تقرير "قطرة في محيط الجوع".. إسرائيل تتهرّب من الغضب الدولي بشاحنات فارغة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
نتنياهو يعين دافيد زيني رئيسا للشاباك خلفا لرونين بارفي لحظة تتكثف فيها مشاهد الموت والجوع داخل قطاع غزة، وتتزايد الأصوات الدولية المحذرة من كارثة إنسانية وشيكة، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على خطوة بدت في ظاهرها "إنسانية"، لكنها في جوهرها لا تعدو كونها محاولة مكشوفة لتجميل صورته أمام العالم، عبر السماح بدخول عدد محدود من شاحنات المساعدات إلى القطاع المنكوب.
لم تكن هذه الخطوة انعكاسًا لتغير في السلوك الإسرائيلي، بقدر ما جاءت استجابة متأخرة ومحدودة لضغوط دولية مكثفة، لا سيما مع تصاعد الحديث في العواصم الغربية عن فرض عقوبات، وتلويح باتخاذ إجراءات ضد (تل أبيب) بسبب استخدامها المجاعة كسلاح حرب.
لكن، وبينما تواصل (إسرائيل) عسكرة المساعدات وفرض قيود صارمة على آليات توزيعها، يتضح أن إدخال هذه الشاحنات ليس إلا محاولة لذر الرماد في العيون، وتسويق "انفراجة كاذبة" في وجه كارثة تتعمق يومًا بعد يوم بفعل الحصار والتجويع والعدوان المتواصل.
وأول من أمس، طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، بـ"السماح مجددًا بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
وجاء في بيان مشترك صدر عن وزارة الخارجية الألمانية، أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية "لا يمكنها دعم" الآلية الجديدة لتسليم المساعدات في غزة التي اعتمدتها (إسرائيل).
وأعلن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أنه تم السماح لتسع شاحنات مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة بدخول قطاع غزة أول من أمس، متحدثًا عن "قطرة في محيط" بعد حصار دام 11 أسبوعًا.
خطوة شكلية مكشوفة
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، د. صلاح عبد العاطي، وصف إدخال عدد محدود جدًا من الشاحنات بعد أكثر من 80 يومًا من الحصار بأنه "خطوة شكلية مكشوفة لتضليل الرأي العام الدولي"، محذرًا من أن ما جرى يُستخدم لتجميل صورة الاحتلال في وقت يرتكب فيه جرائم إبادة جماعية وتجويع ممنهج بحق 2.3 مليون إنسان محاصر في قطاع غزة.
وأضاف عبد العاطي لصحيفة "فلسطين" أن إدخال هذه الشاحنات لا يمثل سوى استهتار فاضح بحياة المدنيين، وتوظيف سياسي للمساعدات الإنسانية، ضمن خطة أوسع لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في القطاع، عبر أدوات القتل والتجويع والترهيب.
وشدّد على أن قدوم شركات أمنية أمريكية لتوزيع المساعدات، رغم رفض الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، يمثل جزءًا من خطة إسرائيلية–أمريكية تهدف إلى إضعاف "الأونروا" وتفريغ غزة من سكانها، تمهيدًا لفرض ترتيبات سياسية قسرية عبر أدوات القتل والتجويع والترهيب والتدمير الشامل.
وحذّر من محاولات الاحتلال تمرير هذه الخطوة بوصفها "انفراجة إنسانية"، داعيًا المجتمع الدولي إلى "رفض هذا النمط من الخداع الإنساني والسياسي"، وعدم التعاطي مع المخططات الإسرائيلية والأمريكية لعسكرة المساعدات، مع التأكيد على أن إدخال المساعدات إلى غزة هو حق قانوني وأخلاقي لا يجوز إخضاعه للمساومة أو الابتزاز.
كما دعا عبد العاطي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية إلى رفض التماهي مع هذه الخطوات الشكلية، والتحرك العاجل لضمان دخول المساعدات الكافية وفتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة، بعيدًا عن تحكّم الاحتلال.
ذر الرماد في العيون
وفي السياق ذاته، قال مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، إن خطوة إدخال تسع شاحنات فقط إلى القطاع تُعد "محاولة فجة لذر الرماد في العيون"، مؤكدًا أنها لا تغطي سوى نسبة ضئيلة جدًا من الاحتياجات الأساسية لسكان غزة، الذين كانوا يستقبلون نحو 600 شاحنة يوميًا حتى في أوقات الهدنة، دون أن تفي تلك الكميات بالحد الأدنى من الاحتياجات.
وأضاف الشوا، خلال تصريحات متلفزة، أن إدخال المساعدات جاء نتيجة ضغوط دولية متصاعدة، لكنه يمثل "تهربًا من الالتزامات الإنسانية، ومحاولة لخداع الرأي العام العالمي عبر مشهد شكلي لا يغير شيئًا من الواقع الكارثي الذي تعيشه غزة".
وأشار إلى أن الاحتلال يتعمد عسكرة المساعدات وتحويلها إلى أداة سيطرة، من خلال آليات توزيع خاضعة لشركات أمنية وبشروط إسرائيلية صارمة تستثني "الأونروا" والمؤسسات الدولية المعروفة، في مخالفة واضحة لمعايير الأمم المتحدة للعمل الإنساني.
وأكد الشوا أن أكثر من مليوني إنسان في غزة يواجهون مجاعة فعلية موثّقة في تقارير أممية، وأن الأزمة لا تقتصر على الغذاء فقط، بل تشمل المياه والدواء والوقود وكل مقومات الحياة، محذرًا من استخدام الاحتلال لهذه المساعدات المحدودة إعلاميًا للتغطية على تصعيد عسكري متزامن، خصوصًا في مناطق شرق خان يونس وشمال القطاع، في إطار خطة تهجير قسري متواصلة.
مساعدات رمزية تحت ضغط العقوبات
من جانبه، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي نزار نزال أن إدخال الاحتلال عددًا محدودًا من شاحنات المساعدات إلى غزة يمثّل محاولة مكشوفة لامتصاص الغضب الدولي المتزايد، وتفادي الدخول في توتر مباشر مع النظام الرسمي الأوروبي، خاصة في ظل تلويح دول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا بفرض عقوبات على (إسرائيل)، وتداول حديث جدي حول احتمال المساس باتفاقية الشراكة الأوروبية–الإسرائيلية.
وأوضح نزال لـ"فلسطين" أن (إسرائيل) شعرت بحالة من الهلع إزاء هذا التصعيد السياسي، خصوصًا أن علاقاتها مع الدول الأوروبية حيوية، وتعتمد عليها في عدة مجالات، بينها التزود بالذخائر والدعم العسكري والسياسي اللامحدود. لذلك، أرادت (إسرائيل) إرسال رسالة للعالم مفادها أنها "تسمح بدخول المساعدات"، رغم أن ما تم إدخاله لا يتجاوز "نقطة في محيط" مقارنة بالاحتياجات الحقيقية، مؤكدًا أن تسع شاحنات لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات في وقت يموت فيه الناس جوعًا.
وأشار إلى أن الهدف الأول لـ(إسرائيل) من هذه الخطوة هو تجنب العقوبات والحفاظ على اتفاقيات الشراكة الأوروبية، وليس الاستجابة لدواعٍ إنسانية، كما تحاول التخفيف من حرج استخدامها المجاعة كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية.
وأضاف: "صحيح أن (إسرائيل) لم تعد تكترث كثيرًا لصورتها في العالم، خاصة مع تحوّل عدد من قادتها إلى مطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكنها لا ترغب في مزيد من العزلة الدولية أو فرض عقوبات قد تمسّ مكانة الدولة ووضعها الاقتصادي والأمني، خصوصًا في ظل تململ أمريكي وغضب أوروبي واضح".
وأشار نزال إلى أن الموقف لم يعد محصورًا في احتجاجات الشارع، بل وصل إلى مستوى الأنظمة الرسمية، كما ظهر في مواقف إسبانيا وفرنسا وكندا، وهناك مخاوف إسرائيلية من انضمام دول أخرى إلى هذا التوجه.