اخبار فلسطين

وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

سياسة

أحمد رفيق عوض في "دابة الأرض" وخيار الخلاص الجمعي

أحمد رفيق عوض في "دابة الأرض" وخيار الخلاص الجمعي

klyoum.com

الكاتب: تحسين يقين

يدرك الروائي ما سيسرده من أحداث، وما سنستخلص منها، فقد اختار سردا عاديا، بعيدا عن أي تقنية معقدة، حيث روى القصة واستعاد الماضي ما كان خلال الروي بأسلوب بسيط لكنه مشوّق. وهنا ستكون مهمة القارئ الفهم والتفكير والاستخلاص، ثم، وهذا الأكثر أهمية في حياتنا الفلسطينية ادبيا ووطنيا، اتخاذ موقف عقلانيّ وإنسانيّ مما يدور حولنا. إنه المضمون الجاد إذن.

نحن إزاء قصة عائلة فلسطينية عائدة بأفرادها، المولودين/ات خارج فلسطين قبل عام 1994، والمولودين بعد ذلك، يتحركون بشكل أساسي في فضاء الضفة الغربية، رام الله أساسا، والفضاء الزمني الممتد على مدار التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر، من خلال إشارات واستدعاء الماضي، لكنه يركّز بشكل خاص على العقود الثلاثة الأخيرة، أي فترى التغيرات السياسية الفلسطينية.

في "دابة الأرض" الصادرة حديثا، يقودنا الكاتب الى ان الخلاص ممكن حين يتقاطع الخلاص الفردي مع الخلاص العام، كذلك يقودنا الكاتب إلى أن خيار الشخصيات، حتى ولو ارتبط بمصالح فردية، ظل وطنيا، حيث أظهرت ذلك الرواية في آخرها حين اختار "الناجي" ان ينجو بنفسه وأخيه المقاوم ورفيقه.

آخر الرواية بداية، وهذا يعني الكثير للأفراد والجماعات وشعبنا الذي يمضي نحو استرداد حريته واستقلاله، حيث انه في حالة لحظية تصل لها الأحداث والأفكار، يصطف الجميع معا. لذلك تمنح الرواية فرصة تأمل البحث عن بداية، ربما لتصحيح البدايات لضمان نهايات تحقق الأهداف النبيلة.

في هذه البدايات، يتخلص السارد والقارئ معا من أسر التنميط والأحكام التي نصدرها تجاه بعضنا بعضا، فهو لم يصدر أحكاما على الشخصيات، حتى لو أظهرها من الداخل، ولا دفعنا لنحكم عليها، على نهج كبار الكتاب. أي انه تصالح مع الفئات المختلفة، ورأى انها ستنصهر في بوتقة الوجود المقاوم.

وليس هذا فقط، بل انه ينجح في تقديم أفراد أسرة واحدة، كمخرجات حسب المكان والظروف التي نشأوا فيها: لبنان رومانيا، وسوريا والأردن، وفلسطين. خلال ذلك يبرع الكاتب في وصف تكيّف الفلسطيني خارج الوطن وداخله، لا من أجل تحقيق مصالحه، بل من أجل بقائه كفلسطيني، ما يذكرنا بسعيد في رواية المتشائل لإميل حبيبي. أنجب أبو الناجي من زوجات متنوعات الجنسية والإقامة، بمن فيهن فلسطينية لاجئة في لبنان وأخرى من نابلس، فهو الذي تكيف مع ظروف المنفى وتنقله من منفى الى آخر، أورث التكيّف نفسه لأبنائه. ولعل تنوع اللهجات دليل على التكيّف في الحياة والأفكار والسلوك.

يعود أبو الناجي وأسرته، ليورث ابنه مكانة قيادية، حيث لأسباب قد يكون من بينها العمر، أو عدم الرضا، يختار التقاعد، والبعد عن العمل العام. يصبح ابنه مسؤولا، ويحظى الأخ والأخوات بأدوار ودخول، باستثناء الأخ الأصغر كفاح، الذي لأسباب، قد يكون منها حداثة السنّ، تكون لحياته مسار آخر.

يسرد الكاتب ما كان في الآن، في حين يمنح الشخصيات العودة الى الوراء، من أجل اكتمال السرد، يصبح الناجي (أبو ثائر)، مسؤولا، يتذكر حياته السابقة المتوترة، فنراه يحنّ دوما لحياة طبيعية عادية مستقرة، لكن يبدو أنه ورث والده فعلا، فالفلسطيني مهما كان موقعه فواقعه أصلا غير مستقر، لذلك بقيت كذلك حتى بعد الاستقرار النسبي، وظل في حالة تردد حتى آخر قرار له. تتسارع حياته النفسية بالربط معه حالاته، خاصة عند تعرضه لابتزازات ضيّقت عليه من خلال استغلال زلاته المالية، حيث دخل في ظل ذلك في تأملات دينية أقرب الى الصوفية. يرتبط بذلك ما رآه من إقبال الناس عليه ثم إدبارهم عنه ثم العودة لإقبالهم عليه.

تستفيد الابنة الكبرى يافا، من خلال العمل في سفارة البلد التي عاشت فيها، بينما تستفيد ثورة بالعمل بوظيفة مرموقة في إحدى الوزارات، لكنها لا تستقرّ بسبب طمع الذكور.

تستفيد حنين الصغرى من خلال المنظمات غير الحكومية، حيث تحظى بوضع مميز، لكنه يتعرض لأزمات التمويل، وحسنا فعل الكاتب بين اشتراطات الممول لأجندة النشاطات من جهة وتحرش ريتشارد بها من جهة أخرى.

أما سامي الأخ الأقرب عمرا وظروف تكوين، الذي عانى من العيش في مخيم اليرموك أثناء فترة انقطاعهما عن والدهما، بسبب المشاكل السياسية، فإنه وإن استفاد من مزايا كونه أخا للناجي وابنا لأبيه، لكن بعيدا عن العمل الحكومي، لكن ميزة سامي في الأسرة أنه الوحيد في وفائه للأخ الأكبر، بل انه من ينتشله من عثرته الأخيرة. وهو أيضا المدافع عن أخواته أمام الطامعين والعابثين. ربما تشاركه الوفاء زوجة أبيه الجديدة أم كفاح.

يختتم أحمد رفيق عوض في روايته العاشرة ما بدأه في مقامات العشاق والتجار، قبل 28 عاما، والحياة كما ينبغي قبل ثلاث سنوات، من خلال رواية القلق الوجودي الوطني، ومصائر الأفراد والجماعات، من خلال تأمل ميراث أبو الناجي ماديا ومعنويا، ونخصّ بما يشعر به من عودة مجزوءة، كونه لم يعد الى مدينته يافا.

تبدو شخصيتا الناجي الأخ الكبير وكفاح على طرفيّ نقيض، كون الأول مسؤولا والثاني مقاوما، لكن تتبع الرواية تنبئ عن المآلات المشتركة، التي لربما تصدم القارئ النمطيّ ذا الرؤية النقدية تجاه التحولات، ولكن في العمق فإنها لا تصدم من فهم روح هذا الشعب الذي مهما بعثرته الرياح، أو أوهمها بأنه قد تبعثر، إلا ان الوطن يظل البوصلة والخيار.

اسم الرواية ذو دلالة ميثولوجية ترمز الى الكشف عن الشخصيات من الداخل، من خلال تأمل دلالة الدابة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، والتي تم تفصيل الحديث عنها في الحديث، فيم يخصّ النفاق. بدأ ذلك في حديث الأب، الذي عانى من صدمة ما، ثم في حديث الابن بعد مروره في ظروف متناقضة ما بين صنع القرار وبين السجن على خلفية الفساد.

لعلنا نكمل في مقال آخر ما تستحقه الرواية من تحليل أدبي ونقدي، تلك الرواية التي سيقف عندها النقاد وعلماء الاجتماع كونها تتعرض لمرحلة مهمة يعيشها شعبنا، باتجاه الخلاص الوطني المنشود، بما أضافه الروائي من عقلانية وحكمة وإنسانية تتفهم النفس من الداخل، ولا تتسرع بالحكم على الشخصيات مهما كان واقعها.

*المصدر: وكـالـة مـعـا الاخـبـارية | maannews.net
اخبار فلسطين على مدار الساعة