بين تسوية قسرية ومواجهة جديدة.. نتنياهو يواجه فراغ الحرب ومأزق البقاء
klyoum.com
بعد إفراج حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن الأسرى الإسرائيليين، يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سياسة المناورة ومحاولات الالتفاف على استحقاقات إنهاء الحرب في غزة، في مشهد يعكس مأزقه السياسي وحاجته إلى مخرجٍ يضمن بقاءه في السلطة، وسط تساؤلات حول وجهته المقبلة: هل يسير نحو تسوية قسرية؟ أم أنه يبحث عن مبرر جديد لاستئناف الحرب؟
يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي د. محمد هلسة إن نتنياهو لم يذهب إلى إعلان موافقته على الخطة الأمريكية مختارًا، بل مكرهًا، بعد ضغوط مباشرة من الإدارة الأمريكية التي سعت لإنقاذ (إسرائيل) من حالة العزلة التي تعيشها، وبناء مقاربة جديدة في الشرق الأوسط تُقدم فيها واشنطن (إسرائيل) كشرطي للمنطقة، وتستكمل مشروع التطبيع المعروف بـ"اتفاقات أبراهام".
أهداف نتنياهو
فالأمريكي – كما يوضح هلسة لـ "فلسطين أون لاين"– يرى أن (إسرائيل) تخوض معارك على أكثر من جبهة، وتعيش عزلة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة، لذلك جاءت الصفقة محاولة لإعادة تسويقها كقوة إقليمية طبيعية، بينما كان هدف نتنياهو الحقيقي هو كسب الوقت وتخفيف الضغط الخارجي.
لكن الاتفاق – رغم انسجامه مع كثير من المطالب الإسرائيلية – يُعد من منظور اليمين الصهيوني قيداً استراتيجياً يهدد مشروع الضم والاستيطان وينهي حلم التهجير الكامل لسكان القطاع، ويقطع الطريق على ما يسميه اليمين "تصحيح خطأ الانسحاب من غزة".
ورغم أن مقاربة الصفقة تتماهى مع كثير من الشروط الإسرائيلية، إلا أن نتنياهو – في ذهنه وذهن اليمين الصهيوني الحاكم –يرى فيها قيداً استراتيجياً، لأنها تُنهي أحلامه في الضم والتوسع، وتغلق الباب أمام الاستيطان في القطاع، وتضع حداً لخطة التهجير التي أرادها نهايةً للحرب. كما أن الاتفاق حتى لو التزمت به حماس بحذافيره، فإنه بالنسبة للإسرائيليين يُكبل اليد ويقطع الطريق على ما يسميه اليمين الصهيوني "تصحيح خطأ الانسحاب من غزة".
ويشير هلسة إلى أن جيش الاحتلال انسحب حتى الآن من نحو 50% من أراضي القطاع، وربما ينسحب من مناطق أخرى، ما يثير غضب اليمين الذي يرى في ذلك خطأً تاريخياً يناقض فلسفته القائمة على أن "الاستيطان هو الطريق لقطع دابر الإرهاب"، ولذلك لا يمكن – وفق رؤيته – أن تتحقق الأجندة الصهيونية في ظل اتفاق كهذا.
إلى جانب ذلك، يوضح هلسة أن هناك مخاوف إسرائيلية أخرى تتعلق بقدرة الأطراف العربية والدولية على تنفيذ بنود الاتفاق المتعلقة بتدمير الأنفاق وسحب السلاح وملاحقة من تصفهم (إسرائيل) بـ(الإرهابيين)، إذ تشكك (إسرائيل) في جدية هذه الأطراف، وتخشى أن تتحول تركيا وقطر إلى "وجه آخر لحماس".
ويضيف أن الاتفاق، رغم أنه في جوهره يخدم الأجندة الإسرائيلية، إلا أن المؤسسة السياسية في (تل أبيب) ترى أن ما لحق بها من أضرار وصورة مهزوزة يستوجب المضي في إكمال المشهد حتى نهايته، إذ حسب الرؤية الإسرائيلية: "لقد تضررنا وتضررت صورتنا، فلنكمل المسار ونحقق الأهداف، فهذه فرصة لن تتكرر".
استراتيجية خروج
ويقول هلسة إن نتنياهو يعمل الآن على بناء استراتيجية خروج من هذا الاتفاق، لا تعني بالضرورة العودة إلى الحرب بصورتها القديمة، بل محاولة إقناع الرئيس الأمريكي بالتخلي عن الضغط على (إسرائيل)، وتبني الرواية الإسرائيلية بالكامل، وبدء مهاجمة حماس، بما يمنح (إسرائيل) شرعية التحلل من التزاماتها.
ويضيف أن الخطوات المقبلة قد تُترك لعامل الزمن، وربما تتجه (إسرائيل) إلى مقاربة تشبه الحالة اللبنانية، تقوم على استمرار القتل والاغتيالات والعمليات المحدودة كما يحدث الآن في غزة، حيث ارتكب الاحتلال مجزرة قبل أيام راح ضحيتها أحد عشر شهيداً بذريعة الاقتراب من الخط الأصفر، في استمرار لسياسة فرض الوقائع الميدانية.
الهدف – كما يراه هلسة – هو أن يتحول الموقف الأمريكي "المتساهل" مع بعض قضايا الصفقة إلى تبني كامل للرواية الإسرائيلية، بما يسمح لـ(تل أبيب) بالتحلل من قيود الاتفاق. ويؤكد أن هذا هو المطلوب إسرائيلياً في المرحلة الراهنة، لأن الأهم الآن هو فك القيد، حتى وإن لم تُستأنف الحرب مباشرة.
لكن العودة إلى الحرب تبقى خياراً قائماً، وإن كان مكبلاً بعوامل داخلية وخارجية، فداخلياً، فقد نتنياهو المبرر الذي بنى عليه الحرب وهو استعادة الأسرى، كما يواجه المجتمع الإسرائيلي أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، في وقت يتطلب فيه تجديد الحرب تعبئة أكثر من مئة ألف جندي احتياط من سوق العمل، ما يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد.
ويشير هلسة إلى أن فقدان الشرعية الدولية يمثل عقبة أخرى أمام (تل أبيب)، لأن العالم الذي تقبل الحرب بذريعة الأسرى لن يجد مبرراً لاستمرارها بعد استرجاعهم. "فالخطة كانت نزع سلاح حماس وإنهاء حكمها، وحماس وافقت، فما المبرر الآن؟" يقول هلسة.
ويشير إلى أن نتنياهو يسعى لقلب الموقف الأمريكي لصالحه، لإنتاج "صورة جديدة للحرب" تتيح له إطلاق يد جيشه أمنياً في القطاع دون كلفة سياسية دولية. وفي الوقت ذاته، يصعد في الداخل ضد الجهاز القضائي ومؤسسات الدولة، محاولاً تصدير أزماته وافتعال صراع بين اليمين الأيديولوجي واليسار الصهيوني.
وفي موازاة أزمته السياسية، يسعى نتنياهو أيضاً إلى مخرج قانوني شخصي عبر الدفع باتجاه إصدار عفو عنه، حيث يخضع لجلسات محاكمة، ما يثير سخط أنصاره الذين يعتبرونه "ملك الملوك".
ويختم هلسة بأن الرهان على واشنطن "وهم سياسي"، لأن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً، فهي ما تزال متماهية بالكامل مع الموقف الإسرائيلي، والتغير في خطابها ليس سوى تحول تكتيكي شكلي، بينما الجوهر – كما يقول – "صهيوني وعلى يمين المواقف الصهيونية ذاتها".