اعتراف ماثيو ميلر بجرائم الحرب بغزة.. شهادة متأخرة تفضح نفاق واشنطن
klyoum.com
في اعتراف متأخر لا يخلو من المراوغة، أقرّ المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب في قطاع غزة. ورغم أن هذا التصريح جاء بعد خروجه من منصبه، إلا أنه يفضح نفاق السياسة الأمريكية، التي لطالما استخدمت خطاب "حقوق الإنسان" كأداة انتقائية، تتغاضى عن المجازر إذا كان مرتكبوها حلفاءها.
لكن ميلر، وهو أحد الوجوه التي دافعت بشراسة عن ممارسات الاحتلال طيلة الأشهر الماضية، يحاول الآن تبرئة نفسه تحت غطاء التمييز بين الموقف الرسمي والقراءة الشخصية، في محاولة واضحة – كما يراها مراقبون– لـ"غسل يديه" من التواطؤ في واحدة من أبشع الجرائم التي يشهدها العصر الحديث.
وبدلًا من الاعتراف بمسؤولية دولة ومؤسسة عسكرية كاملة عن جريمة منظمة، يصرّ ميلر على تفكيك الوقائع وتحميل "الأفراد" المسؤولية، في مناورة مكشوفة تفضح استمرار الإدارة الأمريكية، بكل أذرعها، في حماية الاحتلال والتستر على جرائمه، بل والمشاركة في صناعتها سياسيًا وعسكريًا.
وخلال مقابلة مع بودكاست ترامب 100 على قناة سكاي نيوز"، قال ميلر إنه "من المؤكد أن (إسرائيل) ارتكبت جرائم حرب في غزة"، مضيفا أنه خلال وجوده في منصبه لم يكن يعبر عن وجهة نظره الشخصية، وإنما يعبر عن وجهة نظر الإدارة التي يمثلها والحكومة الأميركية.
وأضاف: "لا أعتقد أنها إبادة جماعية، لكنني أعتقد أنها صحيحة، بلا شك، أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب"، كما ميز ميلر بين سياسات الدولة المنهجية والأعمال العسكرية الفردية، مشيرا إلى أن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب في حوادث محددة وليس كجزء من سياسة حكومية متعمدة، وفق زعمه.
تبديد الاتهامات
ويرى المحلل السياسي د. حسن منيمنة أن تصريحات ماثيو ميلر، تمثل محاولة واضحة لتبديد الاتهام البديهي له بالكذب والمخادعة، وذلك من خلال تأطير مواقفه السابقة – طيلة فترة توليه المنصب – على أنها مجرد التزام بموقف الإدارة الأمريكية التي لم تكن قد حسمت قرارها بشأن ما إذا كانت (إسرائيل) قد ارتكبت جرائم حرب في غزة، وليس تعبيرًا عن موقفه أو قراءته الشخصية للوقائع.
ويشير منيمنة في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، إلى أن ميلر يحاول الآن التمايز بين موقفه السابق وموقفه الشخصي، عبر تقديم رواية مفادها أن على الرغم من تبنيه الموقف الرسمي في حينه، فإن رأيه الحقيقي هو أن هناك جرائم حرب قد وقعت بالفعل في غزة. لكنه، مع ذلك، لا يعترف بوقوع هذه الجرائم بوصفها سياسة ممنهجة صادرة عن دولة أو مؤسسة عسكرية، بل يذهب إلى تفكيك المسؤولية عبر تمييزه بين "الدولة" و"الأفراد".
فهو، بحسب منيمنة، يرفض توجيه الاتهام ل(إسرائيل) كدولة أو لمؤسستها العسكرية بارتكاب جرائم حرب، بحجة غياب "الأدلة النهائية" حتى الآن، بينما يعترف بوقوع هذه الجرائم على يد أفراد من جيش الاحتلال لإسرائيلي، يرى أنهم تصرفوا على نحو فردي، دون توجيه من القيادة، وبالتالي فهم – في رأيه – مسؤولون شخصيًا عن أفعالهم.
ويخلص منيمنة إلى أن ميلر، في نهاية المطاف، لا يزال يراوغ. فهو يحاول الحفاظ على قدر من المصداقية الشخصية في مواجهة وقائع جلية ومثبتة، لكنه يفعل ذلك من خلال خطاب يستمر في إعفاء (إسرائيل) – كدولة، كمجتمع، كثقافة – من أي مسؤولية. ويمتد هذا الإعفاء، برأيه، ليشمل أيضًا الولايات المتحدة، سواء في إدارتها السابقة أو الحالية، باعتبارها جزءًا من منظومة سياسية متكاملة تتشارك في المسؤولية الفاضحة عن المجزرة المرتكبة في غزة، ومسعى تحقيق النكبة الثانية.
اعتراف متأخر
وقوبل ردّ ميلر بموجة انتقادات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره العديد من الناشطين والأكاديميين اعترافًا متأخرًا لا يغسل يديه من دوره في التغطية على المجازر بحق الفلسطينيين.
وكتب الناشط أرنو برتران: “ميلر كان الوجه العلني لإنكار جرائم الحرب الإسرائيلية… والآن بعد سقوط عشرات الآلاف من النساء والأطفال، يعترف بأنه كان يعلم لكنه فقط ينفذ الأوامر”. وأضاف: “إنه يتوهم أن اعترافه المتأخر سيجعله يبدو مبدئيًا”، وفقاً لمنصة “كومن دريمز”.
وقال البروفيسور ألونسو غورميندي من جامعة أكسفورد إن ميلر “شخص حقير اختار أن يكون وجه الإبادة الجماعية، والآن يحاول القفز من السفينة الغارقة. لا يمكن تبريره”.
وقال الباحث الفلسطيني بشار زعبي: “الكونت سميركولا، ماثيو ميلر، كان يبتسم كل يوم وهو ينكر جرائم الحرب. الجميع كان يعلم: بايدن يعلم، وميلر يعلم. وأتمنى أن يبتسم في الجحيم”.
وقالت الصحافية رنا أيوب من “واشنطن بوست”: “لا احترام لماثيو ميلر. لقد دافع يومًا بعد يوم عن جرائم الحرب، وشوّه معاناة الفلسطينيين، وأسهم في تهيئة الرأي العام لتبرير الفظائع”
الجدير بالذكر أن ميلر كان خلال المؤتمرات الصحافية الرسمية ينفي بشكل قاطع ارتكاب إسرائيل لأي مخالفات للقانون الدولي، رغم التقارير الداخلية والخارجية التي تشير إلى عكس ذلك، بما في ذلك تقارير عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي أسلحة أمريكية في قتل المدنيين الفلسطينيين.