ما بين خطاب القذافي اثناء حصار بيروت 1982 ومزايدات اليوم على القيادة الفلسطينية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
الولايات المتحدة تطلع إسرائيل على اتصالات مع إيران لاستناف المفاوضاتالكاتب:
د. عبد الرحيم جاموس
في صيف العام 1982م، وأثناء الحصار الإسرائيلي الوحشي لبيروت الغربية الذي استمر أكثر من 88 يومًا، خرج العقيد معمر القذافي، في خطاب متلفز، بدعوة صادمة إلى القيادة الفلسطينية، قائلاً ما معناه: "على الفلسطينيين أن ينتحروا جماعيًا على أسوار بيروت إن لم يتمكنوا من الانتصار!"
وقد أوردت صحف عربية وغربية هذا التصريح ضمن تغطياتها لتداعيات الحصار، ومنها صحيفة "الشرق الأوسط"، ومجلة "تايم" الأميركية.
لقد رفضت القيادة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات، هذه الدعوات الانفعالية، وفضّلت الصمود حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن تتخذ، بغطاء عربي ودولي، قرار الخروج المنظم من بيروت، بموجب اتفاق برعاية المبعوث الأميركي فيليب حبيب، أتاح انتقال القيادة إلى تونس واستمرار العمل السياسي والعسكري في إطار منظمة التحرير.
هذا القرار الاستراتيجي، الذي رفض الانتحار لصالح استمرار النضال، مكّن المنظمة لاحقًا من إعادة بناء قدراتها، وتمهيد الطريق لإعلان الاستقلال عام 1988م، والدخول في مفاوضات مدريد ثم أوسلو.
واليوم، بعد أكثر من 43 عامًا، يُعيد بعض المزايدين الجدد إنتاج الخطاب نفسه متغطين بالشعارات الثورية المخادعة والكاذبة، من خلال دعواتهم لحلّ السلطة الفلسطينية ردًا على العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة وسائر فلسطين، متجاهلين أن السلطة، على ما فيها من قصور، تمثل اليوم ركيزة الاعتراف الدولي بفلسطين.
أكثر من 149 دولة تعترف بدولة فلسطين على حدود 1967، والسلطة تُعدّ المرجعية الإدارية والسياسية لهذا الكيان المعترف به.
في نوفمبر 2012، نالت فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة بقرار الجمعية العامة رقم 67/19، بأغلبية 138 دولة.
في أصعب اللحظات، لم تُحلّ المؤسسات الوطنية، بعد فشل كامب ديفيد الثانية (2000) واندلاع انتفاضة الأقصى، وُوجهت السلطة بحصار شامل، بما فيه حصار الرئيس عرفات في المقاطعة حتى استشهاده، لكنها لم تتخلّ عن مسؤولياتها، بل تابعت النضال في الميدان والمحافل الدولية.
من هنا، فإن المطالبة بحلّ السلطة دون بديل مؤسساتي وطني جامع لا تخدم سوى أجندات التفكك والفوضى والعابثين بالشأن الفلسطيني، وتصبّ عمليًا في مصلحة الاحتلال الذي يسعى منذ أوسلو لتقويض البنية الكيانية والتمثيلية للشعب الفلسطيني.
إن ما نحتاجه اليوم ليس هدمًا للسلطة أو الممثل الشرعي، بل إعادة توجيه وتطوير هذه المؤسسات، وتصليب الجبهة الداخلية، وتفعيل المقاومة الشعبية والدبلوماسية، بالتكامل مع الكفاح الميداني، ضمن وحدة وطنية شاملة والتزام جميع الفصائل والقوى ب م.ت.ف. ممثلا شرعيا وحيدا وببرنامجها الوطني وأن تكف حركة حماس عن مغامراتها الإنفرادية، وتغريدها خارج الصف الوطني.
الانتحار ليس خيارًا وطنيًا، لا بالأمس في بيروت، ولا اليوم في الضفة أو غزة.
بل الخيار الصواب هو التمسك بالشرعية، ورفض العبث، والبناء على ما تحقق، ومواصلة الكفاح بعقل وطني جامع، ينهض من تحت الركام ويصون القرار الفلسطيني المستقل.