لماذا اختار ترامب "توني بلير" في خطة غزة؟
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
حماس: لدينا ملاحظات على خطة ترمب وسنعلن موقفنا قريبافي تطور منتظر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة لإنهاء الحرب على غزة. حظيت هذه الخطة فور إعلانها بمباركة المجموعة العربية والإسلامية التي التقت به على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى تأييد عدد من العواصم الغربية.
كما لاقت صدى واسعا داخل إسرائيل، حيث أظهرت استطلاعات للرأي أن نحو 72٪ من الإسرائيليين يؤيدونها باعتبارها فرصة لإنهاء الحرب، وتحقيق هدف استعادة الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
هذا المناخ السياسي الجديد يفتح الباب أمام نقاشات معمقة حول شكل الترتيبات الانتقالية المحتملة في غزة، ومن بينها مقترح تدعمه الإدارة الأميركية لتكليف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير برئاسة سلطة انتقالية دولية لإدارة قطاع غزة في "اليوم التالي" لانتهاء العمليات العسكرية.
هذا الطرح يشكل الآن مسرحا للتأويلات والنقاشات في الأوساط السياسية والإعلامية، بين من يراه فرصة لإعادة الإعمار وبناء مؤسسات حديثة، ومن يصفه بمحاولة فرض وصاية خارجية على الفلسطينيين.
ملامح السلطة الانتقالية المقترحة
وفقا للمقترحات المنشورة إعلاميا، من المتوقع أن تحمل الهيئة اسم السلطة الانتقالية الدولية لغزة (GITA)، على غرار تجارب انتقالية شهدتها مناطق مثل كوسوفو وتيمور الشرقية.
ستكون الهيئة مسؤولة عن إدارة القطاع إداريا وسياسيا لفترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، ريثما تتم تهيئة الظروف لعودة إدارة فلسطينية موحدة. وستضم مجلسا إشرافيا وهيئة تنفيذية، إلى جانب قوات حفظ سلام دولية، وعناصر شرطة محلية مدربة.
لماذا توني بلير؟
اختيار توني بلير ليس عشوائيا. فالرجل يتمتع بعلاقات معقدة، ولكن ممتدة في المنطقة. فقد لعب دورا في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين خلال فترة عمله مبعوثا للرباعية، ولديه اتصالات وثيقة مع العديد من العواصم العربية والغربية.
يرى داعمو الفكرة أن هذه الخصائص تؤهله ليكون وسيطا قادرا على إدارة مرحلة حساسة تتطلب توافقات متعددة الأطراف.
كما أن توني بلير ومنذ مغادرته رئاسة الحكومة البريطانية عام 2007، أسس مؤسسة فكرية/ سياسية مقرها الرئيس في العاصمة البريطانية، لندن، باسم Tony Blair Institute for Global Change (TBI)، أنشأ لها مكاتب وشراكات في عدة دول حول العالم.
تركز أنشطة (TBI) على تقديم الاستشارات للحكومات، خصوصا في مجالات: إصلاح الإدارة الحكومية، التحول الرقمي، محاربة التطرف ودعم السياسات الاقتصادية والتنموية.
وتحت لافتة هذا المعهد تحول بلير إلى شخصية مؤثرة شاركت وتشارك في صياغة الرؤى الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية للعديد من الدول مكنته من الاحتفاظ بشبكة واسعة من العلاقات الخاصة مع زعماء هذه الدول وشخصياتها المؤثرة.
كما يشارك بلير في مبادرات دبلوماسية غير رسمية (Track II diplomacy). ويظهر بشكل منتظم في المنتديات العالمية (دافوس، ميونخ للأمن، القمم الخليجية الاستثمارية).
يرى مؤيدو وضع بلير على رأس إدارة دولية مؤقتة في (اليوم التالي) لنهاية الحرب على غزة، أن هذه الخطوة يمكن أن تساهم في فصل الشق الإنساني والإداري عن الصراع السياسي داخل القطاع، بما يوفر مظلة لإعادة الإعمار بشكل منظم، وإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة، وبناء مؤسسات مهنية غير حزبية، تمهيدا لعودة السلطة الفلسطينية، أو جهة وطنية موحدة لإدارة القطاع.
كما يمكن أن تسهم في جذب التمويل الدولي، إذ تميل الدول المانحة إلى تقديم الدعم لمشاريع تشرف عليها جهات محايدة نسبيا.
وتمثل إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في قطاع غزة إحدى الركائز الأساسية لإعادة ترتيب الأوضاع هناك، ويأتي ذلك من خلال إنشاء قوة شرطة محلية غير مسيسة، مع وجود قوات حفظ سلام دولية، يرجح أن تكون بقيادة عربية.
الهدف هو ضمان الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، ومنع عودة الفوضى، أو سيطرة الفصائل المسلحة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ستتولى السلطة المؤقتة إدارة المعابر، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتشجيع الاستثمارات.
في المقابل، هناك رفض حذر داخل الأوساط الفلسطينية لهذه الأطروحات. فإسناد إدارة غزة إلى هيئة يرأسها توني بلير، وهو شخصية تعد في نظر كثيرين رمزا للسياسات الغربية التدخلية، ينظر إليه على أنه تقويض للسيادة الفلسطينية.
كما أن استبعاد الفصائل الفلسطينية، أو السلطة الفلسطينية من الإدارة الفعلية خلال المرحلة الانتقالية، يثير مخاوف من أن تتحول الهيئة إلى سلطة موازية دائمة، كما حدث في تجارب دولية أخرى، وهنا لا يمكن تجاهل الذاكرة السلبية المرتبطة بتوني بلير بشأن الحرب على العراق عام 2003.
فقد لعب دورا محوريا في دعم الغزو الأميركي للعراق، وتسويق معلومات غير صحيحة بشأن امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، أثبتت التحقيقات لاحقا (تقرير تشيلكوت عام 2016) بطلانها.
وعليه، فإن كثيرا من العرب والمسلمين ينظرون إلى بلير على أنه شخصية يصعب قبولها باعتبارها طرفا محايدا في إدارة مرحلة انتقالية بغزة. وحتى من الناحية العملية، يواجه المقترح تحديات جسيمة. فنجاح إدارة انتقالية يتطلب توافقا دوليا وإقليميا غير مضمون، إضافة إلى موافقة، أو على الأقل عدم معارضة فصائل فلسطينية قوية على الأرض.
كما أن فرض ترتيبات أمنية جديدة في بيئة مليئة بالسلاح والدمار أمر بالغ التعقيد. ومن دون دعم شعبي محلي، قد تصبح الإدارة الانتقالية هدفا للرفض أو حتى للهجمات.
عربيا، تجد الدول العربية نفسها في وضع حرج. فمن جهة، ترغب بعض العواصم في منع عودة الفوضى إلى غزة، وقد تكون مستعدة للمشاركة في قوات حفظ السلام، أو الدعم المالي.
ومن جهة أخرى، هي لا تريد الظهور وكأنها تشارك في وصاية أجنبية على القطاع. وبالتالي فإن الموقف العربي سيكون حاسما في تحديد ما إذا كان هذا المقترح سيتحول من فكرة إلى واقع.
في ضوء هذه المعطيات، فإن الحديث عن إدارة انتقالية بقيادة توني بلير في غزة يعكس عجز النظام الدولي عن إيجاد حل فلسطيني-فلسطيني داخلي، ورغبة في ملء الفراغ بسرعة بعد الحرب. نعم قد يوفر هذا النموذج فرصة لإعادة الإعمار وتنظيم الحياة المدنية، لكنه يحمل في طياته خطر ترسيخ إدارة خارجية طويلة الأمد.
ويمكن القول إن تعيين توني بلير على رأس سلطة انتقالية في غزة سيظل مرهونا بتفاهمات معقدة بين الأطراف الدولية والإقليمية والفلسطينية، ويبقى نجاحه غير مضمون، لكنه ليس مستحيلا إذا توافرت الإرادة السياسية الدولية، ووجدت آلية لإشراك الفلسطينيين وصولا إلى التحدي الأكبر المتمثل بتحويل هذه المرحلة- إن حصلت- من وصاية أجنبية مفروضة إلى جسر حقيقي نحو إدارة فلسطينية موحدة وذات سيادة.
إن إقحام اسم توني بلير مبكرا في مشهد غزة ليس مجرد خاطرة طرأت في ذهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا هو صدفة إعلامية، بل يمثل في حقيقته انعكاسا لرغبة دولية في السيطرة على سردية "اليوم التالي"، وتوجيهها منذ اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن لإرث رجل ارتبط بالحروب الغربية غير الشرعية في المنطقة أن يتحول فجأة إلى وجه مقبول لإدارة سلام هش في غزة؟
في هذا السياق، جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة لإنهاء حرب غزة ليضيف متغيرا جديدا إلى مشهد "اليوم التالي".
إذ تتضمن الخطة مقاربة تقوم على وقف إطلاق نار مشروط، يتلوه ترتيب أمني وانتقالي بإشراف أميركي ودولي، مع منح الفلسطينيين إدارة مدنية محدودة في المرحلة الأولى، تمهيدا لعملية سياسية أوسع لاحقا.
هذه الخطة، التي لاقت دعما أوليا من عدد من العواصم الغربية، قد تسهم في تسريع النقاش حول شكل الإدارة المؤقتة للقطاع، وربما تعزز من فرص تمرير فكرة سلطة انتقالية دولية برئاسة شخصية مثل توني بلير، في حال تم التوافق عليها دوليا وإقليميا.
أما على صعيد حركة حماس، فمن المرجح أن تتعامل مع الخطة بحذر شديد. فالحركة قد ترفض أي ترتيبات تمهد لإقصائها الكامل، لكنها في الوقت نفسه قد تجد نفسها مضطرة للتعاطي إذا ما وجدت أن الرفض المطلق سيؤدي إلى عزلة سياسية وعسكرية.
بعض المؤشرات تفيد بأن حماس قد توافق مبدئيا على وقف إطلاق النار، شريطة ضمانات بعدم نزع سلاحها بشكل أحادي، وإشراك أطراف عربية أو إسلامية في أي ترتيبات أمنية مستقبلية، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفاوض غير مباشر حول شكل السلطة المؤقتة ودور بلير أو غيره فيها.