تقرير خطة ترامب-نتنياهو.. كشف عن مأزق الاحتلال وفشل شروطه
klyoum.com
بعد مرور أكثر من 22 شهراً على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، دخلت الساحة السياسية والعسكرية في منعطف جديد مع طرح ما يُعرف بـ خطة ترامب – نتنياهو المكوّنة من 20 بنداً. هذه المبادرة جاءت لتعيد تشكيل النقاش حول مستقبل الحرب ومخرجاتها، في وقتٍ عجز فيه الاحتلال عن فرض إرادته العسكرية على المقاومة، وباتت معادلة "النصر المطلق" تتآكل لصالح خطاب "إدارة الأزمة" والبحث عن مخرج سياسي– إعلامي.
ومنذ 13 أغسطس 2024 انطلقت العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة على مدينة غزة، رفع نتنياهو سقف أهدافه والتي تتمثل بالقضاء التام على المقاومة، واستعادة الأسرى بالقوة، ومنع دخول المساعدات، وفرض التهجير، والبقاء العسكري في القطاع؛ غير أن التطورات الميدانية أظهرت محدودية القدرة الإسرائيلية على تحقيق هذه الأهداف.
واستطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة على مناطق عدة وتنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط التمركز الإسرائيلي، كما حافظت على بقاء ورقة الأسرى نقطة قوة تفاوضية لدى المقاومة، فيما فشل الاحتلال بفرض التهجير الجماعي، في ظل تمسك السكان بالبقاء رغم الكارثة الإنسانية، تصاعد الضغط الدولي والعربي نتيجة المجازر واستهداف المستشفيات والبنية المدنية، وفق مراقبين.
أمام هذه الحقائق، برزت الخطة الأميركية – الإسرائيلية كإطار جديد للتفاوض، في محاولة لنقل المعركة من الميدان إلى الطاولة، وتخفيف الضغط عن (تل أبيب).
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، إن المبادرة يمكن وصفها بأنها "أفضل الأسوأ"، إذ أنها تحمل إيجابيات وسلبيات للطرفين.
ويشير إلى أن النقاط العشرين أسقطت عملياً شروط نتنياهو الخمسة، وهو اعتراف غير مباشر بفشل الاحتلال في الحسم الميداني.
من الزاوية العسكرية، تتضمن الخطة عدة أبعاد وفق ما يوضح أبو زيد لصحيفة "فلسطين"، وهي إدارة الاعتراف والاعتذار، والتي تتمثل بمحاولة لإظهار الاحتلال بمظهر الطرف المرن، القادر على تقديم تنازلات تحت غطاء الوساطة الأميركية، رغم أنه مُكره عليها عسكرياً.
والبُعد الثاني هو طرح مفهوم "وضع السلاح" أو "تقييد استخدامه" بدلاً من الحديث عن "نزع سلاح المقاومة"، إذ أن هذه الصياغة اللغوية تعكس إدراكاً بأن فرض نزع السلاح بالقوة غير ممكن عملياً، وأن أي صيغة مستقبلية ستبقى خاضعة للتفاوض، حسب أبو زيد.
وبيّن أن البُعد الثالث يتمثل باستخدام الأسرى كورقة ضغط، إذ أن إدراج تبادل الأسرى (بما يشمل الإفراج عن 250 محكوماً بالمؤبد) يُظهر أن الاحتلال لم يتمكن من استعادة أسراه بعمل عسكري، ما يمثل اعترافاً ضمنياً بتفوق المقاومة في ملف أمني حساس.
أما البُعد الرابع وفق ما يقول أبو زيد هو الانسحاب الزمني التدريجي، حيث أن الحديث عن جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي يكشف عن مأزق الاحتلال في البقاء داخل القطاع لفترة طويلة، مع استنزاف قواته وخسائره البشرية والمادية.
المعضلة الإسرائيلية
على الرغم من قبول نتنياهو المبدئي ببنود الخطة، إلا أن الإعلام العبري – خصوصاً المواقع اليمينية – هاجم هذه الموافقة باعتبارها "انكساراً أمام المقاومة".
وهنا، يلفت أبو زيد إلى أن نتنياهو يراهن على رفض المقاومة للمبادرة، حتى يظهر أمام جمهوره بأنه قدّم تنازلات شكلية بينما الطرف الآخر هو من رفض، فيضع المقاومة في دائرة "الحرج الدولي".
لكن المعضلة حسب ما يرى أبو زيد، أن الخطة لاقت زخماً دبلوماسياً عربياً ودولياً، ما جعل (إسرائيل) تستثمر في البُعد الإعلامي لتخفيف عزلتها، بعد أن واجهت إدانات واسعة بسبب الجرائم المرتكبة في غزة.
التقدير العسكري للمقاومة
من منظور المقاومة، يمكن النظر إلى المبادرة باعتبارها إطاراً عاماً للنقاش، لا سيما في البنود المتعلقة بالأسرى والانسحاب. ويؤكد أبو زيد أن المقاومة قد تقول "نعم مشروطة"، شريطة توضيح صياغات غامضة، خصوصاً فيما يتعلق بالسلاح ومستقبل وجود الاحتلال. وهذا بحد ذاته إنجاز عسكري، إذ أن أي تفاوض على هذه الأرضية يعني اعترافاً بصمود المقاومة وقدرتها على فرض شروطها.
تجدر الإشارة أن الخطة الأميركية – الإسرائيلية تكشف أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود عسكرياً، وأن الاحتلال انتقل من استراتيجية "الحسم" إلى استراتيجية "إدارة الأزمة". إسقاط شروط نتنياهو الخمسة يُعد تحوّلاً كبيراً في مسار الحرب، ويعكس أن المقاومة نجحت في فرض معادلة الردع والصمود.
لكن يبقى التحدي في كيفية تعامل المقاومة مع الضغوط الدولية والإعلامية، دون التفريط بمكتسباتها الميدانية، خصوصاً في ملف السلاح والأسرى.
بذلك، يمكن القول إن خطة ترامب – نتنياهو ليست نهاية الحرب، بل بداية فصل جديد من المواجهة، حيث يتحول الصراع من الميدان إلى الطاولة، فيما تظل قوة المقاومة العسكرية هي المحدد الأساسي لمآلات أي اتفاق قادم.