"العربات المُفخخة" .. خدمة جديدة في الإبادة ونشر الدمار بغزة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
ريبوك تخضع لابتزاز الاحتلال وتواصل بفخر تورطها في جرائمه ضد الفلسطينيينعبد العاطي: استخدامها توظيف مفرط للقوة لجعل غزة غير صالحة للحياة
الثوابتة: التفجيرات أدت لإيقاع أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى المدنيين
أبو زبيدة: يستخدمها الاحتلال لتطهير المناطق وتدميرها قبل دخول الآليات والجنود
لم يدم على عودة محمد الحداد وأهالي برج السعادة "9" الواقع على مفرق دوار "الحدود" بحي تل الهوى للبرج، سوى نصف ساعة، بعد بيات ليلتهم خارج البرج على إثر تكرر استهدافه بقذائف من الدبابات أدت لإصابة بعض السكان وتضرر العديد من الشقق.
وأثناء محاولة السكان إفراغ ما يستطيعون من شققهم من أغراض ومستلزمات، دوى صوت انفجار كبير صباح 14 سبتمبر/ أيلول 2025.
كانت الهزة القريبة أشبه بزلزال، ليحمل الحداد حقيبة استطاع أخذها من البيت، ويخرج هو و بقية السكان من البرج وهم في حالة هلع ورعب إلى الشارع الذي كانت تغطيه سحابة سوداء كثيفة، وبداخل تلك السحابة كان مواطنون يركضون بدمائهم النازف، وأخرون يطلبون المساعدة: "هناك مصابين. هناك أشلاء"، بعد انفجار آلية إسرائيلية مفخخة زرعها على دوار الدحدوح وموهها بأنقاض المنازل المهدمة، وفجرها لحظة تجمع الناس، أدت المجزرة إلى استشهاد 30 مواطنا وإصابة العشرات.
يروي الحداد لـ "فلسطين أون لاين": "خرجنا مسرعين، كنا نركض ونسابق الزمن، حتى وصلنا لمتنزه "برشلونة"، وضعت الحقيبتين بجانب زوجتي وقررت العودة لإحضار بقية الأغراض، رغم هول المشهد وكثافة الدخان، وفعلا عدت مسرعا ودخلت البرج، لكن مع قوة الانفجار لم استطع فتح باب الشقة".
ويضيف: "أثناء خروجي من البرج حدث انفجار مرعب ثانٍ نتيجة تفجير آلية مفخخة أخرى، جاري الذي قابلته لحظة دخولي البرج وجدته مصابا بقدمه، وكان حوله العديد من المصابين الذين سقطوا أرضا، والدخان مرة أخرى يملأ المكان، وسط صراخ من الناس من جديد "الناس مقطعة".
يتابع وهو يعيد رسم صورة الحدث: "خرجت من سحابة الدخان، وكان المواطنون يشاهدون من بعيد ما يحدث من انفجارات وسحابات دخان أسود، دون أن يتمكن أحد من التقدم للمساعدة. حملت الحقيبتين وساندت زوجتي وتوجهنا مشيا نحو قلب غزة، ودموعنا في أعيننا على كل هذا الفقد. لم أصدق أني نجوت. واستشهد نحو ثلاثين مواطنا من عائلة قزعاط وأكثر من خمسين إصابة من المارة وجيراني في البرج. دمر التفجير منازل لآل الرفاتي والقطّاع وقزعاط والدحدوح".
خدمة جديدة
والآليات الإسرائيلية المفخخة هي مدرعات من نوع m113، خرجت عن الخدمة ويملك الاحتلال منها نحو 6 آلاف آلية، دون توفر معلومات عن عدد الآليات التي فخخها، ويتم التحكم بها عن بعد، وخلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين كثف الاحتلال استخدامها خلال تقدمه بمنطقة جباليا البلد والنزلة، ومنطقة أبو سكندر شمال غزة، وفي حي تل الهوى جنوب المدينة.
وتحمل العربة 5 أطنان من المواد المتفجرة شديدة الانفجار، ويصل تأثير تفجيرها إلى 100 متر من نقطة التفجير، وتؤدي لمسح مربعات سكنية كاملة، فيما يصل تأثير صوتها المرعب لمسافات أبعد، وأدى استخدامها لوقوع الكثير من الشهداء والمصابين وإحداث تهجير على نطاق واسع.
ورغم أن حمزة محمد كان يتواجد ببيته عند مستشفى أصدقاء المريض لحظة تفجير عربة مفخخة قرب مفرق "دوار المالية" بحي تل الهوى، فإن تأثير التفجير كان قويا، وشاهد خلاله كتلة لهب ترتفع لمسافة 20 مترًا للأعلى.
وعن تأثير الانفجار، رأى محمد لصحيفة "فلسطين" أن تأثيره نفسي بدرجة أكبر، وبصورة أكبر يدمر مساحة بقطر أوسع، لافتا، إلى تكرر سماع انفجارات مرعبة وقوية ناجمة عن تفجير عربات مفخخة.
وإضافة للآليات المفخخة، استخدم الاحتلال صناديق مفخخة تدفعها جرافات لداخل الأحياء، أو صناديق أخرى يتم إسقاطها على أسطح المنازل من طائرات مسيّرة عمودية (كواد كابتر) وتكرر استخدامه بحي الشيخ رضوان، وهذا ما عايشته وفاء مراد قبل يومين، عندما استيقظت فجر الاثنين الماضي على وقع تفجيرات مرعبة متتالية صوتها مرعب وعالي جدًا قادمة من ناحية سطح منزلها المكون من طابقين، أحدث التفجير فتحة كبيرة في سقف العمارة وأضرارا في الطابق الثاني".
تحكي مراد لـ "فلسطين أون لاين": "استيقظنا أنا وزوجي مفزوعين من أثر التفجير، وأصيب الجيران في محيطنا من أثر التفجير. أحد الجيران أخبرنا انهم شاهدوا المسيّرة وهي تضع الصندوق المفخخ على سطح المنزل، قبل ساعة ونصف من تفجيره".
توظيف مفرط للقوة
استخدام الاحتلال للعربات المفخخة في أوساط الأحياء السكنية، بهذا الشكل والكثافة، يعني بحسب رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي، إصرارا إسرائيليا على تدمير معالم القطاع، وتوظيف مفرط للقوة المستخدمة، في مواجهة الأحياء المدنية، معتبرا، ذلك جزء من مخطط الإخلاء لمباني ومعالم القطاع، وتستخدم بكثافة شديدة بهذا الشكل، بهدف جعله منطقة غير صالحة للحياة، وهذا جزء من مخطط الإبادة، يجب أن تحاسب على هذه الجرائم.
وحتى الآن جرى توثيق تفجير أكثر من 200 عربة مفخخة داخل الأحياء السكنية وعلى أطرافها، وهذا مؤشر إلى نمط تصعيد ممنهج يهدف إلى إحداث أقصى قدر من الأذى والتهجير. وفق مدير المكتب الإعلامي الحكومي د. إسماعيل الثوابتة.
وتعتمد فوق الاحتلال بحسب ما ذكره الثوابتة بشكل منهجي واستراتيجي على تكتيك تفجير العربات المفخخة داخل الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين أو على مشارفها لتحقيق أهداف تكتيكية وسياسية متمثلة في إحداث تدمير واسع، وتهجير قسري للسكان وكسر الروح المعنوية للمجتمع المدني.
وأكد الثوابتة لـ"فلسطين أون لاين" بأن "استخدام عربات محملة بمتفجرات بكميات كبيرة داخل مناطق سكنية يندرج ضمن منطق استخدام الأسلحة الانفجارية واسعة المدى في مناطق مأهولة، وهو ما أظهر عبر حالات متكررة نتج عنها دمار شامل وخسائر مدنية جسيمة، على البنية التحتية والخدمات الحيوية من مساكن وشبكات مياه وكهرباء ومستشفيات وطرق".
ولفت إلى أن ذلك ينتج عنه تبعات قانونية جسمية بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني لخطورته وانتهاكه لمبدأي التمييز والتناسب والاحتياطات الواجبة وفق القانون الدولي الإنساني، ما يستدعي توثيقا وتحقيقا مستقلا ومحاكمة مسؤولة.
وأشار إلى أن التفجيرات أدت إلى إيقاع أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى المدنيين، وإحداث إصابات بالغة وإعاقات دائمة لدى ناجين كثيرين بالإضافة إلى تأثيرات نفسية جماعية واسعة، وأسفرت عن تدمير واحتراق أعداد كبيرة من الوحدات السكنية، وإخلال سبل الوصول إلى المستشفيات، وإخراج منشآت ومدراس عن الخدمة، وهو نمط يتطابق مع الآثار المعروفة لاستخدام الأسلحة الانفجارية في مناطق مأهولة.
ومن ناحية عسكرية، رأى الخبير في الشؤون العسكرية د. رامي أبو زبيدة أن هناك ثلاثة دوافع لهذا الاستخدام، أولها تقليل المخاطر على الجنود في بيئة خاصة بحرب المدن، عبر تطهير انفجاري قبل الاقتحام، والعامل الثاني تفجير العبوات والبنى التحصينية وخلق ممرات للدبابات والمشاة، إضافة لعمل تفريغ للمباني.
وأوضح أبو زبيدة لـ"فلسطين أون لاين" أن هناك فئتين من الروبوتات العملية التي تستخدم خلال الحرب، الأول عبارة عن مركبات مجنزرة خرجت عن الخدمة، وتحمل أطنانا من المتفجرات، قبل تقدم قوات المشاة، بهدف تطهير المناطق كأحد الأساليب الجديدة المستخدمة.
ولفت إلى أن النوع الآخر يتمثل بأجسام مفخخة أصغر حجما يتم وضعها بالممرات وعلى أسطح المنازل وداخل المباني، وتحمل شحنات أو براميل متفجرة، مشيرا، ولوجود تأثير نفسي وردعي من خلال تفجير مساحات واسعة تحدث صدمة وانهيارا عمرانيا للسكان.