعين.

البائع سامي أبو حصيرة من حي الدرج، يلفت إلى أن الأزمة دفعت بعض التجار إلى استغلال الناس.

ويقول: "بعض التجار يرفعون السعر إذا دفعت إلكترونيًا، ويخفضونه إذا دفعت ورقيًا. صرنا في سوق له عملتان وسعران، وهذا ظلم للمواطن البسيط".

أزمة نقدية ممنهجة

يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر إن هناك تحولًا في أنماط الاستهلاك لدى المواطنين في غزة، أدى إلى تزايد الاعتماد على الدفع الإلكتروني، لكن دون تنظيم أو توعية.

ويضيف لـ"فلسطين أون لاين": "البنوك وسلطة النقد تركت المواطنين في منتصف الطريق، دون توعية كافية، ما فتح المجال لعمليات نصب واحتيال عبر شبكات منظمة وأفراد".

ويشير إلى أن هذا التحول يعكس توجهًا لاستخدام الدفع الإلكتروني كوسيلة تعامل رئيسية بعد الحرب، لكنه ما زال محفوفًا بالمخاطر.

ويؤكد أن أزمة السيولة "مفتعلة بدرجة أولى"، موضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يتعاون مع بعض التجار داخل القطاع، ويستغلهم كأدوات فاعلة في تعميق الأزمة من خلال تجفيف منابع الأموال وزيادة سخط المواطنين.

ويضيف: "الاحتلال يشن، إلى جانب الحرب العسكرية، حربًا اقتصادية عبر رفع الأسعار، ومنع دخول البضائع، وإحداث مجاعة، وتجفيف السيولة من الأسواق".

ويشير أبو قمر إلى أن تراجع الثقة في العملة الورقية، خاصة فئة العشرة شواقل، دفع الباعة والمشترين إلى رفض تداول بعض الفئات، رغم أنها ما تزال قانونية ويتحمل بنك إسرائيل مسؤوليتها.

ويشدد على أن السوق السوداء باتت تتحكم بالسيولة في ظل غياب دور البنوك وصمت سلطة النقد، مؤكدًا أن المعروض النقدي في قطاع غزة تراجع بنسبة 40% من الحجم المفترض، بسبب خروج الأموال عبر المسافرين والتجار، بالإضافة إلى رفض تداول العملة التالفة، ما فاقم أزمة "التكييش".

وبيّن أن توقف التعامل بفئات نقدية مثل العشرين شيقل، أدى إلى ضغط كبير على العملات المعدنية الصغيرة مثل الشيقل، والشيقلين، والخمسة شواقل، نتيجة زيادة الطلب عليها، في وقت تخرج فيه كميات كبيرة من العملة عن التداول يوميًا بسبب التهالك والتمزق.

وأكد أن الأزمة فتحت الباب أمام استغلال المواطنين، إذ يدفع بعضهم ما يصل إلى 45% من قيمة أموالهم مقابل تحويلها إلى "كاش"، كما تُباع البضائع بأسعار أعلى عند استخدام الدفع الإلكتروني، ويقبل بعض التجار العملات التالفة مقابل رفع الأسعار.

ويرى أبو قمر أن جذور أزمة السيولة في غزة سياسية بالدرجة الأولى، وحلّها يرتبط بالضغوط التي يجب أن تمارسها سلطة النقد على الاحتلال لإدخال الأموال إلى القطاع، لافتًا إلى أن إعادة فتح المعابر يمكن أن تساهم تدريجيًا في تخفيف الأزمة.

وبشأن وجود فائض سيولة في الضفة الغربية مقابل أزمة خانقة في غزة، اعتبر أن كلا الحالتين تعكسان خللًا في السياسة النقدية، مطالبًا سلطة النقد بضخ سيولة عاجلة في غزة، وامتصاص السيولة الزائدة من الضفة عبر ترحيلها للبنوك الإسرائيلية.

ورغم أن كثيرًا من المواطنين باتوا يفضلون الدفع الإلكتروني تجنبًا للورق المرفوض، إلا أن غياب البنية التحتية، وضعف التوعية، وغياب آلية تنظيم واضحة، جعلت من هذه الوسيلة بيئة خصبة للاحتيال والاستغلال، بحسب ما أكده أبو قمر في وقت سابق.

ما بين ورقة نقدية مرفوضة، وفكة معدنية مفقودة، ومواطن مثقل بهموم يومه، يقف اقتصاد غزة أمام أزمة صامتة لكنها خانقة، تتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المالية الرسمية، وتنظيمًا شفافًا للسوق النقدي، قبل أن تتحوّل السيولة إلى سلعة تُباع وتُشترى بثمن مضاعف.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com